فلما كانت الليلة ٣٦٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن خواص الملك لما نظروا الفرس تضاحكوا، وقالوا: وعلى مثل هذا الفرس يكون ما ذكره الفتى! فما نظنه إلا مجنونًا، ولكن سوف يظهر لنا أمره، وربما يكون له شأن عظيم. ثم إنهم رفعوا الفرس على أيديهم، ولم يزالوا حاملين لها حتى وصلوا إلى قدَّام الملك، وأوقفوها بين يديه؛ فاجتمع عليها الناس ينظرون إليها، ويتعجَّبون من حسن صنعتها، وحسن سرجها ولجامها، واستحسنها الملك أيضًا، وتعجَّب منها غاية العجب، ثم قال لابن الملك: يا فتى، أهذه فرسك؟ فقال: نعم أيها الملك هذه فرسي، وسوف ترى منها العجب. فقال له الملك: خذ فرسك واركبها. قال: لا أركبها إلا إذا بَعُدَ عنها العساكر، فأمر الملك العسكر الذين حوله أن يبعدوا عنها مقدار رمية السهم، فقال له: أيها الملك، ها أنا رائح أركب فرسي، وأحمل على جيشك فأفرِّقهم يمينًا وشمالًا، وأصدِّع قلوبهم. فقال له الملك: افعل ما تريد، ولا تُبْقِ عليهم، فإنهم لا يبقون عليك. ثم إن ابن الملك توجَّهَ إلى فرسه وركبها، واصطفت له الجيوش، وقال بعضهم لبعض: إذا وصل الغلام بين الصفوف نأخذه بأسنَّة الرماح، وشفار الصفاح. فقال واحد منهم: والله إنها مصيبة، كيف نقتل هذا الغلام صاحب الوجه المليح، والقدِّ الرجيح؟ فقال واحد آخر: والله لن تصلوا إليه إلا بعد أمر عظيم، وما فعل الفتى هذه الفعال إلا لما علم من شجاعة نفسه وبراعته.
فلما استوى ابن الملك على فرسه فرك لولب الصعود، فتطاولت إليه الأبصار لينظروا ماذا يريد أن يفعل، فماجت فرسه واضطربت حتى عملت أغرب حركات تعملها الخيل، وامتلأ جوفها بالهواء، ثم ارتفعت وصعدت إلى الجو، فلما رآه الملك قد ارتفع وصعد، نادى على جيشه وقال: ويلكم! خذوه قبل أن يفوتكم. فعند ذلك قال له وزراؤه ونوَّابه: أيها الملك، هل أحد يلحق الطير الطائر؟ وما هذا إلا ساحر عظيم قد نجَّاكَ الله منه، فاحمد الله تعالى على خلاصك من يده. فرجع الملك إلى قصره بعدما رأى من ابن الملك ما رأى، ولما وصل إلى قصره ذهب إلى ابنته، وأخبرها بما جرى له مع ابن الملك في الميدان، فوجدها كثيرة التأسُّف عليه وعلى فراقها له، ثم إنها مرضت مرضًا شديدًا، ولزمت الوساد؛ فلما رآها أبوها على تلك الحالة ضمَّها إلى صدره، وقبَّلها بين عينيها، وقال لها: يا بنتي، احمدي الله تعالى واشكريه حيث خلَّصنا من هذا الساحر الماكر. وجعل يكرِّر عليها ما رآه من ابن الملك، ويذكر لها صفة صعوده في الهواء، وهي لا تصغي إلى شيء من قول أبيها، واشتدَّ بكاؤها ونحيبها، ثم قالت في نفسها: والله لا آكل طعامًا، ولا أشرب شرابًا، حتى يجمع الله بيني وبينه. فحصل لأبيها الملك همٌّ عظيم من أجل ذلك، وشقَّ عليه حالُ ابنته، وصار حزين القلب عليها، وكلَّما يلاطفها لا تزداد إلا شغفًا به. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.