فلما كانت الليلة ٣٦٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ابن الملك لما سمع كلامهم صحَّ عنده أن الذي أخذ الجارية هو ذلك الحكيم، وكان بالأمر المقدَّر أن ابن الملك لما ترك الجارية في المقصورة التي في البستان وذهب إلى قصر أبيه ليهيِّئ أمره، دخل الحكيم الفارسي البستان ليجمع شيئًا من الحشيش النافع، فشمَّ رائحة المسك والطيب التي عبق منها المكان، وكان ذلك الطيب من رائحة ابنة الملك، فقصد الحكيم صوب تلك الرائحة حتى وصل إلى تلك المقصورة، فرأى الفرس التي صنعها بيده واقفة على باب المقصورة، فلما رأى الحكيم الفرس امتلأ قلبه فرحًا وسرورًا؛ لأنه كان كثير التأسُّف على الفرس حيث خرجت من يده، فتقدَّم إلى الفرس وافتقد جميع أجزائها فوجدها سالمة، ولما أراد أن يركبها ويسير قال في نفسه: لا بد أن أنظر إلى ما جاء به ابن الملك وتركه مع الفرس ها هنا. فدخل المقصورة فوجد الجارية جالسة وهي كالشمس الضاحية في السماء الصاحية، فلما نظرها علم أنها جارية لها شأن عظيم، وقد أخذها ابن الملك وأتى بها على الفرس وتركها في تلك المقصورة، ثم توجَّه إلى المدينة ليجيء لها بموكب ويُدخِلها المدينة بالتبجيل والتشريف، فعند ذلك دخل الحكيم إليها وقبَّل الأرض بين يديها، فرفعت إليه طرفها ونظرت إليه، فوجدته قبيح المنظر جدًّا بَشِع الصورة، فقالت له: مَن أنت؟ فقال لها: يا سيدتي، أنا رسول ابن الملك، قد أرسلني إليك وأمرني أن أنقلك إلى بستان آخَر قريب من المدينة. فلما سمعت الجارية منه ذلك الكلام قالت له: وأين ابن الملك؟ قال لها: هو في المدينة عند أبيه، وسيأتي إليك في هذه الساعة بموكب عظيم. فقالت له: يا هذا، وهل ابن الملك لم يجد أحدًا يُرسِله إليَّ غيرك؟ فضحك الحكيم من كلامها وقال لها: يا سيدتي، لا يغرنَّك قُبْح وجهي وبشاعة منظري، فلو نلتِ مني ما ناله ابن الملك لحمدتِ أمري، وإنما خصَّني ابن الملك بالإرسال إليك لقُبْح منظري ومهول صورتي؛ غيرةً منه عليكِ ومحبةً لكِ، وإلا فعنده من المماليك والعبيد والغلمان والخدم والحشم ما لا يُحصَى. فلما سمعت الجارية كلامه دخل في عقلها وصدَّقته، وقامت معه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.