فلما كانت الليلة ٣٧٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ابن الملك لما جعل نفسه حكيمًا، ودخل على الجارية وأعلمها بنفسه، أخبرها بالتدبير الذي يدبره، فقالت له: سمعًا وطاعة. ثم خرج من عندها، وتوجَّه إلى الملك وقال له: قُمِ ادخلْ إليها، وليِّنْ لها الكلام، وعِدْها بما يسرها؛ فإنه يتم لك كل ما تريد منها. فقام الملك ودخل عليها، فلما رأته قامت إليه وقبَّلت الأرض بين يديه ورحَّبت به؛ ففرح الملك بذلك فرحًا شديدًا، ثم أمر الجواري والخدم أن يقوموا بخدمتها، ويُدخِلوها الحمام ويجهِّزوا لها الحلي؛ فدخلوا إليها وسلَّموا عليها، فردَّتْ عليهم السلام بألطف منطق وأحسن كلام، ثم ألبسوها حللًا من ملابس الملوك، ووضعوا في عنقها عقدًا من الجواهر، وساروا بها إلى الحمام وخدموها، ثم أخرجوها من الحمام كأنها البدر التمام، ولما وصلت على الملك سلَّمت عليه، وقبَّلت الأرض بين يديه؛ فحصل للملك بها سرور عظيم، وقال لابن الملك: كل ذلك ببركتك زادنا الله من نفحاتك. فقال له: أيها الملك، إن تمام بُرئها وكمال أمرها أنك تخرج أنت وكل مَن معك من أعوانك وعسكرك إلى المحل الذي كنتَ وجدتها فيه، وتكون صحبتك الفرس الأبنوس التي كانت معها؛ لأجل أن أعقد عنها العارض هناك وأسجنه وأقتله، فلا يعود إليها أبدًا. فقال له الملك: حبًّا وكرامةً. ثم أخرج الفرس الأبنوس إلى المرج الذي وجدها فيه هي والجارية والحكيم الفارسي، وركب الملك مع جيشه، وأخذ الجارية صحبته، وهم لا يدرون ما يريد أن يفعل. فلما وصلوا إلى ذلك المرج أمر ابن الملك الذي جعل نفسه حكيمًا أن تُوضَع الجارية والفرس بعيدًا عن الملك والعساكر بمقدار مد البصر، وقال للملك: دستور عن إذنك، أنا أريد أن أطلق البخور وأتلو العزيمة، وأسجن العارض هنا حتى لا يعود إليها أبدًا، ثم بعد ذلك أركب الفرس الأبنوس وأركب الجارية خلفي؛ فإذا فعلتُ ذلك فإن الفرس تضطرب وتمشي حتى تصل إليك، فعند ذلك يتم الأمر فافعل بها بعد ذلك ما تريد.
فلما سمع الملك كلامه فرح فرحًا شديدًا، ثم إن ابن الملك ركب الفرس ووضع الصبية خلفه، وصار الملك وجميع عسكره ينظرون إليه، ثم إنه ضمَّها إليه وشدَّ وثاقها، وبعد ذلك فرك ابن الملك لولب الصعود، فصعدت بهما الفرس في الهواء، والعساكر تنظر إليه حتى غاب عن أعينهم، ومكث الملك نصف يوم ينتظر عودته إليه فلم يَعُدْ، فيئس منه وندم ندمًا عظيمًا، وتأسَّف على فراق الجارية، ثم أخذ عسكره وعاد إلى مدينته.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر ابن الملك، فإنه قصد مدينة أبيه فَرِحًا مسرورًا، ولم يزل سائرًا إلى أن نزل على قصره، وأنزل الجارية في القصر وأمَّنَ عليها، ثم ذهب إلى أبيه وأمه فسلَّمَ عليهما وأعلمها بقدوم الجارية، ففرحَا بذلك فرحًا شديدًا.
هذا ما كان من أمر ابن الملك والفرس والجارية، وأما ما كان من أمر ملك الروم، فإنه لما عاد إلى مدينته احتجَبَ في قصره حزينًا كئيبًا، فدخل عليه وزراؤه وجعلوا يسلُّونه ويقولون له: إن الذي أخذ الجارية ساحر، والحمد لله الذي نجَّاك من سحره ومكره. وما زالوا به حتى تسلَّى عنها. وأما ابن الملك فإنه عمل الولائم العظيمة لأهل المدينة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.