فلما كانت الليلة ٣٩٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الحارس أخذ منه الشمعة ومضى ليشعلها، ففتح اللص الدكان وأشعل شمعة أخرى كانت معه، فلما جاء الحارس وجده جالسًا في الدكان ودفتر الحساب في يده، وهو ينظر إليه ويحسب بأصابعه، ولم يزل على تلك الحالة إلى وقت السَّحَر، ثم قال للحارس: ائتني بجمَّال وجَمَلِه ليحمل لي بعض البضائع. فأتاه بجمَّال وجَمَلِه، فتناوَلَ أربع رزم من القماش وناولها له، فحملها على الجمل، ثم أغلق الدكان وأعطى الحارس درهمين ومضى خلف الجمَّال والحارس معتقد أنه صاحب الدكان. فلما أصبح الصباح واتضح النهار، جاء صاحب الدكان فجعل الحارس يدعو له لأجل الدرهمين، فأنكَرَ صاحب الدكان مقالته وتعجَّبَ منها، فلما فتح الدكان وجد سيلان الشمع ودفتر الحساب مطروحًا، وتأمَّلَ في الدكان فوجد أربع رزم من القماش مفقودة، فقال للحارس: ما الخبر؟ فحكى له ما صنع بالليل ومقاولة الجمَّال على الرزم، فقال له: ائتني بالجمَّال الذي حمل القماش معك سَحَرًا. فقال: سمعًا وطاعةً. ثم أتاه به فقال له: إلى أين حملتَ القماش سَحَرًا؟ فقال له: إلى الموردة الفلانية، ووضعته في مركب فلان. فقال له: سِرْ معي إليها. فمضى معه إليها وقال له: هذه المركب وهذا صاحبها. فقال للمراكبي: إلى أين حملتَ التاجر والقماش؟ فقال له: إلى المكان الفلاني، وأتاني بجمَّال فحمل القماش على جملة ومضى ولم أعرف إلى أين ذهب. فقال له: ائتني بالجمال الذي حمل من عندك القماش. فأتاه به فقال له: إلى أين حملتَ القماشَ من المركب مع التاجر؟ فقال: إلى موضع كذا. فقال له: سِرْ معي إليه وأَرِنِي إياه. فمضى معه الجمَّال إلى مكان بعيد عن الشاطئ، وعرَّفَه الخان الذي وضع فيه القماش، وأراه حاصل التاجر، فتقدَّمَ إلى الحاصل وفتحه، فوجد الأربع رزم القماش بحالها لم تنفك، فناوَلَها إلى الجمَّال، وكان اللص قد وضع كساءه على القماش، فناوَلَه صاحب القماش إلى الجمَّال أيضًا، فحمل الجميع على الجمل ثم أغلق الحاصل وذهب مع الجمَّال، وإذا باللص واجهه، فتبعه إلى أن أنزل القماش في المركب، فقال له: يا أخي، أنت في وداعة الله وقد أخذتَ قماشك وما ضاع منه شيء، فأَعْطِني الكساء. فضحك منه التاجر وأعطاه الكساء ولم يشوِّش عليه، وانصرف كلٌّ منهما إلى حال سبيله.
حكاية مسرور السيَّاف وابن القاربي
ومما يُحكَى أن أمير المؤمنين هارون الرشيد قلق ليلةً من الليالي قلقًا شديدًا، فقال لوزيره جعفر بن يحيى البرمكي: إني أرقت في هذه الليلة وضاق صدري، ولم أعرف كيف أصنع. وكان خادمه مسرور واقفًا أمامه فضحك، فقال له الخليفة: ومِمَّ تضحك؟ أتضحك استخفافًا بي أم جنونًا منك؟ فقال: لا والله يا أمير المؤمنين … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.