فلما كانت الليلة ٣١٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز لما سمعت من داخل البيت أنينًا طرقت الباب، فنزلت لها جارية ففتحت لها الباب وسلَّمت عليها، فقالت لها العجوز: إنَّ معي هذه الحويجات للبيع، هل عندكم مَن يشتري منها شيئًا؟ فقالت لها الجارية: نعم. ثم أدخلتها الدار وأجلستها، وجلس الجواري حولها، وأخذت كل واحدة شيئًا منها، فصارت العجوز تلاطف الجواري وتتساهل معهن في الثمن؛ ففرح بها الجواري بسبب معروفها ولين كلامها، وهي تتأمل في جهات المكان على صاحبة الأنين، فلاحت منها التفاتة إليها فحابتهم وأحسنت إليهم، وتأملت فوجدتها زمرد مطروحة فعرفتها، فبكت وقالت لهن: يا أولادي، ما بال هذه الصبية في هذا الحال؟ فحكى لها الجواري جميع القصة، وقلن لها: هذا الأمر ليس باختيارنا، ولكن سيدنا أمرنا بهذا، وهو مسافر الآن. فقالت لهم: يا أولادي، لي عندكن حاجة، وهي أنكن تحللن هذه المسكينة من الرباط إلى أن تعلمن بمجيء سيدكن فتربطنها كما كانت، وتكسبن الأجرَ من رب العالمين. فقلن لها: سمعًا وطاعة. ثم إنهن حللْنَها وأطعمْنَها وأسقيْنَها، ثم قالت العجوز: يا ليت رجلي انكسرت ولا دخلتُ لَكُنَّ منزلًا. وبعد ذلك ذهبت إلى زمرد، وقالت لها: يا بنتي سلامتك، سيفرِّج الله عنك. ثم ذكرت لها أنها جاءت من عند سيدها علي شار، وواعدتها أنها في ليلة غدٍ تكون حاضرة، وتلقي سمعها للحس، وقالت لها: إن سيدك يأتي إليك تحت مصطبة القصر ويصفِّر لك، فإذا سمعتِ ذلك فصفِّري له، وتدلي له من الطاقة بحبلٍ وهو يأخذكِ ويمضي. فشكرتها على ذلك، ثم خرجت العجوز وذهبت إلى علي شار وأعلمته، وقالت له: توجَّهْ في الليلة القابلة نصف الليل إلى الحارة الفلانية، فإن بيت الملعون هناك، وعلامته كذا وكذا، فقف تحت قصره وصفِّر، فإنها تتدلَّى إليك، فخذها وامضِ بها إلى حيث شئتَ. فشكرها على ذلك، ثم إنه أفاض العَبَرات وأنشد هذه الأبيات:
فلما فرغ من شعره تنهَّد وأفاض دمع العين، وأنشد هذين البيتين:
ثم إنه صبر إلى أن جنَّ الليل، وجاء وقت الميعاد، فذهب إلى تلك الحارة التي وصفتها له جارته، ورأى القصر فعرفه، وجلس على مصطبة تحته، وغلب عليه النوم فنام، وجلَّ مَن لا ينام، وكان له مدة لم يَنَمْ من الوَجْد الذي به، فصار كالسكران، فبينما هو نائم … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.