فلما كانت الليلة ٣٩٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جعفرًا البرمكي لما سأل الرجل وقال له: من أين جئت؟ قال: من البصرة. فقال له جعفر: وإلى أين سيرُك؟ قال: إلى بغداد. قال له: وما تصنع فيها؟ قال: ألتمِس دواءً لعيني. فقال هارون الرشيد: يا جعفر مازِحْه. فقال: إذا مازحْتُه أسمع منه ما أكره. فقال: بحقي عليك أن تمازحه. فقال جعفر للشيخ: إنْ وضعتُ لك دواءً ينفعك ما الذي تكافِئُني به؟ فقال له: الله تعالى يكافِئُك عني بما هو خير لك من مكافأتي. فقال: أنصِتْ إليَّ حتى أصف لك هذا الدواء الذي لا أصفه لأحد غيرك. فقال له: وما هو؟ قال له جعفر: خذ لك ثلاث أواقٍ من هبوب الريح، وثلاث أواقٍ من شعاع الشمس، وثلاث أواقٍ من زهر القمر، وثلاث أواقٍ من نور السراج، واجمع الجميع وضعها في الريح ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك ضعها في هون بلا قعر، ودُقَّها ثلاثة أشهر، فإذا دققتَها فضَعْها في جَفنة مشقوقة، وضَعِ الجفنةَ في الريح ثلاثة أشهر، ثم استعمل هذا الدواء في كل يوم ثلاثة دراهم عند النوم، واستمِرَّ على ذلك ثلاثة أشهر؛ فإنك تُعافَى إن شاء الله تعالى. فلما سمع الشيخ كلام جعفر، انسطح على حماره وضرط ضرطة منكرة، وقال: خُذْ هذه الضرطة مكافأةً لك على وصفك هذا الدواء، فإذا استعملتُه ورزقني الله العافية، أعطيتُكَ جاريةً تخدمك في حياتك خدمةً يقطع الله بها أجلك، فإذا متَّ وعجَّل الله بروحك إلى النار، سخمت وجهك بخراها من حزنها عليك، وتندب وتلطم وتنوح، وتقول في نياحتها: يا ساقع الذقن، ما أسقع ذقنك! فضحك هارون الرشيد حتى استلقى على قفاه، وأمر لذلك الرجل بثلاثة آلاف درهم.
حكاية عمر بن الخطاب والشاب الحسن
وحكى الشريف حسين بن ريَّان أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان جالسًا في بعض الأيام للقضاء بين الناس، والحكم بين الرعايا، وعنده أكابر أصحابه من أهل الرأي والإصابة. فبينما هو جالس إذ أقبل عليه شاب من أحسن الشباب، نظيف الثياب، وقد تعلَّق به شابَّان من أحسن الشباب، وقد جذبه الشابان من طوقه، وأوقفاه بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ فنظر أمير المؤمنين إليهما وإليه، فأمرهما بالكفِّ عنه وأدناه منه، وقال للشابين: ما قصتكما معه؟ فقالا: يا أمير المؤمنين، نحن أخوان شقيقان، وباتِّباع الحقِّ حقيقان، كان لنا أبٌ شيخٌ كبيرٌ حَسَنُ التدبير، مُعظَّمٌ في القبائل، مُنزَّهٌ عن الرذائل، معروفٌ بالفضائل، ربَّانا صغارًا وأولانا مِننًا كبارًا … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.