الحب الأول
كنت صغيرًا لم أدخل — بعدُ — في حدود الشباب، وكان الوقت صيفًا، وأكثر ما أقضي النهار أمام البيت أُلاعب الصبية من لِدَاتي، فمرة نكون قطارًا بخاريًّا مؤلفًا من بضع عشرة قاطرة — ليس بينها مركبة واحدة — ننفخ جميعًا ونقول: «أومف أومف بفو بفو» وأخرى نكون خيلًا تصهل وتتوثب وتضرب الأرض بحوافرها وتزعج المارة وتصطدم بهم، وطورًا نتقاذف بالكرة ونحطِّم بها زجاج النوافذ فيثور السكان ويجلوننا عن الحارة، وتارة نقسِّم أنفسنا فريقين: عصابة من اللصوص وضباطًا، وأحيانًا نعصِب لواحد منا عينيه ونتوارى عنه وينطلق هو وراءنا باحثًا، فمَن لقي منا عصبنا له عينيه بدلًا منه، وهكذا إلى آخر هذه الألعاب الصبيانية إن كان لها آخر يُعرف أو حدٌّ تقف عنده ولا تعدوه.
وكنت أنا — بفضل الله — أحمقَهم جميعًا وأشرسهم خُلقًا وأسرعهم إلى الشجار، وكنت إذا ضاربني أحد لا أبالي أين وقعت يدي، ولا أتقي أن أُصيب عينه أو أنفه أو أسنانه، وقد أتناول الحفنة من التراب وأعفِّر به وجهه وأرده كالأعمى، ثم أنهال عليه لطمَا ولكمًا وركلًا. فقد كنت واسع الحيلة كما ترى، فعوَّضني ذلك من ضعفي، وصارت لي بفضله منزلة بين هؤلاء الصبيان. وكانت لي جارة — فتاة صغيرة كالنرجسة في مثل سني — وكنت أكثر ما أراها مطلة من النافذة علينا أو واقفة إلى بابها تنظر إلينا ولا تشترك معنا، ولا أستطيع أن أصفها، فقد بَهِتت صورتُها بعد كل هذه السنين الطويلة، وإن كنت لا أزال أرى لها نوطة في القلب وعَلوقًا بالفؤاد كلما كرَّت بي الذاكرة إلى تلك الأيام، وكانت لا تفتأ تُنكِر مني طيشي ومغامراتي. رأتني مرة مقبلًا على البيت بعد الغروب بقليل، وعلى جلبابي الأبيض طوائف شتى من الأوحال فاستوقفتني وسألتني: «ما هذا؟ ماذا أصابك؟»
قلت: اعترضتني حفرة واسعة فأردت أن أعبرها وثبًا فقصر الوثب عن الغاية، فكان ما ترين.
قالت: لو فكرتَ قبل أن تثب لعلمت أنك لا تستطيع أن تعبر الحفرة.
قلت: ولكني عبرتها.
قالت: كلا! لم تعبرها بل وقعت فيها، وهذه ثيابك تشهد عليك.
قلت: ولكني اجتزتها والسلام. ألا ترينني أمامك؟
قالت: عنيد ولا خير في الكلام معك.
وتركتني.
واتفق بعد شهور من ذلك أن لقيتها عائدة إلى بيتها وكنَّا على مسافة مائتي متر منه، فلما صرنا في «الحارة» إذا هي زحلوقة لا تثبت فيها القدم من كثرة الماء المرشوش، ولم يكن ثَم طريق آخر، فأسندتْ يدها على الحائط وناولتني يدها الأخرى، وقلما كنت ألمس يدها. فلما صارت كفُّها في كفي شعرت بشيء من الزهو ممزوج بالغبطة، وخفت على يدها اللينة البضة أن تؤذيها قبضتي — التي خُيل إليَّ أنها قوية — فجعلتُ أصابعي حول رسغها حيث العظام فيما بدا لي أقوى على الاحتمال، وجعلت أخطو بحذر مخافة أن يطير إلى ثوبها النظيف رشاش من الماء القذر، وكانت مضطرة أن تعتمد عليَّ بجسمها، وتلك أول مرة دنت مني أو دنوت منها إلى هذا الحد، وكان شعرها محلولًا ومرسلًا من فوق كتفها على صدرها، فجعلت أُدني أنفي منه وأشمه، ولم يكن معطرًا ولكني كنت أجد له ريحًا طيبة، فلحظتْ ذلك مني وسألتني وقد جذبت يدها قليلًا: «ما هذا الذي تفعله؟»
قلت: إني أشمك.
قالت: تشمني! إنك أوقح مَن رأيت من غلمان حارتنا.
قلت: لست أقصد أن أكون وقحًا، ولكن لشعرك رائحة طيبة فهل من بأس أن أشمه؟
قالت: كلا، لا تفعل.
قلت: لقد فعلت وانتهى الأمر.
وبعد قليل قلت: «هل تعلمين أن على وجهك وشعرك سبعة، ثمانية نجوم؟»
فابتسمت ولم ترد، فقلت ومددت إصبعي وأشرت به: «حقيقة. نجمان على شعرك، هنا وهنا، ونجم على جبينك هنا — ثلاثة — ونجم في كل عين — خمسة — ونجم على طرف أنفك — ستة — واثنان على فمك هنا وهنا — ثمانية نجوم — ليت معك مرآة! إذن لأريتك!»
فضحكت، وكنا قد صرنا على الأرض الناشفة فعُدْنا إلى وسط الطريق وسِرْنا، ولكن يدها بقيت في يدي، حتى بلغنا بيتها فشكرتني ودخلت.
ومنذ ذلك اليوم صار لهذه الفتاة تأثير في نفسي، لا أعرف له مشبهًا، ولم يخطر لي قط أنه راجع إلى أية عاطفة خارجة عن حياتي العادية، فكنت كلما رأيتها أشعر بشيء من الدهشة ويعاودني الحنين إلى شمها، أعني شمَّ شعرها.
ولقد عرفتُ بعد ذلك فتيات كثيرًات أجمل منها أو أفتن، ولكن أخطأت فيهن جميعًا ذلك العبق الذي كانت تستريح إليه حواسي، والذي كان يفتر له جسمي، كانت تغيب عني أسبوعًا وأسبوعين فأنساها، وإن كنت أحيانًا أرى صورتها ماثلة في ذهني وفي أحلامي، وصرت أحب أن أراها وهي لا تراني؛ لأرنو إليها مطمئنًا وأرى شفتيها الدقيقتين تفتران عن ابتسامة خفيفة، وأشتاق أن أساعدها وأحميها كما ساعدتها يوم تخطيت بها تلك الأرض المبللة، وأن أسمعها تشكرني كما شكرتني يومئذٍ.
وقلَّتْ على الأيام ملاعبتي للصبيان، وكثرت وقفاتي معها على بابها، ثم غابت أسابيع في قرية فيها بعض أقاربها، فشعرتُ بوحشة لا عهد لي بمثلها، وثقلت الحياة على كاهل صبري، فذهبت أنا أيضًا إلى أقاربي وقضيت عندهم شهرًا كان من أطيب ما مر بي وأحلى وأندى. ثم عُدتُ ولقيتها مساء يوم على باب دارها كعادتها، وكانت مطرقة وفي يمناها عود من ثمر الحناء تقطع بيسراها أكمامه التي لم تنور، وتفركها بأصابعها وتدعها تسقط على الأرض، فدنوت منها وهي لا تحسني ووقفت برهة، ثم قلتُ بصوت خفيض مرتعش: «فيم تفكرين؟»
فلم ترفع عينَها ولم تولنِي نظرة واحدة، وقالت وهي مطرقة وأصابعها لا تزال تعبث بما في يدها: «فيم أفكر؟ في مثل هذا، في النور الأصفر تحت أكمامه الخضر، في سحائب التراب على الطريق، في الأُغَيصَان الصغيرة الخضراء النابتة على فروع الشجر، في الأطيار تلقط القش وخيوط الصوف التي ألقيها لها لتحملها بمناقيرها وتصنع منها أعشاشها، في ألوان الفجر على الأشجار والحقول الندية الملتمعة، في الأمساء الصافية الحالية بالنجوم المرتعشة في الغدران يترقرق فيها الماء حول قدمَيَّ المدلاتين.» ثم رفعتْ وجهها إليَّ وقالت: «في هذا أفكر.»
وكانت تتكلم بصوت متئدٍ متزن النبرات كأنما تُحدِّث نفسها فدهشت، لا بل بُهِتُّ، ووقفت صامتًا كأنما أستلُّ لساني من حلقي، وظللنا كذلك لا أدري كم، ثم قالت: «والآن سأدخل.»
ولكنها كانت بالذي يهم بالدخول أشبه، فوجد لساني الكلام وقلت: «لا تذهبي هكذا بغير تحية أو سلام.»
فوقفت مكانها وأمالت ووضعت يدها في خصرها كأن هنا شيئًا يؤلمها فدنوت منها فإذا بلمعة عينيها تنطفئ ووميضها يخبو، فقلت: «ماذا كنت تقولين؟»
فلم تجبني ومدت يدها إليَّ بثمر الحناء فقلت: «هذا حسن. تحية طيبة. سأذكرك بها دائمًا. والآن ماذا كنت تقولين؟ أَثَم شيء يحزنك؟»
قالت: «أي شيء يحزنني؟ لا شيء.»
قلت: «إني أرى هذا في عينيك، في وميضهما ثم انطفأ هذا اللمعان.»
قالت وعلى ثغرها الدقيق طيف ابتسامة: «ماذا ترى في عيني؟»
قلت، وكأني أُلهِمتُ الألفاظ: «أرى كأنك كنت تنتظرين شيئًا ثم لم يحدث.»
فقالت: «فقط؟ لا أكثر؟»
قلت: «فقط. وأريد أن أعرف ما هو؟ ولماذا؟»
فأطلقت ضحكة صغيرة فضية النبرات، وبدا عليها شيء من السرور وفتحت ذراعيها وقالت: «كلَّا، لعل قلبي أطل من عيني هنيهة كما يطل الطفل من النافذة ثم عاد إلى مكانه …»
فابتسمت وقد زدت بها إعجابًا وقلتُ: «وماذا أراد قلبك أن يرى من نافذة عينيك؟»
قالت: «ألا تطل أحيانًا من النافذة فتبصر طفلًا يعدو وهو مسرور؟»
قلت: «نعم.»
قالت: «كذلك القلب أحيانًا يجري أمام العين فرحًا مسرورًا، أظن قلبي فعل ذلك حين رأيت عيني تلمعان.»
ثم بعد ثانية أو اثنتين: «والآن دعني أدخل، إن معك هذه الزهرة فاحفظها.»
ومضت عني وتركتني واقفًا كالأبله لا أكاد أفقه من كل ما قالت شيئًا وإن كنت قد وعيته كما لم أعِ في حياتي شيئًا غيره.
ومر عام وكنا قد انتقلنا إلى بيت آخر، فمررت بدارها يومًا بعد الغروب، كان الباب موارَبًا فرأيتها تسقي أُصَص الزهر في فناء البيت، فوقفتُ أتأملها لحظة وهي تُقبِّل الورد والأزاهير بعد سقيها ورشها، ثم دخلت في رِفق وهمستُ باسمها فلم تسمع، فأعدتُ الهمس فانتبهت كالمذعورة، وقالت: «إبراهيم؟» وكررتْ ذلك.
فاقتربتُ منها وقلت: «نعم هل أفزعتك؟»
ووقفت. شفتاها مفترقتان، ووجهها تصبغه الحمرة من أثر المفاجأة. ولم أكن أعرف ماذا ساقني إليها سوى أني اشتقتُ أن أراها وأن أقف معها لحظة أحادثها، وقالت: «لقد كان يجب أن أفزع، فما سمعتك تدخل، لكن من الغريب أنك خطرت ببالي وأنا أسقي هذه الأُصَص.»
فكدتُ أصيح لا أدري لماذا، وقلت: «أصحيح هذا؟ إنه يسرني.»
فقالت: «لم أكن أفكر فيك تفكيرًا يسرك (وضحكت) لقد كنت ساخطة عليك.»
فضحكت مثلها وقلت: «ماذا جنى هذا الشقي يا تُرى؟»
فقالت: «لست ساخطة لأنك فعلت شيئًا، لقد كنا عندكم أنا ووالدتي وأختي وقضينا النهار كله تقريبًا، وأنت لا أثر لك في البيت، ولا يدري أحد أين ذهبت، وفي وسعك أن تتصور مللي بين السيدات العجائز.»
فضحكت مرة أخرى وقلت: «إني أفضل أن ألقاك هنا ويسرني أن أجدك وحدك.»
قالت: «وهل كنتَ واثقًا أنك ستلقاني هنا؟»
قلت: «كلَّا.»
قالت: «إذن لماذا جئت الآن؟»
قلت: «لا أعلم، اشتقت أن أراك لا أدري لماذا، فجئت.»
ولم أكن أكذب، فما كنت أستطيع أن أعلِّل الشعور الذي يدفعني إليها، ولا جرى ببالي أن أعلله ولكني بهذا التصريح وبالسكون الذي تلاه، شعرتُ أني دنوت خطوة من الحقيقة المجهولة، أو هكذا يُخيل إليَّ الآن، وانعقد لساني فسكت وأعديتُها فسكتت مثلي، وأحسسنا كلانا — فيما نظن — كأن هناك شيئًا جديدًا يخفق به الجو، شيئًا لا يناله إدراك ولا يرقى إليه العقل، غير محسوس كالطيب يحمله النسيم.
ومر بخديها طيف من الحمرة ما جاء حتى ذهب ففتحت عليها عيني وأتأرتُها النظرَ، فتراجعت خطوة وهي تقول: «ينبغي أن أدخل.» فوقفتُ أرمقها وهي تدور لتمضي عني، ثم كأنما انشق عني سور فاندفعت إليها ووقفت إلى جانبها، وجعلت أدير لساني في حلقي بلا كلام وقلبي يخفق وتناولت يدها وذهبت بها إلى الباب حيث ظللنا برهة صامتَين، ثم صاحت: «يدي. يدي ستحطمها.»
فانتبهت وأطلقت كفَّها وأسِفت، فقالت بصوت عذب: «دعني أدخل بالله.»
فتناولت يدها مرة أخرى وعدتُ أطلب أن تغفر لي إيذائي يدها، وقلت: إني لا أستطيع أن أعود إذا لم تقل لي إنها ليست حانقة عليَّ. وكنت أحس أصابعها تتحرك في كفي فقالت: «كيف أحنق؟ لقد نسيت. دعني أدخل.»
قلت: «وأعود مرة أخرى لأراك؟»
قالت: «نعم.»
قلت: «ولا تعجلين بالدخول؟»
قالت: «كلَّا، دعني الآن.»
ولكني لم أعد لا اليوم التالي ولا الأسبوع التالي ولا الشهر التالي لسبب طبيعي جدًّا هو أني لم أكد أسير إلى آخر الطريق حتى برز لي شاب من الظلام وصاح بي: «ماذا كنت تفعل هناك؟»
قلت: «أين؟»
قال: «هناك»، وأومأ برأسه وبإبهامه إلى بيتها.
قلت: «كنت أزورهم.»
قال: «تزورهم؟ هيه؟ تزورهم سأعلمك أن تزورهم مرة أخرى.»
ودفعني في صدري فانطرحتُ على الأرض، وقمتُ ألعنه وأسُبه، وأقبل عليَّ ودق رأسي بجميع يده فهويت إلى الأرض على ركبتي، وركلني برجله، وذهب وهو يتوعدني إذا فكرت في العودة إلى هذا الطريق.
ولم أكن أعرف هذا الوحش ولا وقعت عيني عليه من قبل، ولم أفهم — إلى هذه الساعة — سرَّ هذا العدوان. فرجعت إلى البيت بصدر موجع ورأس يكاد يكون مهشمًا وعظام مرضوضة.
ولزمتُ الفراش أيامًا وخفت بعدها أن أرجع، ثم صرتُ أستحي أن ألقاها مخافة أن تسألني عن سر غيبتي، أو أن تكون قد علمت به.
وبعد شهور عدتُ من المدرسة يومًا فإذا هي ووالدتها في بيتنا ففرحت وخجلت، ولما سلمت كانت يدي ترتجف، وعيني إلى الأرض، وذهبت إلى غرفتي فأدركتني في الصالة وقالت: «خذ»، وناولتني عودًا من ثمر الحناء فأخذته في صمت وأدنيته من أنفي، ووقفت أشمه وأشمه وقد غاض معين الكلام وانقطع عني مدده. فلما رأت صمتي وارتباكي قالت: «سنذهب إلى الريف.»
فأنطقتني هذه المباغتة وقلت: ستذهبين؟ وكم تظلين هناك؟
قالت: «عامًا. أتستكثر ذلك؟»
قلت: «بالطبع، إني آسف جدًّا.»
قالت: «ولكنك لا تزال تهرب مني.»
فأغضيت عن هذه الملاحظة، وسألتها: «وماذا تنوين أن تصنعي هناك هذا العام؟»
قالت: «يا له من سؤال! وكيف يعنيك أن تعرف؟»
وضحكتْ فجلت ضحكتها صدري ونفت مخاوفي ونظرتُ إليها معجبًا، وأحسست بالدم يتدفق في عروقي، وبأنفاسي تسرع، وحمل إليَّ النسيم الواني طيبَ شعرها فمددتُ يدي إلى كفِّها، وكانت شفتاها مفترقتين وعيناها في عيني، وصدرها يكاد يلمسني، فألفيت نفسي أنحني عليها وألمس شفتيها بفمي، فصار وجهها كالجمرة، ولكنها لم تتحرك ولا تكلمت، ودار رأسي كالمخمور فتقهقرت خطوة، وهي واقفة كالتمثال، وما أظنها كانت تتنفس أو تفكر، فما رأيت صدرها يتحرك أو أجفانها تختلج: كلَّا لا شيء إلا هذا الجمر في خديها ينبئ أنها حية.
وأفاقت ثم أصعدت زفرة كأنما كنت لطمتها ولم أقبِّلها، ثم هتفت بي، فأسرعت وأخذت يديها في كفي، ثم رفعتهما وقبلتهما وقلتُ لها: «أغاضبة أنت؟ قولي إنك لست غاضبة.»
فأجابتني بهِزَّة خفيفة لرأسها، فقلت: «لستِ غاضبة. أعلم ذلك، وإلا فما قبَّلتك، تكلمي.»
فقالت همسًا: «دعني أذهب إني خائفة.»
فقلت: «إنك جميلة. جميلة»، وانهلت على يديها مرة أخرى ألثمهما ظهرًا وبطنًا ثم سحبت يديها ببطء، ووضعتهما على صدرها وقالت وهي تتلعثم وترتجف: «قل لي ما هذا؟»
قلت، ووضعتُ يدي على يديها فوق صدرها: «هذا! ألا تعلمين؟ إنه الحُب؟»
فتنهدت، وأرخت يديها وتركتهما تهويان وقالت: «سأذكرك دائمًا.»
قلت: «كلَّا هذا لا يكفي. سيحبك غيري.»
ولم تكد شفتاها تفترقان، وهمست كأنما تتنفس: «سأحبك دائمًا.»
وكان هذا آخر لقاء، فقد زوَّجوها في الريف.