فلما كانت الليلة ٤٠٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عبد الرحمن المغربي الصيني كان يحدِّث بالعجائب، منها ما ذكره من أنه سافر في بحر الصين مع جماعة، فرأوا جزيرة على بُعْد، فرست بهم المركب على تلك الجزيرة فرأوها عظيمة واسعة، فخرج إليها أهل تلك السفينة ليأخذوا ماءً وحطبًا، ومعهم الفئوس والحبال والقرب وذلك الرجل معهم، فرأوا في الجزيرة قبة عظيمة بيضاء لمَّاعة طولها مائة ذراع، فلما رأوها قصدوها ودنوا منها فوجدوها بيضة الرخ، فجعلوا يضربونها بالفئوس والحجارة والخشب حتى انشَقَّتْ عن فرخ الرخِّ، فوجدوه كالجبل الشامخ، فنتفوا ريشه من جناحه ولم يقدروا على نتفها منه إلا بتعاونهم، مع أنه لم يتكامل خلف الريش في ذلك الفرخ، ثم أخذوا ما قدروا عليه من لحم الفرخ وحملوه معهم، وقطعوا أصل الريشة من حد القصبة وحلوا قلوع المركب، وسافروا طول الليل إلى طلوع الشمس، وكانت الريح مسعفة لتلك السفينة وهي سائرة بهم، فبينما هم كذلك إذ أقبل الرخُّ كالسحابة العظيمة، وفي رجلَيْه صخرة كالجبل العظيم أكبر من السفينة، فلما حاذى السفينة وهو في الجو ألقى الصخرة عليها وعلى مَن بها من الناس، وكانت السفينة مُسرِعة في الجري فسبقت فوقعت الصخرة في البحر، وكان لوقوعها هول عظيم، وكتب الله لهم السلامة ونجَّاهم من الهلاك، وطبخوا ذلك اللحم وأكلوه، وكان فيهم مشايخ بيض اللحى، فلما أصبحوا وجدوا لحاهم قد اسودَّتْ ولم يَشِب بعد ذلك أحد من القوم الذين أكلوا من ذلك اللحم، وكانوا يقولون: إن سبب عود شبابهم إليهم وامتناع المشيب عنهم، أن العود الذي حرَّكوا به القدر كان من شجرة النشاب، وبعضهم يقول: سبب ذلك لحم فرخ الرخ. وهذا من أعجب العجب.
حكاية عدي بن زيد والأميرة هند
ومما يُحكَى أن النعمان بن المنذر ملك العرب كان له بنت تُسمَّى هندًا، وقد خرجت في يوم الفصح وهو عيد النصارى لتتقرَّب في البيعة البيضاء، ولها من العمر أحد عشر عامًا، وكانت أجمل بنات عصرها وزمانها، وفي ذلك اليوم كان عدي بن زيد قد قَدِم إلى الحيرة من عند كسرى بهدية إلى النعمان، فدخل البيعة البيضاء ليتقرب، وكان مديد القامة، حلو الشمائل، حسن العينين، نقي الخد، ومعه جماعة من قومه، وكان مع هند بنت النعمان جارية تُسمَّى مارية، وكانت مارية تعشق عديًّا، ولكنها لا يمكنها الوصول إليه، فلما رأته في البيعة قالت لهند: انظري إلى هذا الفتى، فهو والله أحسن من كلِّ مَنْ تزيَّنَ. قالت هند: ومَن هو؟ قالت: عدي بن زيد. قالت هند بنت النعمان: أخاف أن يعرفني إنْ دنوْتُ منه حتى أراه من قريب. قالت مارية: ومن أين يعرفك وما رآك قطُّ؟ فدنَتْ منه وهو يمازح الفتيان الذين معه، وقد برع عليهم بجماله وحُسْن كلامه وفصاحة لسانه، وما عليه من الثياب الفاخرة، فلما نظرت إليه افتتنت به واندهش عقلها وتغيَّر لونها، فلما عرفت مارية ميلها إليه، قالت لها: كلِّميه. فكلَّمَتْه وانصرفت، فلما نظر إليها وسمع كلامها افتتن بها، واندهش عقله، وارتجف قلبه، وتغيَّرَ لونه، حتى أنكر عليه الفتيان، فأسر إلى بعضهم أن يتبعها ويكشف له خبرها، فمضى خلفها ثم عاد إليه وأخبره أنها هند بنت النعمان، فخرج من البيعة وهو لا يدري أين الطريق من شدة عشقه، ثم أنشد هذين البيتين:
فلما فرغ من شعره ذهب إلى مكانه، وبات ليلته قلقًا لم يذق طعم النوم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.