فلما كانت الليلة ٣٩١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن زوجة الصائغ قالت: غفَرَ الله لنا ولك، ورزقنا حسن العاقبة. فلما كان الغد جاء الرجل السقاء وألقى نفسه بين يدي المرأة، وتمرَّغ على التراب واعتذر إليها، وقال: يا سيدتي، اجعليني في حِلٍّ مما أغراني به الشيطان، حيث أضلَّني وأغواني. فقالت له المرأة: امضِ إلى حال سبيلك؛ فإن ذلك الخطأ لم يكن منك، وإنما كان سببه من زوجي؛ حيث فعل ما فعل في الدكان، فاقتصَّ الله منه في الدنيا.
وقيل: إن الرجل الصائغ لما أخبرته زوجته بما فعل السقاء معها قال: دقَّة بدقَّة، ولو زِدتُ لزاد السقا. فصار هذا الكلام مثلًا سائرًا بين الناس، فينبغي للمرأة أن تكون مع زوجها ظاهرًا وباطنًا، وتقنع منه بالقليل إن لم يقدر على الكثير، وتقتدي بعائشة الصدِّيقة، وفاطمة الزهراء — رضي الله تعالى عنهما — لتكون مع حواشي السلف.
حكاية خسرو وشيرين والصياد
ومما يُحكَى أن خسرو وهو ملك من الملوك كان يحب السمك، فكان يومًا جالسًا في قاعته هو وشيرين زوجته، فجاء صياد ومعه سمكة كبيرة فأهداها لخسرو، فأعجبته تلك السمكة فأمر له بأربعة آلاف درهم، فقالت له شيرين: بئس ما فعلتَ. فقال: ولِمَ؟ قالت: لأنك بعد هذا إذا أعطيتَ أحدًا من حشمك هذا القدر يحتقره، ويقول: إنما أعطاني مثل القدر الذي أعطاه للصياد. وإنْ أعطيتُه أقلَّ منه يقول: قد احتقرني وأعطاني أقل مما أعطى الصياد. فقال خسرو: لقد صدقتِ، ولكن يقبح بالملوك أن يرجعوا في هبتهم، وقد فات هذا. فقالت شيرين: أنا أدبِّر لك أمرًا في استرجاع العطية منه. فقال لها: وكيف ذلك؟ قالت له: إذا أردتَ ذلك فادعُ الصيادَ وقُلْ له: هل هذه السمكة ذكرًا أم أنثى؟ فإن قال: ذكر. فقُلْ له: إنما أردنا أنثى. وإنْ قال: أنثى. فقُلْ له: إنما أردنا ذكرًا. فأرسل خلف الصياد فعاد، وكان الصياد صاحب ذكاء وفطنة، فقال له الملك خسرو: هل هذه السمكة ذكرًا أم أنثى؟ فقبَّلَ الصياد الأرض وقال: هذه السمكة خنثى، لا ذكر ولا أنثى. فضحك خسرو من كلامه، وأمر له بأربعة آلاف درهم أخرى، فمضى الصياد إلى الخازندار وقبض منه ثمانية آلاف درهم، ووضعها في جراب كان معه وحملها على عنقه، وهَمَّ بالخروج، فوقع منه درهم واحد، فوضع الصياد الجراب عن كاهله وانحنى على الدرهم فأخذه، والملك وشيرين ينظران إليه، فقالت شيرين: أيها الملك، رأيت خِسَّةَ هذا الرجل وسفالته؛ حيث سقط منه درهم لم يسهل عليه أن يتركه ليأخذه بعض غلمان الملك. فلما سمع الملك كلامها اشمأَزَّ من الصياد وقال: لقد صدقتِ يا شيرين. ثم إنه أمر بإعادة الصياد وقال له: يا ساقِطَ الهمة لستَ بإنسان، كيف وضعتَ هذا المال عن كاهلك وانحنيتَ لأجل درهم، وبخلتَ أن تتركه في مكانه؟ فقبَّلَ الصياد الأرض وقال: أطال الله بقاء الملك، إنني لم أرفع ذلك الدرهم عن الأرض لخطره عندي، وإنما رفعته عن الأرض لأن على أحد وجهَيْه صورة الملك، وعلى وجهه الآخر اسمه، فخشيتُ أن يضع أحدٌ رجله عليه بغير علم، فيكون ذلك استخفافًا باسم الملك وصورته، فأكون أنا المؤاخذ بهذا الذنب. فتعجَّبَ الملك من قوله واستحسن ما ذكره، فأمر له بأربعة آلاف درهم أخرى، وأمر الملك مناديًا أن ينادي في مملكته ويقول: لا ينبغي لأحد أن يقتدي برأي النساء، فمَن اقتدَى برأيهن خسر مع درهمه درهمين.
حكاية يحيى بن خالد والفقير
ومما يُحكَى أن يحيى بن خالد البرمكي خرج من دار الخلافة متوجِّهًا إلى داره، فرأى على باب الدار رجلًا، فلما قرب منه نهض الرجل قائمًا وسلَّمَ عليه وقال له: يا يحيى، أنا محتاج إلى ما في يدك، وقد جعلتُ اللهَ وسيلتي إليك. فأمر يحيى أن يُفرَد له موضع في داره، وأمر خازنداره أن يحمل إليه في كل يوم ألف درهم، وأن يكون طعامه من خاص طعامه، فاستمرَّ الرجل على ذلك الحال شهرًا كاملًا، فلما انقضى الشهر كان قد وصل إليه ثلاثون ألف درهم، فخاف الرجل أن يحيى يأخذ منه الدراهم لكثرتها، فانصرف خفية. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.