فلما كانت الليلة ٣٦٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ابن الملك قصد بلاد الروم، وجعل يقتصُّ أثرهما ويسأل عنهما، فاتفق أنه نزل في خان من الخانات فرأى جماعة من التجار جالسين يتحدثون، فجلس قريبًا منهم، فسمع أحدهم يقول: يا أصحابي، لقد رأيت عجبًا من العجائب. فقالوا له: وما هو؟ قال: إني كنت في بعض الجهات في مدينة كذا — وذكر اسم المدينة التي فيها الجارية — فسمعت أهلها يتحدثون بحديث غريب، وهو أن ملك المدينة خرج يومًا من الأيام إلى الصيد والقنص، ومعه جماعة من أصحابه وأكابر دولته، فلما طلعوا إلى البرية جازوا على مرج أخضر فوجدوا هناك رجلًا واقفًا وإلى جانبه امرأة جالسة، ومعه فرس من أبنوس؛ فأما الرجل فإنه قبيح المنظر مهول الصورة جدًّا، وأما المرأة فإنها صبية ذات حُسْن وجمال، وبهاء وكمال، وقدٍّ واعتدال، وأما الفرس الأبنوس فإنها من العجائب التي لم يَرَ الراءُون أحسن منها ولا أجمل من صنعتها. فقال له الحاضرون: فما فعل الملك بهم؟ فقال: أما الرجل فإنه أخذه الملك وسأله عن الجارية فادَّعى أنها زوجته وابنة عمه، وأما الجارية فإنها كذَّبته في قوله فأخذها الملك منه، وأمر بضربه وطرحه في السجن، وأما الفرس الأبنوس فما لي بها علم. فلما سمع ابن الملك هذا الكلام من التاجر دنا منه، وصار يسأله برفق وتلطُّف حتى أخبره باسم المدينة واسم ملكها، فلما عرف ابن الملك اسم المدينة واسم ملكها بات ليلته مسرورًا. فلما أصبح الصباح خرج وسافَرَ، ولم يزل مسافرًا حتى وصل إلى تلك المدينة، فلما أراد أن يدخلها أخذه البوابون وأرادوا إحضاره قدَّام الملك ليسأله عن حاله، وعن سبب مجيئه إلى تلك المدينة، وعمَّا يُحسِنه من الصنائع، وكانت هذه عادة الملك من سؤال الغرباء عن أحوالهم وصنائعهم، وكان وصول ابن الملك إلى تلك المدينة في وقت المساء، وهو وقت لا يمكن الدخول فيه على الملك ولا المشاورة عليه، فأخذه البوابون وأتوا به إلى السجن ليضعوه فيه، فلما نظر السجانون إلى حُسْنه وجماله لم يهُنْ عليهم أن يُدخِلوه السجن، بل أجلسوه معهم خارج السجن. فلما جاءهم الطعام أكل معهم بحسب الكفاية، فلما فرغوا من الأكل جعلوا يتحدثون، ثم أقبلوا على ابن الملك وقالوا له: من أي البلاد أنت؟ فقال: أنا من بلاد فارس بلاد الأكاسرة. فلما سمعوا كلامه ضحكوا، وقال له بعضهم: يا كسروي، لقد سمعت حديث الناس وأخبارهم وشاهدت أحوالهم، فما رأيت ولا سمعت أكذب من هذا الكسروي الذي عندنا في السجن. فقال آخَر: ولا رأيت أقبح من خلقته، ولا أبشع من صورته. فقال لهم ابن الملك: ما الذي بانَ لكم من كذبه؟ فقالوا: يزعم أنه حكيم، وكان الملك قد رآه في طريقه وهو ذاهب إلى الصيد، ومعه امرأة بديعة الحسن والجمال، والبهاء والكمال، والقدِّ والاعتدال، ومعه أيضًا فرس من الأبنوس الأسود ما رأينا قطُّ أحسنَ منها؛ فأما الجارية فهي عند الملك وهو لها محب، ولكن تلك المرأة مجنونة، ولو كان ذلك الرجل حكيمًا كما يزعم لداواها، والملك مجتهد في علاجها، وغرضه مداواتها مما هي فيه، وأما الفرس الأبنوس فإنها في خزانة الملك، وأما الرجل القبيح المنظر الذي كان معها فإنه عندنا في السجن، فإذا جنَّ عليه الليل يبكي وينتحب أسفًا على نفسه، ولا يدعنا ننام. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.