فلما كانت الليلة ٤٠٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن هارون الرشيد قال لمسرور السياف: أتضحك استخفافًا بي أم جنونًا منك؟ فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، وحق قرابتك من سيد المرسلين، ما فعلتُ ذلك باختياري، ولكنني خرجتُ بالأمس أتمشَّى بظاهر القصر حتى وصلت إلى شاطئ الدجلة، فرأيت الناس مجتمعين فوقفتُ، فرأيتُ رجلًا يُضحِك الناس يقال له ابن القاربي، فتذكَّرْتُ الآنَ كلامَه فغلب عليَّ الضحك، وأطلب منك العفو يا أمير المؤمنين. فقال الخليفة: عليَّ به في هذه الساعة. فخرج مسرور مُسرِعًا إلى أن وصل إلى ابن القاربي وقال له: أجِبْ أمير المؤمنين. فقال: سمعًا وطاعةً. فقال له مسرور: ولكن بشرط، أنك إذا دخلتَ عليه وأنعَمَ عليك بشيء، يكون لك فيه الربعُ والبقيةُ لي. فقال له ابن القاربي: بل لك النصف ولي النصف. فقال له مسرور: لا. فقال له ابن القاربي: لك الثلثان ولي الثلث. فأجابه مسرور إلى ذلك بعد جهد جهيد، ثم قام معه، فلما دخل على أمير المؤمنين حيَّاه بتحية الخلافة ووقف بين يديه، فقال له أمير المؤمنين: إذا أنتَ لم تُضحِكني ضربتُك بهذا الجراب ثلاثَ مرات. فقال ابن القاربي في نفسه: وما عسى أن تكون ثلاث ضربات بهذا الجراب، مع أن ضرب السياط لا يضرني. وظنَّ أنَّ الجراب فارغ، ثم تكلَّمَ بكلامٍ يُضحِك المغتاظ وأتى بأنواع السخرية، فلم يضحك أمير المؤمنين ولم يتبسَّم، فتعجب ابن القاربي منه وضجر وخاف، فقال له أمير المؤمنين: الآن استحققْتَ الضرب. ثم أخذ الجراب وضربه مرةً، وكان فيه أربع زلطات، كل زلطة زنتها رطلان، فوقعت الضربة في رقبته فصرخ صرخة عظيمة، وتذكَّرَ الشرطَ الذي بينه وبين مسرور، فقال: العفو يا أمير المؤمنين، اسمع مني كلمتين. قال له: قُلْ ما بَدَا لك. فقال: إن مسرور أشرط عليَّ شرطًا واتفقت معه عليه، وهو أن ما حصل لي من إنعام أمير المؤمنين، يكون لي منه الثلث وله الثلثان، وما أجابني إلى ذلك إلا بعد جهد عظيم، فالآن لم تُنعِم عليَّ إلا بالضرب، وهذه الضربة نصيبي والضربتان الباقيتان نصيبه، فأنا قد أخذتُ نصيبي، وها هو واقف يا أمير المؤمنين، فادفع له نصيبَه. فلما سمع أمير المؤمنين كلامه ضحك حتى استلقى على قفاه، ودعا بمسرور فضربه ضربة فصاح وقال: يا أمير المؤمنين، يكفيني الثلث وأَعْطِه الثلثين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.