فلما كانت الليلة ٣٨٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السيدة زبيدة لما دخلت ذلك المكان يومًا، وأتت إلى البحيرة وتفرَّجت على حُسْنها، فأعجبها رونقها، والتفاف الأشجار عليها، وكان ذلك في يوم شديد الحر، فقلعت أثوابها ونزلت في البحيرة ووقفت، وكانت البحيرة لا تستر مَن يقف فيها، فجعلت تملأ الماء بإبريقٍ من لُجَيْن، وتصبُّ الماء على بدنها، فعلم الخليفة بذلك فنزل من قصره يتجسَّس عليها من خلف أوراق الأشجار، فرآها عريانة وقد بان منها ما كان مستورًا، فلمَّا أحست بأمير المؤمنين خلف أوراق الأشجار وعرفت أنه رآها عريانة، التفتت إليه ونظرته؛ فاستحت منه ووضعت يديها على فرجها، ففاض من بين يديها لفرط كبره وغلظه؛ فولَّى من ساعته وهو يتعجَّب من ذلك، وينشد هذا البيت:
ولم يدرِ بعد ذلك ما يقول، فأرسل خلف أبي نواس يحضر، فلما حضر بين يديه قال له الخليفة: أنشدني شعرًا أقول في أوَّله: نظرتْ عيني لحيني وذكا وَجْدي لبيني. فقال أبو نواس: سمعًا وطاعة. وارتجل في أقرب اللحظات، وأنشد هذه الأبيات:
فتبسَّمَ أمير المؤمنين من كلامه وأحسن إليه، وانصرف من عنده مسرورًا.
حكاية هارون الرشيد والشعراء الثلاثة
ومما يُحكَى أن أمير المؤمنين الرشيد قلق ذات ليلة قلقًا شديدًا، فقام يتمشَّى في جوانب قصره، فوجد جارية تتمايل من السُّكْر، وكان يهوى تلك الجارية ويحبها محبة عظيمة، فلاعَبَها وجذبها إليه، فسقط رداؤها وانحَلَّ إزارها، فسألها الوصل، فقالت: امهلني إلى ليلة غدٍ يا أمير المؤمنين، فإني غير متهيِّئة لك؛ لأنه لم يكن لي عِلْم بحضورك. فتركها ومضى، فلما أقبل النهار وأشرقت من شمسه الأنوار، أرسل إليها غلامًا يعرِّفها أن أمير المؤمنين حاضر إلى حجرتها، فأرسلت تقول له: كلام الليل يمحوه النهار. فقال الرشيد لندمائه: أنشدوني شعرًا فيه: «كلام الليل يمحوه النهار». فقالوا: سمعًا وطاعة. ثم تقدَّمَ الرقاشي وأنشد هذه الأبيات:
وبعد ذلك تقدَّمَ أبو مصعب وأنشد هذه الأبيات:
ثم تقدَّمَ أبو نواس وأنشد هذه الأبيات:
فأمر الخليفة لكل واحد من الشعراء ببدرة من المال إلا أبا نواس، فإنه أمر بضرب عنقه وقال له: أنت كنتَ حاضرًا معنا في القصر ليلًا؟ فقال: والله ما نمتُ إلا في بيتي، وإنما استدللتُ بكلامك على مضمون الشعر، وقد قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ. فعفا عنه وأمر له ببدرتين من المال، ثم انصرفوا من عنده.
حكاية مصعب بن الزبير وعائشة بنت طلحة
ومما يُحكَى عن مصعب بن الزبير أنه وجد عزة في المدينة وكانت من أعقل النساء، فقال لها: إني عزمتُ على زواج عائشة بنت طلحة، وأنا أحب منك أن تسيري إليها متأملة لخلقها. فسارت إليها ثم رجعت إلى مصعب وقالت له: رأيت وجهًا أحسن من العافية، لها عينان نجلاوان من تحتهما أنف أقنى، وخدان أسيلان، وفم كفم الرمانة، وعنق كإبريق فضة، وتحت ذلك صدر فيه نهدان كأنهما رمانتان، وتحت ذلك بطن أقب فيه سرَّة كأنها حق عاج، ولها عجيزة كدعص الرمل، وفخذان ملفوفتان، وساقان كأنهما من المرمر عمودان، غير أني رأيتُ في رجلها كبرًا وأنت تغيب عندها وقت الحاجة. فلما وصفَتْها عزة بتلك الصفات، تزوَّجَها مصعب ودخل بها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.