فلما كانت الليلة ٣٦٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك عاد إلى بكائه ونحيبه من حزنه على ولده. هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر ابنه فإنه لم يزل سائرًا في الجو حتى وقف على مدينة صنعاء، ونزل في المكان الذي كان فيه أولًا، ومشى مستخفيًا حتى وصل إلى محل ابنة الملك فلم يجدها لا هي ولا جواريها ولا الخادم الذي كان محافظًا عليها؛ فعَظُم ذلك عليه، ثم إنه دار يفتِّش عليها في القصر، فوجدها في مجلس آخر غير محلها الذي اجتمع معها فيه، وقد لزمت الوساد، وحولها الجواري والدايات، فدخل عليهن وسلَّم عليهن، فلما سمعت الجارية كلامه قامت إليه واعتنقته وجعلت تقبِّله بين عينيه، وتضمُّه إلى صدرها؛ فقال لها: يا سيدتي، أوحشتِني هذه المدة. فقالت له: أنت الذي أوحشتني، ولو طالت غيبتك عني لَكنتُ هلكت بلا شك. فقال لها: يا سيدتي، كيف رأيت حالي مع أبيك وما صنع بي؟ ولولا محبَّتك يا فتنة العالمين لقتلته وجعلته عبرة للناظرين، ولكن أحبه من أجلك. فقالت له: كيف تغيب عني؟ وهل تطيب حياتي بعدك؟ فقال لها: أتطيعينني وتصغين إلى قولي؟ فقالت له: قل ما شئتَ فإني أجيبك إلى ما تدعوني إليه، ولا أخالفك في شيء. فقال لها: سيري معي إلى بلادي وملكي. فقالت له: حبًّا وكرامة.
فلما سمع ابن الملك كلامها فرح فرحًا شديدًا، وأخذ بيدها وعاهدها بعهد الله تعالى على ذلك، ثم صعد بها إلى أعلى سطح القصر وركب فرسه وأركبها خلفه، ثم ضمَّها إليه وشدَّها شدًّا وثيقًا، وحرَّك لولب الصعود الذي في كتف الفرس فصعدت بهما إلى الجو، فعند ذلك زعقت الجواري، وأعلمن الملك أباها وأمها، فصعدا مبادرَيْن إلى سطح القصر، والتفت الملك إلى الجو فرأى الفرس الأبنوس وهي طائرة بهما في الهواء؛ فعند ذلك انزعج الملك وزاد انزعاجه، وصاح وقال: يا ابن الملك، سألتك بالله أن ترحمني وترحم زوجتي ولا تفرق بيننا وبين بنتنا. فلم يجبه ابن الملك، ثم إن ابن الملك ظن في نفسه أن الجارية ندمت على فراق أمها وأبيها، فقال لها: يا فتنة الزمان، هل لك أن أردَّكِ إلى أمك وأبيك؟ فقالت له: يا سيدي، والله ما مرادي ذلك، إنما مرادي أن أكون معك أينما تكون؛ لأنني مشغولة بمحبَّتك عن كل شيء حتى أبي وأمي. فلما سمع ابن الملك كلامها فرح بذلك فرحًا شديدًا، وجعل يسير الفرس بهما سيرًا لطيفًا لكيلا يزعجها، ولم يزل يسير بها حتى نظر إلى مرج أخضر، وفيه عين ماء جارية، فنزلا هناك وأكلا وشربا، ثم إن ابن الملك ركب فرسه وأردفها خلفه، وأوثقها بالرباط خوفًا عليها وسار بها، ولم يزل سائرًا بها في الهواء حتى وصل إلى مدينة أبيه فاشتدَّ فرحه، ثم أراد أن يُظهِر للجارية محل سلطانه وملك أبيه، ويُعرِّفها أن مُلْك أبيه أعظم من مُلْك أبيها، فأنزلها في بعض البساتين التي يتفرج فيها والده، وأدخلها في المقصورة المعدَّة لأبيه، وأوقف الفرس الأبنوس على باب تلك المقصورة، وأوصى الجارية بالمحافظة على الفرس، وقال لها: اقعدي ها هنا حتى أرسل إليك رسولي؛ فإني متوجِّه إلى أبي لأُهيِّئ لك قصرًا، وأُظهِر لك مُلْكي. ففرحت الجارية عندما سمعت منه هذا الكلام وقالت له: افعل ما تريد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.