فلما كانت الليلة ٣٦٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك صار حزينَ القلب على ابنته، وكلما يلاطفها لا تزداد إلا شغفًا به. هذا ما كان من أمر الملك وابنته، وأما ما كان من أمر ابن الملك، فإنه لما صعد في الجو اختلى بنفسه، وتذكَّرَ حُسْن الجارية وجمالها، وكان قد سأل أصحاب الملك عن اسم المدينة واسم الملك واسم ابنته، وكانت تلك المدينة مدينة صنعاء. ثم إنه جَدَّ في السير حتى أشرف على مدينة أبيه، ودار حول المدنية، ثم توجَّه إلى قصر أبيه، ونزل فوق السطح، وترك فرسه هناك، ونزل إلى والده ودخل عليه، فوجده حزينًا كئيبًا لأجل فراقه، فلما رآه والده قام إليه واعتنقه وضمَّه إلى صدره، وفرح به فرحًا شديدًا. ثم إنه لما اجتمع بوالده سأله عن الحكيم الذي عمل الفرس وقال: يا والدي، ما فعل الدهر به؟ فقال له والده: لا بارَكَ الله في الحكيم، ولا في الساعة التي رأيتُه فيها؛ لأنه هو الذي كان سببًا لفراقك منَّا، وهو مسجون يا ولدي من يوم غبتَ عنَّا. فأمر ابن الملك بالإفراج عنه وإخراجه من السجن، وإحضاره بين يديه؛ فلما حضر بين يدي الملك خلع عليه خلعة الرضا، وأحسن إليه غاية الإحسان، إلا أنه لم يُزوِّجه ابنته؛ فغضب الحكيم من أجل ذلك غضبًا شديدًا، وندم على ما فعل، وعلم أن ابن الملك قد عرف سر الفرس وكيفية سيرها.
ثم إن الملك قال لابنه: الرأي عندي أنك لا تقرب هذه الفرس بعد ذلك، ولا تركبها أبدًا بعد يومك هذا؛ لأنك لا تعرف أحوالها، فأنت منها على غرور. وكان ابن الملك حدَّث أباه بما جرى له مع ابنه الملك صاحب تلك المدينة، وما جرى له مع أبيها، فقال له أبوه: لو أراد الملك قتلك لقتلك، ولكن في أَجَلك تأخير. ثم إن ابن الملك هاجت بلابله بحبِّ الجارية ابنة الملك صاحب صنعاء، فقام إلى الفرس وركبها، وفرك لولب الصعود فطارت به في الهواء، وعلت به إلى عنان السماء، فلما أصبح الصباح افتقده أبوه فلم يجده، فطلع إلى أعلى القصر وهو ملهوف، فنظر إلى ابنه وهو صاعد في الهواء فتأسَّفَ على فراقه، وندم كل الندم حيث لم يأخذ الفرس ويُخفِي أمرها، ثم قال في نفسه: والله إنْ رجع إليَّ ولدي ما بقيت أخلِّي هذه الفرس؛ لأجل أن يطمئن قلبي على ولدي. ثم إنه عاد إلى بكائه ونحيبه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.