فلما كانت الليلة ٣٩٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المأمون اجتهَدَ في هدم الأهرام وأنفق على ذلك أموالًا عظيمة، ولم يقدر على هدمها، وإنما فتح في أحدها طاقة صغيرة، ويقال: إن المأمون وجد في الطاقة التي فتحها من الأموال قدْرَ الذي أنفقه على فتحها لا يزيد ولا ينقص، فتعجب المأمون من ذلك، ثم أخذ ما هناك ورجع عن تلك النية. والأهرام ثلاثة، وهي من عجائب الدنيا، لم يكن على وجه الأرض مثلها في إحكامها وإتقانها وعلوِّها، وذلك أنها مبنية بالصخور العظام، وكان البناءون الذين بنوها يثقبون الحجر من طرفَيْه ويجعلون فيه القضبان الحديد قائمة، ويثقبون الحجر الثاني وينزلونه فيه ويذيبون الرصاص ويجعلونه فوق القضيب بترتيب الهندسة، حتى إذا كمل بناؤها وصار ارتفاع كل هرم في الهواء مائة ذراع بالذراع المعهود في ذلك الوقت، وهي مربعة الأطراف من كل جانب، منحدرة الأعالي من أواخرها، مقدار الواحد منها ثلاثمائة ذراع. ويقول القدماء: إن في داخل الهرم الغربي ثلاثين مخزنًا من حجارة الصوان، مملوءة بالجواهر النفيسة والأموال الجمة والتماثيل الغريبة، والآلات والأسحلة الفاخرة التي دُهِنت بالدهان المدبر بالحكمة، فلا تصدأ إلى يوم القيامة، وفيها الزجاج الذي ينطوي ولا ينكسر، وأصناف العقاقير المركبة والمياه المدبرة؛ وفي الهرم الثاني أخبار الكهنة مكتوبة في ألواح من الصوان، لكل كاهن لوح من ألواح الحكمة، وموسوم في ذلك اللوح عجائب صناعته وأعماله، وفي الحيطان صور أشخاص كالأصنام تعمل بأيديها جميع الصناعات وهي قاعدة على المراتب، ولكل هرم منها خازن حارس عليها، وتلك الحراس يحفظونها على مر الزمان من طوارق الحدثان، وعجائب الأهرام حيَّرَتْ أربابَ البصائر والأبصار، وقد كثرت في وصفها الأشعار، ولم تحصل منه على طائل، فمن ذلك قول القائل:
وقول الآخَر:
وقول الآخَر:
وقول الآخَر:
حكاية اللص وتاجر القماش
ومما يُحكَى أنَّ رجلًا كان لصًّا وتاب إلى الله تعالى وحسنت توبته، وفتح له دكانًا يبيع فيها القماش، ولم يزل على ذلك مدةً من الزمان، فاتفق في بعض الأيام أنه أغلق دكانه ومضى إلى بيته، فجاء اللصوص المحتالين وتزيَّا بزيِّ صاحب الدكان، وأخرج من كمه مفاتيح، وكان ذلك ليلًا، وقال لحارس السوق: أشعِلْ لي هذه الشمعة. فأخذها منه الحارس ومضى ليُشعِلها … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.