فلما كانت الليلة ٣٩٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك أنوشِروان لما استعجل الصبية قال لها: لأي شيء أبطأتِ؟ فقالت له: لأنه لم يخرج من عود واحد قدر حاجتك، فعصرت ثلاثة أعواد، ولم يخرج منها مثل ما كان يخرج من عود واحد. فقال الملك أنوشِروان: ما سبب ذلك؟ فقالت: سببه أن نيَّة السلطان قد تغيَّرَتْ. فقال لها: من أين جاءك هذا؟ فقالت: سمعنا من العقلاء أنه إذا تغيَّرَتْ نيَّة السلطان على قومٍ زالت بركتهم وقلَّت خيراتهم. فضحك أنوشِروان، وأزال من نفسه ما كان أضمر لهم عليه، وتزوَّج بتلك الصبية حالًا؛ حيث أعجبه فرْطُ ذكائها وفطنتها، وحسن كلامها.
حكاية السقَّاء وزوجة الصائغ
ومما يُحكَى أنه كان بمدينة بخارى رجل سقَّاء يحمل الماء إلى دار رجل صائغ، ومضى له على تلك الحالة ثلاثون سنة، وكان لذلك الصائغ زوجة في غاية الحُسْن والجمال، والبهاء والكمال، موصوفة بالديانة والحفظ والصيانة، فجاء السقَّاء على عادته يومًا وصبَّ الماء في الجباب، وكانت المرأة قائمة في وسط الدار، فدنا منها السقَّاء وأخذ بيدها وفركها وعصرها، ثم مضى وتركها، فلما جاء زوجها من السوق قالت: إني أريد أن تعرِّفني أي شيء صنعتَ هذا اليوم في السوق مما يُغضِب الله تعالى. فقال الرجل: ما صنعتُ شيئًا يُغضِب الله تعالى. فقالت المرأة: لا والله، إنك فعلتَ شيئًا يُغضِب الله تعالى، وإن لم تحدِّثني بما صنعت وتصدقني في حديثك، لا أقعد في بيتك، ولا تراني ولا أراك. فقال: أخبرك بما فعلتُه في يومي هذا على وجه الصدق؛ اتفق أنني جالس في الدكان على عادتي إذ جاءتني امرأة إلى دكاني، وأمرتني أن أصوغ لها سوارًا وانصرفت، فصغت لها سوارًا من ذهب ورفعته، فلما حضرَتْ أتيتُها به، فأخرجت يدها ووضعتُ السوار في ساعِدِها؛ فتحيَّرتُ من بياض يدها وحُسْن زندها الذي يُسبِي الناظر، وتذكرتُ قولَ الشاعر:
فأخذتُ يدها وعصرتها ولويتها. فقالت له المرأة: الله أكبر، لِمَ فعلتَ هذا الجرم؟ إن ذلك الرجل السقاء الذي كان يدخل بيتنا منذ ثلاثين سنة ولم نَرَ فيه خيانة، أخذ اليوم يدي وعصرها ولواها. فقال الرجل: نسأل الله الأمان أيتها المرأة، إني تائب ممَّا كان مني فاستغفري الله لي. فقالت المرأة: غفر الله لنا ولك، ورزقنا حسن العاقبة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.