فلما كانت الليلة ٣٨٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن زوجة الطحان أخبرت جارها الذي تهواه بذلك لأجل أن تتقرب إليه، فعاهدها أن يأتيها ليلًا، فأتاها ليلًا وحفر في مدار الطاحون، فوجدَا الكنز فاستخرجاه، فقال لها الجار: كيف نصنع بهذا؟ فقالت: نقسمه نصفين بالسوية، وتفارق أنت زوجتك وأنا أحتال في فراق زوجي، ثم تتزوج بي، فإذا اجتمعنا جمعنا المال كله على بعضه فيصير بأيدينا. فقال لها جارها: أنا أخاف أن يطغيك الشيطان فتأخذي غيري، فإن الذهب في المنزل كالشمس في الدنيا، والرأي السديد أن يكون المال كله عندي لتحرصي أنتِ على الخلاص من زوجك والإتيان إليَّ. فقالت له: إني أيضًا أخاف مثل ما تخاف أنتَ، ولا أسلِّم إليك نصيبي من هذا المال، فإني أنا التي قد دللتُكَ عليه. فلما سمع منها هذا الكلام دعاه البغي إلى قتلها، فقتلها وألقاها في موضع الكنز، ثم أدركه النهار فعوقه عن مداراتها، فحمل المال وخرج؛ فاستيقظ الطحان من النوم فلم يجد زوجته، فدخل الطاحون وعلَّقَ حماره في الطاحون وصاح عليه فمشى ووقف، فضربه الطحان ضربًا شديدًا وكلما ضربه يتأخَّر؛ لأنه قد جفل من المرأة الميتة وصار لا يمكنه التقدُّم، كل ذلك والطحان لا يدري ما سبب توقُّف الحمار، فأخذ سكينًا ونخسه نخسًا كثيرًا، فلم ينتقل من موضعه، فغضب منه وطعنه بها في خاصرته، فسقط الحمار ميتًا. فلما طلع النهار رأى الطحان الحمار ميتًا، ورأى زوجته ميتة ووجدها في موضع الكنز، اشتدَّ غيظه على ذهاب الكنز وهلاك زوجته والحمار وحصل له همٌّ عظيم؛ فهذا كله من إظهار سره لزوجته وعدم كتمانها له.
حكاية المغفل والشاطر
ومما يُحكَى أن أحد المغفلين كان سائرًا وبيده مقود حماره وهو يجره خلفه، فنظره رجلان من الشطار، فقال واحد منهما لصاحبه: أنا آخذ هذا الحمار من هذا الرجل. فقال له: كيف تأخذه؟ فقال له: اتعبني وأنا أريك. فتبعه فتقدَّمَ ذلك الشاطر إلى الحمار، وفكَّ منه المقود وأعطاه لصاحبه وحط المقود في رأسه، ومشى خلف المغفل حتى علم أن صاحبه ذهب بالحمار ثم وقف، فجَرَّه المغفل بالمقود فلم يمشِ، فالتفت إليه فرأى المقود في رأس رجل، فقال له: أي شيء أنتَ؟ فقال له: أنا حمارك ولي حديث عجيب، وهو أنه كان لي والدة عجوز صالحة جئتُ إليها في بعض الأيام وأنا سكران، فقالت لي: يا ولدي، تُبْ إلى الله تعالى من هذه المعاصي. فأخذتُ العصا وضربتُها بها، فدعت عليَّ فمسخني الله تعالى حمارًا، وأوقعني في يدك، فمكثت عندك هذا الزمان كله، فلما كان هذا اليوم تذكَّرَتْني أمي وحنَّنَ الله قلبها عليَّ، فدعت لي فأعادني الله أدميًّا كما كنتُ. فقال الرجل: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بالله عليك يا أخي أن تجعلني في حلٍّ مما فعلتُه بكَ من الركوب وغيره. ثم خلى سبيله ومضى ورجع صاحب الحمار إلى داره وهو سكران من الهمِّ والغمِّ، فقالت له زوجته: ما الذي دهاك وأين الحمار؟ فقال لها: أنتِ ما عندك خبر بأمر الحمار، فأنا أخبرك به. ثم حكى لها الحكاية فقالت: يا ويلنا من الله تعالى، كيف مضى لنا هذا الزمان كله ونحن نستخدم بني آدم؟ ثم إنها تصدَّقَتْ واستغفرَتْ، وجلس الرجل في الدار مدةً وهو من غير شغل، فقالت له زوجته: إلى متى هذا القعود في البيت من غير شغل؟ فامضِ إلى السوق واشترِ لنا حمارًا واشتغل عليه، فمضى إلى السوق ووقف عند الحمير، وإذا هو بحماره يُباع، فلما عرفه تقدَّمَ إليه ووضع فمه على أذنه وقال له: ويلك يا مشئوم، لعلك رجعت إلى السكر وضربتَ أمك، والله ما بقيت أشتريك أبدًا. ثم تركه وانصرف.
حكاية هارون الرشيد والسيدة زبيدة والقاضي
ومما يُحكَى أن أمير المؤمنين هارون الرشيد آوَى إلى فراشه ذات يوم في وقت الظهيرة، فلما رَقِيَ السرير الذي ينام عليه، وجد منيًّا طريًّا في فراشه، فهاله ذلك وانحرف مزاجه انحرافًا شديدًا، وحصل له غمٌّ زائد، فدعا السيدة زبيدة، فلما حضرت بين يديه قال لها: ما هذا الملقَى على الفراش؟ فنظرت إليه ثم قالت له: هذا مني يا أمير المؤمنين. فقال لها: أصدقيني عن سبب هذا المني وإلا بطشتُ بكِ في الوقت. فقالت له: يا أمير المؤمنين والله لا أعلم لذلك سببًا، وإني بريئة مما توهمته فيَّ. فطلب القاضي أبا يوسف وذكر له القصة وأراه المني، فرفع القاضي أبو يوسف رأسه إلى السقف، فرأى فيه فرجة، فقال: يا أمير المؤمنين إن للخفاش منيًّا كمنيِّ الرجال، وهذا مني خفاش. وطلب رمحًا فأخذه بيده وطعن به في الفرجة، فوقع الخفاش فاندفع الوهم عن هارون الرشيد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.