فلما كانت الليلة ٣١٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن زمرد استغاثت بالنبي ﷺ. هذا ما كان من أمرها، وأما ما كان من أمر علي شار، فإنه لم يزل راقدًا إلى ثاني يوم، ثم طار البنج من رأسه ففتح عينيه وصاح قائلًا: يا زمرد. فلم يجِبْه أحد، فدخل القاعة فوجد الجو قفرًا، والمزار بعيدًا، فعلم أنه ما جرى عليه هذا الأمر إلا من النصراني؛ فحنَّ وبكى، وأنَّ واشتكى، وأفاض العَبَرات، وأنشد هذه الأبيات:
فلما فرغ من شعره، صعَّد الزفرات وأنشد أيضًا هذه الأبيات:
وندم حيث لا ينفعه الندم، وبكى ومزَّق أثوابه، وأخذ بيده حجرين ودار حول المدينة، وصار يدق بهما على صدره ويصيح قائلًا: يا زمرد. فدارت الصغار حوله، وقالوا: مجنون مجنون. فكان كلُّ مَن عرفه يبكي عليه ويقول: هذا فلان، ما الذي جرى له؟ ولم يزل على هذه الحالة إلى آخر النهار، فلما جنَّ عليه الليل نام في بعض الأزقَّة إلى الصباح، ثم أصبح دائرًا بالأحجار حول المدينة إلى آخر النهار، وبعد ذلك رجع إلى قاعته ليبيت فيها، فنظرته جارته، وكانت امرأة عجوزًا من أهل الخير، فقالت له: يا ولدي سلامتك، متى جُنِنت؟ فأجابها بهذين البيتين:
فعلمَتْ جارته العجوز أنه عاشق مفارق، فقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا ولدي، أشتهي منك أن تحكي لي خبر مصيبتك، عسى الله أن يقدرني على مساعدتك عليها بمشيئته. فحكى لها جميع ما وقع له مع برسوم النصراني أخي الكاهن الذي سمَّى نفسه رشيد الدين، فلما علمت ذلك قالت له: يا ولدي، إنك معذور. ثم أفاضت دمع العين، وأنشدت هذين البيتين:
فلما فرغت من شعرها قالت له: يا ولدي، قُمِ الآن واشترِ قفصًا مثل أقفاص أهل الصاغة، واشتر أساور وخواتم وحلقانًا، وحُليًّا يصلح للنساء، ولا تبخل بالمال، وضع جميع ذلك في القفص، وهات القفص وأنا أضعه على رأسي في صورة دلَّالة، وأدور أفتش عليها في البيوت حتى أقع على خبرها إن شاء الله تعالى. ففرح علي شار بكلامها وقبَّل يدها، ثم ذهب بسرعة وأتى لها بما طلبته، فلما حضر ذلك عندها قامت ولبست مرقعة، ووضعت على رأسها إزارًا عسليًّا، وأخذت في يدها عكازًا، وحملت القفص ودارت في العُطَف والبيوت، ولم تزل دائرة من مكان إلى مكان، ومن حارة إلى حارة، ومن درب إلى درب، إلى أن دلَّها الله تعالى على قصر الملعون رشيد الدين النصراني، فسمعت من داخله أنينًا فطرقت الباب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.