فلما كانت الليلة ٤٠٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عُدَيًّا مكث مع هند بنت النعمان بن المنذر ثلاث سنين وهما في أرغد عيش وأهناه، ثم إن النعمان بعد ذلك غضب على عُدَيٍّ وقتله، فوَجَدَتْ عليه هند وَجْدًا عظيمًا، ثم إنها بَنَتْ لها ديرًا في ظاهر الحيرة وترهَّبَتْ فيه وجلست تندبه وتبكيه حتى ماتت، وديرها معروف إلى الآن في ظاهر الحيرة.
حكاية دعبل الخزاعي والجارية وابن الوليد
ومما يُحكَى أن دعبل الخزاعي قال: كنتُ جالسًا بباب الكرخ إذ مرَّتْ بي جارية لم أَرَ أحسن منها ولا أعدل قَدًّا، وهي تنثني في مشيتها وتسبي الناظرين بتثنيها، فلما وقع بصري عليها افتتنتُ بها وارتجف فؤادي، وآنست أنه قد طار قلبي من صدري، فأنشدتُ معرضًا لها هذا البيت:
فنظرَتْ إليَّ واستدارَتْ بوجهها، وأجابتني بسرعة بهذا البيت:
فأدهشتني بسرعة جوابها وحُسْن منطقها، فأنشدتُها ثانيًا هذا البيت:
فأجابتني بسرعة من غير توقُّف بهذا البيت:
فما دخل في أذني قطُّ أحلى من كلامها، ولا رأيت أبهج من وجهها، فعدلتُ بالشعر عن القافية امتحانًا لها وعجبًا بكلامها، فقلتُ لها هذا البيت:
فتبسَّمَتْ فما رأيتُ أحسن من فمها، ولا أحلى من ثَغْرها، وأجابتني بسرعة من غير توقُّف بهذا البيت:
فنهضتُ مسرعًا وصرتُ أقبِّل يديها، وقلت لها: ما كنتُ أظن أن الزمان يسمح لي بمثل هذه الفرصة، فاتَّبعي أثري غير مأمورة ولا مستكرهة، بل بفضلٍ منك تعطُّفًا عليَّ، ثم وليتُ وهي خلفي، ولم يكن إليَّ في ذلك الوقت منزل أرضاه لمثلها، وكان مسلم بن الوليد صديقًا لي وله منزل حسن فقصدته، فلما قرعتُ عليه الباب خرج إليَّ فسلَّمْتُ عليه وقلتُ: لمثل هذا الوقت تُدَّخَر الإخوان. فقال: حبًّا وكرامةً، ادخل. فدخلنا فصادفنا عنده عسرة، فدفع لي منديلًا وقال: اذهب به إلى السوق وبِعْه وخُذْ ما تحتاج إليه من طعام وغيره. فمضيتُ مسرعًا إلى السوق وبِعْتُه وأخذت ما نحتاج إليه من طعام وغيره، ثم رجعت فرأيت مسلمًا قد خلا بها في سرداب، فلما أحَسَّ بي وثب إليَّ وقال لي: كافاكَ الله يا أبا عليٍّ على جميل ما صنعتَ معي، ولقاك ثوابه وجعله حسنةً في حسناتك يومَ القيامة. ثم تناوَلَ مني الطعام والشراب، وأغلَقَ البابَ في وجهي، فغاظني قوله ولم أَدْرِ ما أصنع وهو قائم خلف الباب يهتَزُّ سرورًا، فلما رآني على تلك الحالة قال: بحياتي يا أبا عليٍّ، مَن الذي أنشأ هذا البيت:
فاشتدَّ غيظي منه وقلتُ: هو منشئ هذا البيت:
ثم جعلت أشتمه وأسبُّه على قبيح فعله وقلة مروءته، وهو ساكت لا يتكلم، فلما فرغت من سبِّي له، تبسَّمَ وقال: ويلك يا أحمق، إنما دخلتُ منزلي وبعتُ منديلي وأنفقتُ دراهمي، فعلى مَن تغضب يا قوَّاد؟ ثم تركني وانصرف إليها، فقلتُ له: أَمَا والله لقد صدقتَ في نسبتي إلى الحماقة والقوادة. وانصرفتُ عن بابه وأنا في همٍّ شديدٍ أجد أثره في قلبي إلى يومي هذا، ولم أظفر بها ولا سمعتُ لها خبرًا.
حكاية إسحاق الموصلي والمغني
ومما يُحكَى أن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: اتفق أنني ضجرت من ملازمة دار الخليفة والخدمة بها، فركبت وخرجت بكرة النهار، وعزمت على أن أطوف الصحراء وأتفرَّج، وقلت لغلماني: إذا جاء رسول الخليفة أو غيره فعرِّفوه أنني بكَّرت في بعض مهماتي، وأنكم لا تعرفون أين ذهبت. ثم مضيت وحدي وطفت في المدينة، وقد حَمِي النهار فوقفت في شارع يُعرَف بالحرم … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.