فلما كانت الليلة ٤٠٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عديًّا لما فرغ من شعره ذهب إلى بيته وبات ليلته قلقًا لم يَذُقِ النومَ، فلما أصبح تعرَّضَتْ له مارية، فلما رآها هشَّ لها وكان قبل ذلك لا يلتفت إليها، ثم قال لها: ما مرادك؟ قالت: إن لي حاجة إليك. قال: اذكريها، فوالله لا تسأليني شيئًا إلا أعطيتُكِ إياه. فأخبرته أنها تهواه وأن حاجتها إليه الخلوة، فسمح لها بذلك بشرط أن تحتال في هند وتجمع بينها وبينه، وأدخَلَها حانوت خمار في بعض دروب الحيرة وواقَعَها، ثم خرجت وأتَتْ هند فقالت لها: أَمَا تشتهين أن تري عديًّا؟ قالت: وكيف لي بذلك، وقد أقلقني الشوق إليه، ولا يقر لي قرار من البارحة؟ فقالت: أنا أعده بمكان كذا أو كذا، وتنظرين إليه من القصر. فقالت هند: افعلي ما شئتِ. واتفقت معها على ذلك الموضع، فأتى عدي فأشرفت عليه، فلما رأته كادت أن تسقط من أعلاه، ثم قالت: يا مارية، إنْ لم تُدخِليه عليَّ في هذه الليلة هلكتُ. ثم وقعَتْ مغشيًّا عليها، فحملنها وصائفها وأَدْخَلْنَها القصر، فبادرت مارية إلى النعمان وأخبرته بخبرها وأصدقته الحديث، وذكرت له: إنها هامَتْ بِعُدَيٍّ. وأعلمَتْه أنه إنْ لم يزوِّجها به افتضحت وماتت من عشقه، ويكون ذلك عارًا عليه بين العرب، وأنه لا حيلةَ في ذلك الأمر إلا تزويجها به؛ فأطرق النعمان ساعة يفكِّر في أمرها، واسترجع مرارًا ثم قال: ويلك، وكيف الحيلة في تزويجها به، وأنا لا أحب أن أبتَدِئَه بذلك الكلام؟ فقالت: هو أشد عشقًا منها وأكثر رغبةً فيها، فأنا أحتال في ذلك من حيث لا يعلم أنك عرفتَ أمره، ولا تفضح نفسك أيها الملك. ثم إنها ذهبت إلى عُدَيٍّ وأخبرته وقالت له: اصنع طعامًا ثم ادعُ الملك إليه، فإذا أخذ منه الشراب فأخطبها منه، فإنه غير رادِّكَ. فقال: أخشى أن يُغضِبه ذلك فيكون سببًا للعداوة بيننا. فقالت له: ما جئتُكَ إلا بعدما فرغتُ من الحديث معه. وبعد ذلك رجعَتْ إلى النعمان وقالت له: أطلب منه أن يضيفك في بيته. فقال لها: لا بأس. ثم إن النعمان بعد ذلك بثلاثة أيام سأله أن يتغدى عنده أصحابه، فأجابه إلى ذلك، ثم ذهب إليه النعمان فلما أخذ منه الشراب مأخذه، قام عُدَيٌّ فخطبها منه، فأجابه وزوَّجَه إياها وضمَّها إليه بعد ثلاثة أيام، فمكثت عنده ثلاث سنين وهما في أرغد عيش وأهناه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.