فلما كانت الليلة ٣٦٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الحكيم الفارسي لما أخبر الجارية بأحوال ابن الملك صدَّقت كلامه، ودخل في عقلها، وقامت معه ووضعت يدها في يده، ثم قالت له: يا والدي، ما الذي جئتَ لي به معك حتى أركبه؟ فقال: يا سيدتي، الفرس التي جئتِ عليها تركبينها. فقالت له: أنا لا أقدر على ركوبها وحدي. فتبسَّمَ الحكيم عندما سمع منها ذلك، وعلم أنه قد ظفر بها، فقال لها: أنا أركب معك بنفسي. ثم إنه ركب وأركب الجارية خلفه وضمَّها إليه، وشدَّ وثاقها، وهي لا تعلم ما يريد بها، ثم إنه حرَّكَ لولب الصعود فامتلأ جوف الفرس بالهواء، وتحرَّكت وماجت، ثم ارتفعت صاعدة إلى الجو، ولم تزل سائرة بهما حتى غابت عن المدينة، فقالت له الصبية: يا هذا، أين الذي قلته عن ابن الملك حيث زعمتَ أنه أرسلك إليَّ؟ فقال لها الحكيم: قبَّحَ الله ابن الملك! فإنه خبيث لئيم. فقالت له: يا ويلك! كيف تخالف أمر مولاك فيما أمرك به؟ فقال لها: ليس هو مولاي، فهل تعرفين مَن أنا؟ فقالت له: لا أعرفك إلا بما عرَّفتني به عن نفسك. فقال لها: إنما كان إخباري لك بهذا الخبر حيلةً مني عليك وعلى ابن الملك، ولقد كنتُ متأسِّفًا طول عمري على هذه الفرس التي تحتك؛ فإنها صناعتي، وكان استولى عليها، والآن قد ظفرت بها وبكِ أيضًا، وقد أحرقتُ قلبه كما أحرق قلبي، ولا يتمكَّن منها بعد ذلك أبدًا، فطيبي قلبًا وقرِّي عينًا، فأنا لك أنفعُ منه.
فلما سمعت الجارية كلامه لطمت على وجهها ونادت: يا أسفاه! لا حصَّلت حبيبي ولا بقيت عند أبي وأمي. وبكت بكاءً شديدًا على ما حلَّ بها، ولم يزل الحكيم سائرًا بها إلى بلاد الروم حتى نزل بها في مرج أخضر ذي أنهار وأشجار، وكان ذلك المرج بالقرب من مدينة، وفي تلك المدينة ملك عظيم الشأن، فاتفق في ذلك اليوم أن ملك تلك المدينة خرج إلى الصيد والنزهة، فجاز على ذلك المرج، فرأى الحكيم واقفًا والفرس والجارية بجانبه، فلم يشعر الحكيم إلا وقد هجم عليه عبيد الملك وأخذوه هو والجارية والفرس، وأوقفوا الجميع بين يدي الملك، فلما نظر إلى قُبْح منظره وبشاعته، ونظر إلى حُسْن الجارية وجمالها، قال لها: يا سيدتي، ما نسبة هذا الشيخ منك؟ فبادَرَ الحكيم بالجواب وقال: هي زوجتي وابنة عمي. فكذَّبته الجارية عندما سمعت قوله وقالت: أيها الملك، والله لا أعرفه ولا هو بعلي، بل أخذني بالحيلة. فلما سمع الملك مقالها أمر بضربه فضربوه حتى كاد أن يموت، ثم أمر الملك أن يحملوه إلى المدينة ويطرحوه في السجن، ففعلوا به ذلك. ثم إن الملك أخذ الجارية والفرس منه، ولكنه لم يعلم بأمر الفرس، ولا بكيفية سيرها.
هذا ما كان من أمر الحكيم والجارية، وأما ما كان من أمر ابن الملك فإنه لبس ثياب السفر، وأخذ ما يحتاج إليه من المال، وسافَرَ وهو في أسوأ حال، وسار مُسرِعًا يقتصُّ الأثر في طلبهما من بلد إلى بلد، ومن مدينة إلى مدينة، ويسأل عن الفرس الأبنوس، وكلُّ مَن سمع منه خبر الفرس الأبنوس يتعجَّب منه ويستعظم قوله. فأقام على هذا الحال مدةً من الزمان، ومع كثرة السؤال والتفتيش عليهما لم يقع لهما على خبر، ثم إنه سار إلى مدينة أبي الجارية وسأل عنها هناك، فلم يسمع لها بخبر، ووجد أباها حزينًا على فقدها، فرجع وقصد بلاد الروم، وجعل يقتصُّ أثرهما ويسأل عنهما. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.