التحول بالطبيعة
التحولية (قابلية التحول) – التباينات الفردية – الأنواع المبهمة – الأنواع العامة المنتشرة التي تتسع مآهلها هي أكثر الأنواع تباينًا – أنواع الأجناس الكبرى أكثر تباينًا في كل إقليم من أنواع الأجناس الصغرى – كثير من أنواع الأجناس الكبرى متشابه الضروب، فهي محدودة المآهل متكافئة الصلات – النتيجة.
***
(١) التحولية (قابلية التحول)
قبل أن نقر الرأي فيما أفضى بنا إليه البحث في الفصل السابق من السُّنن التي تؤثر في الكائنات العضوية في حالتها الطبيعية، يجب أن نبحث بإيجاز عما إذا كانت هذه الكائنات خاضعة لأي تحول، ولكي نبحث الموضوع بحثًا وافيًا، ينبغي لنا أن نأتي على ذكر كثير من الحقائق لتبيان كنهه، غير أني سأرجئ الإفاضة في ذلك لكتاب آخر، وما كنت لأسوق البحث في التعريفات الشتى التي وُضعت لكلمة «الأنواع»؛ إذ لم يُقنع واحد منها الطبيعيين كافة، ومع ذلك فكل طبيعي لا يعرف «الأنواع» إذ يتكلم فيها، إلا معرفة مبهمة مقصورة على أنها ليست بشيء سوى ذلك العنصر غير المعروف الخاضع لتأثير فعل خاص من أفعال الخلق. وتعريف «الضروب» لا يقل صعوبة عن تعريف «الأنواع» كما أن اشتراك سُنة التسلسل يتضمن ذلك عامة، ولو أنه غالبًا ما يكون من الصعب التدليل عليه، وذلك يتناول بالطبع ما ندعوه «بالهول» أي شواذ الخلق، رغم أنها تتدرج حتى تستحيل ضروبًا. وما «الهول» لدى التحقيق غير انحراف عن النظام العضوي ليس للأنواع فائدة منه، بل هو ضاربها على وجه عام، ومن المؤلفين مَن يستعمل كلمة «التحول» استعمالًا مجازيًّا، يقصد به تحولًا وصفيًّا خاضعًا لحالات الحياة الطبيعية رأسًا، وعلى هذا الاعتبار يخال أن التحولات لا تورث، ولكن من ذا الذي ينكر أن قصر الحيوانات الصدفية التي تعيش في مياه «البلطيك» الملحة، عن متوسط طولها الطبيعي لا يُتوارث في بضعة أعقاب على الأقل، شأن النباتات القصيرة التي تنبت في قمم جبال الألب، وغزارة فراء الحيوانات التي تقطن أقصى الشمال؟! من هنا يتعين أن نلحق تلك الصور الشاذة بالضروب.
وكثيرًا ما يخالجنا الشك في إمكان تكاثر تلك «الشواذ» العديدة التي تظهر بغتة ونشاهدها أحيانًا في دواجننا، ولا سيما في نباتاتنا الأهلية، باستمرار التناسل في حالتها الطبيعية، ولا جدال في أن كل جزء من تراكيب الكائنات العضوية كافة، لا بد من أن يكون متصلًا بحالات حياتها المختلفة اتصالًا عجيبًا، حتى إنه ليخيل للمرء أن كل عضو من أعضائها قد صار كاملًا دفعة واحدة، كمثل آلة مركبة، اخترعها رجل فأبدع في اختراعها، ولقد تحدث الشواذ أحيانًا بتأثير الإيلاف، فتكون مماثلة للصور القياسية في حيوانات مختلفة عنها اختلافًا كليًّا، فإن الخنازير قد تولد أحيانًا ولها خرطوم ما، أما إذا كان لنوع بري تابع لجنس بعينه خرطوم طبيعي في أصل خلقته، فقد يمكن أن يُقال: إن هذا النسل قد وُلد شاذ الخلقة، غير أنه قد تسنى لي بعد الجهد الجهيد أن أجد حالات في شذوذ الخلق مماثلة لأشكال قياسية في صور تتلاحم أنسابها الطبيعية، وتلك هي الحالات التي تخالجنا فيها الشكوك، فإذا ظهرت تلك الصور الشاذة التي هي من هذه الشاكلة على شذوذها، قابلة وقتًا ما للتناسل في حالتها الطبيعية، كما قد يحدث في حالات فردية نادرة، فإن بقاءها إذ ذاك يكون موكولًا لظروف غير عادية تناسبها. كذلك تجتاز تلك الصور مراتب أنسالها الأولى وما يتبعها، محتفظة بصورتها الطارئة، فتفقد في الغالب صفاتها القياسية، ولسوف أعود إلى البحث في حفظ التحولات الاتفاقية الخاضعة لمحض الصدفة وبقائها في فصل آتٍ.
(٢) التباينات الفردية
(٣) الأنواع المبهمة
إن الصور التي تكون حائزة لكثير من صفات الأنواع، على أنها تشابه صورًا أخرى مشابهة كلية، أو تربطها حلقات وسط بينها، لهي في حالات عديدة ذات شأن كبير في موضوعنا هذا، ولو أن الطبيعيين يأبون اعتبارها في عداد الأنواع الممتازة بصفاتها المعينة.
ولدينا من الدلائل ما يحملنا على الاعتقاد، اعتمادًا على ما وصل إليه علمنا، بأن كثيرًا من تلك الصور المبهمة المتقاربة في النسب الطبيعي، قد احتفظت بصفاتها زمانًا طويلًا كما احتفظت الأنواع الحقيقية بصفاتها، ولا جرم أن الطبيعي، متى كان في وسعه أن يوجد بين صورتين من طريق العثور على ما يربطهما من الحلقات، يعتبر إحداهما ضربًا من الأخرى، واضعًا في مقام النوعية أكثرهما انتشارًا، وأحيانًا أولهما استكشافًا، والأخرى في مقام الضروب. ولقد تعترضنا في بعض الحالات صعاب شتى لا نعدد هنا شيئًا منها، إذا أردنا أن نفصل في صورة ما، فنعتبرها ضربًا من صورة أخرى، حتى ولو كانتا مرتبطتين بحلقات وسط بينهما ارتباطًا كليًّا. كذلك لا يزيل تلك الصعاب ما في الحلقات الوسطى من طبيعة الهجنية التي نسلم بها جميعًا، وكثيرًا ما نعتبر صورة من الصور في غالب الأحيان ضربًا لاحقًا بصورة أخرى، لا لأن الحلقات التي تثبت الصلة والرابطة قد ثبت وجودها، بل لأن المماثلة بين صورتيهما تسوق الباحث إلى الظن بأنه إما أن تكون تلك الحلقات باقية حتى الآن في مكان ما ولم تُعرف، وإما أنها كانت موجودة في غابر الأزمان ثم انقرضت، وهنا يفتح الباحثون للشك والرجم بالغيب، مجالًا واسعًا، ومن ثَم كان رأي الطبيعيين الذين صحت أحكامهم واتسعت تجاربهم وتنوعت خبرتهم مرشدنا الأمين الذي نهتدي به في الحكم على صور العضويات واعتبارها أنواعًا أو ضروبًا، كما أنه من الواجب علينا في حالات عديدة ألا نفصل في ذلك غير معتمدين على ما أجمع عليه الطبيعيون، وإنه لمن الممكن أن نأتي بكثير من الضروب المعروفة ذوات الشأن، لم يُلحِقها بعض أولي الثقة بالأنواع.
وإذ إن تلك الاختلافات خاصة بالحشرات التي طال عهد اغتذائها بنباتات مختلفة، فلا يُرجى مطلقًا أن نعثر الآن بتلك الحلقات التي تربط بعض هذه الصور الشتى ببعض، ومن ثم يفقد الباحث الطبيعي مرشده الأمين الذي يستنير به في سبيل التفريق بين الصور المبهمة فيعتبرها أنواعًا أو ضروبًا، كذلك يغمض عليه ذلك بالضرورة إذ يحاول التفريق بين الكائنات العضوية المتقاربة في اللحمة الطبيعية التي تأهل بها قارات أو جزر مختلفة، بيد أنه إذا استوطن حيوان أو نبات قارة من القارات وانتشر في أرجائها، أو إذا قطن جزرًا متفرقة في أرخبيل ما حتى تتكون منه صور مختلفة في بقاع متباينة متنائية، يكون من السهل دائمًا أن نهتدي إلى الحلقات التي تربط أرقى الصور بعضها ببعض، فتُضم تلك الحلقات حينئذٍ إلى طبقات الضروب.
ومن الطبيعيين فئة قليلة يزعمون أن الحيوانات لا تستحدث ضروبًا البتة، على أن هؤلاء أنفسهم يجعلون لأدنى التباينات شأنًا، قيمة نوعية، وكذلك عند المقارنة بين أفراد صورة واحدة معينة في موطنين بمنأى عن بعضهما أو في طبقتين متنائيتين من طبقات الأرض، فإنهم يزعمون أنهما ليسا إلا نوعين مختلفين مستترين تحت ثوب واحد، ومن ثم تصير كلمة الأنواع في مباحث التاريخ الطبيعي تقسيمًا مجردًا لا طائل تحته مقصورة دلالته على وجود مؤثر خلقي خطير منفصلة قوته عن طبائع الكائنات، ومما لا ريبة فيه أن كثيرًا من الصور التي اعتبرها جم من جهابذة أهل النظر ضروبًا، تماثل صفاتها صفات الأنواع كل المماثلة، حتى لقد اعتبرها آخرون من أولي الثقة أنواعًا، وعبثًا نحاول أن نحقق ما ينبغي أن تعتبر تلك الصور، أهي أنواع أم ضروب، قبل أن نضع لتلك الاصطلاحات حدودًا جامعة يؤمن بها كل الطبيعيين، وعدا ذلك فإن كثيرًا من الضروب ذوات الصفات المعينة، والأنواع المبهمة، مما هو جدير بالتدبر وإنعام النظر، ولقد يمكن أن نعين مراتبها الطبيعية مما نستنتجه من البحث في الاستيطان (توزع بقاع الأرض على الكائنات)، ومن البحث في التحول المتجانس وحالات التهجن في الأنواع والضروب، ومما لا يسع الوقت الإسهاب فيه الآن.
ولا ريبة في أن دقة البحث في كثير من الحالات قد تفضي بالطبيعيين إلى الاتفاق والإجماع على كيفية تعيين المركز الطبيعي اللائق بتلك الصور المبهمة التي لا نجد محيصًا من الاعتراف عند التكلم فيها بأنها كثيرة الذيوع في كل البلاد المعروفة. على أنه إذا وُجد حيوان أو نبات ما في حالته الطبيعية، وكان ذا فائدة للإنسان، أو كان فيه من الجاذبية ما يزيد العناية به، فإننا نجد له في عامة الظروف كثيرًا من الضروب يعددها الباحثون في مراتب النظام العضوي، تلك حقيقة طالما أخذت بحججها، وكثيرًا ما يضع بعض الكتاب هذه الضروب في رتبة الأنواع، انظر إلى شجرة البلوط العادي، وتدبر قليلًا ما أفنى العلماء في بحثه من الزمان ودرس خصوصياته الدرس الوافر، فإنك تجد بعد كل هذا أن كاتبًا ألمانيًّا قد اعتبر ما يربو على اثني عشر نوعًا من أنواعه صورًا مبهمة، بينما يعتبرها جهابذة أولي النظر من علماء النبات ضروبًا لا ريب فيها، وإن لنا من علماء ألمانيا الأعلام، وأولي الثقة المجربين، خير من يرينا أكانت أنواع البلوط ذات الأزهار الجالسة وذات الأعماق، أنواعًا معينة أم مجرد ضروب.
ولقد قال في ذلك «آساجراي» إنه إذا انقرضت تلك الحلقات النادرة، فإن نسبة هذه النويعات الثلاثة من حيث صلات بعضها إلى بعض، تكون كنسبة الصلات التي نراها بين الأربعة الأنواع أو الخمسة التي قرر علماء النبات أنها تكون حلقة تلتف من حول البلوط الصلب، ولقد أيقن «دي كاندول» بعد ذلك بأن الأنواع الثلاثمائة التي ذكرها في تمهيد رسالته تلك لجنس البلوط، ليس بينها مائة نوع صحيح، أما ما بقي منها فأنواع مشكوك فيها؛ أي إن معرفتنا بها قاصرة لا يصدق التعريف الذي وُضع للأنواع على صفاتها صدقًا تامًّا. وخليق بنا أن نذكر هنا أن «دي كاندول» اعتقد بعد ذلك اعتقادًا جازمًا بأن الأنواع مخلوقات غير ثابتة، وأنها دائمة التحول، وقضى بأن نظرية النشوء أكثر النظريات انطباقًا على الظواهر الطبيعية: «وأنها أشد المذاهب ملاءمة لما كشف عنه من حقائق علم الأحافير واستيطان النباتات والحيوانات، والتراكيب التشريحية والتصنيف.»
على أن الطبيعي لأول عهده يبحث عشيرة من العضويات مجهولة لديه، قد تستغلق دونه وجوه الرشد وتحف به الريب، فلا يدري أي التباينات يلحقها بالفروق النوعية، وأيها بالفروق الضربية؛ لجهله الجهل كله بمقدار التحول الذي خضعت له تلك العشيرة، مما يدل على الأقل على أن هناك مقدارًا من التحول تخضع لسننه الكائنات العضوية، بيد أنه لو حصر بحثه في فصيلة واحدة خصيصة بالبقاء في بقعة محدودة، فما أسرع ما يجهد فكره في كيفية ترتيب العديد من الصور المبهمة التي يراها كثيرة الذيوع والانتشار، فيُساق إذ ذاك إلى وضع كثير منها في طبقة الأنواع متأثرًا بما يتأثر به مربو الحمام والدجاج من مقدار الفروق الوصفية التي يراها بين الصور التي هو عاكف على دراستها كما ألمعنا إليه في الفصل السابق؛ إذ تكون معلوماته العامة في التحولات المتبادلة التي لحقت بمجموعات غيرها في ممالك أخرى، قاصرة قصورًا مخلًّا، فلا تساعده على تحقيق أخطائه الأولى التي يكون قد وقع فيها، وكلما تعمَّق في البحث واتسعت أمامه دائرة التنقيب، ازدادت في سبيله الصعاب والمشكلات؛ إذ تكثر أمامه الصور المتدانية اللحمة المتقاربة الأنساب، حتى إذا ما بلغ من البحث مبلغه، واستعمق في البحث أمكن له أن يلقي نظرة تأمل أخيرة يكون لها من بعدها حكم خاص، غير أنه لا يبلغ ذلك المبلغ حتى يكون قد آمن بوجود تحولات كثيرة، ينازعه في حقائقها كثير من الطبيعيين، فإذا أدى به الأمر إلى دراسة عديد من الصور المتقاربة الصلات مستحضرة من أقاليم متصلة، حيث يتوقع مطلقًا أن يعثر على حلقات وسط تربط بعضها ببعض، اضطر حينئذٍ إلى الالتجاء إلى المشابهات الظاهرة، فتصل الصعوبات التي يلقاها الذروة.
ولا ريبة في أن الطبيعيين لم يضعوا حدًّا فاصلًا للتفريق بين الأنواع ونويعاتها، ويقصد بعض الطبيعيين بالنويعات تلك الصور التي تقرب صفاتها من صفات الأنواع، وليست أنواعًا، وكذلك لم يضعوا حدودًا تفرِّق بين النويعات وبين الضروب الصحيحة التي تمتاز بصفات معينة، ولا بين الضروب الأقل من تلك شأنًا وصور التباينات الفردية، وهذه الفروق عامة يشتبك بعضها ببعض في منظومة من الشبهات غير محسة تؤثر في العقل تأثيرًا شديدًا، فتولد فيه فكرة التخلص منها بطريقة ما.
ولذا كان اعتقادي أن وجود «التباينات الفردية» التي لا يهتم بها المصنفون ونعدها في الغاية القصوى من المكانة والشأن، لأُولى الخطى التي تخطوها العضويات في سبيل تكوين الضروب المبدئية التي هي من أخطر مباحث التاريخ الطبيعي، وأعتقد من جهة أخرى بأن ظهور الضروب التي هي أكثر رقيًّا من تلك في صفاتها وأثبت منها في البقاء، هي أولى الخطى التي تفضي بالعضويات إلى تكوين الضروب الصحيحة الثابتة الممتازة بصفات معينة، وهي في الحقيقة الخطوة المؤدية إلى تكوين «النويعات» كما تؤدي هذه النويعات إلى تكوين الأنواع، على أن الانتقال من دور إلى آخر من أدوار التحول يكون في كثير من الحالات النتيجة المباشرة لطبيعة الكائن العضوي ذاته، ولمؤثرات الظروف الطبيعية التي تحيط به، أما الصفات الراقية ذوات الشأن الأكبر في إحداث التكيفات الخلقية لدى الانتقال من دور إلى آخر من أدوار التحول، فنعزوها إلى الاستجماع المباشر الناشئ عن استعمال الأعضاء وإغفالها، ولقدرة الانتخاب الطبيعي في استجماع التباينات الفردية التي سنوفيها حقها من الإفاضة والتبيان بعد، وعلى ذلك يمكن أن تُدعى الضروب المعينة الممتازة بصفاتها «أنواعًا مبدئية» آخذة في التكون. غير أن الحكم في صحة هذا الاعتقاد أو بطلانه، رهن بتقدير الحقائق والاعتبارات المنتثرة خلال أسطر هذا الكتاب، ومبلغها من اليقين.
ولا حاجة إلى فرض أن كل الضروب أو الأنواع المبدئية، تتحول دائمًا أنواعًا صحيحة ثابتة، فقد يمكن أن تنقرض من الوجود وهي في تلك الحال أو تبقى حافظة لصفات الضروب أزمانًا متعاقبة كما أظهر مستر «وولاستون» في ضروب الأصداف المستحجرة في جزائر «ماديرة»، وكما أبان عن ذلك «جاستون دي سابورتا» في النباتات، فإذا أخذ ضرب من الضروب في التطور حتى ازداد عدده على عدد النوع الأصلي الذي عنه تحول، فغالبًا ما يعتبر هذا الضرب نوعًا صحيحًا، ونوعه الأصلي ضرب منه، ولربما أباد النوع الأصلي وحل محله في الوجود، ويحتمل أن يشترك الاثنان في البقاء فيعتبرا نوعين مستقلين تمام الاستقلال، ولسوف أعود بعدُ إلى هذا الموضوع لأوفيه من التبيان حقه.
وعلى هذه الاعتبارات يظهر أني أعتبر كلمة «الأنواع» اصطلاحًا عرفيًّا أُطلق لاستيفاء وجوه التدليل على جمع من الأفراد تشتد بينهم المشابهة، وأن ذلك الاصطلاح لا يفترق في جوهره ولا في مدلوله عن كلمة «الضروب»، وهو الاصطلاح الذي أُطلق على جمع من الأفراد تكون صفاته أقل ثباتًا وأكثر تباينًا من صفات الأنواع، كذلك نجد اصطلاح «الضروب» عند مقارنتها «بالتباينات الفردية» اصطلاحًا عرفيًّا وُضع لاستيفاء أوجه التعريف في مباحث العلوم.
(٤) الأنواع الواسعة الانتشار أشد الأنواع تباينًا
أفضت بي الاعتبارات النظرية، إلى الاعتقاد بأنه ربما نتوصل من طريق البحث في طبيعة الأنواع الشديدة التباين، وخصوصياتها، وصلاتها المختلفة، إلى نتائج ذات بال في تصنيف الضروب وتبويبها حسب منازلها الطبيعية في بعض الفلورات المدروسة، فاستلنتُ جانب العمل لدى أول نظرة ألقيتها عليه، غير أن المستر «ﻫ. س. وطسون» الذي أمدني من قبل بكل المساعدات الممكنة وزودني بالنصائح الثمينة، قد أظهر لي ما يحول دون ذلك من الصعاب الجمة، كما أقنعني بذلك «هوكر» من قبل، وسأرجئ تبيان هذه الصعاب وإيضاح عدد الأنواع المتغايرة وتبويبها في جداول حسب مراتبها الطبيعية، إلى كتاب آخر. وكلفني دكتور «هوكر» أن أضيف إلى ذلك أن رأيه فيما أخذت به في ترتيب الأنواع لا يبعد عن الحقيقة، كما أنه لا يقطع بصحته، ومع ذلك فإنني على صعوبة الموضوع واشتباك أطرافه، وفقدان القياسات التي يتخذها المنقِّب منارًا يسترشد به في ظلمات بحثه، اضطرتني ظروف قاهرة إلى التزام جانب الإقلال فيه، ولم يتيسر لي أن أتجنب الكلام في سُنن «التناحر على البقاء» وقواعد «التباين الوصفي»، وغير ذلك مما يتعيَّن عليَّ استيفاؤه شرحًا وتبيانًا.
ولقد أبان «ألفونس دي كاندول» وغيره، أن النباتات الواسعة الانتشار تكون منوعة الضروب، ويحتمل أن يكون الباحثون قد بنوا رأيهم هذا على ما خضعت له الأنواع من مؤثرات الحالات الطبيعية المختلفة، وعلى ما هو واقع من المنافسة بينها وبين صنوف مختلفة من الكائنات العضوية، تلك المنافسة التي تعادل الحالات الطبيعية تأثيرًا في طبائع الكائنات الحية، إن لم ترجح كفتها كما سنرى بعدُ. والجداول التي وضعتها، تثبت عدا ما تقدم، أن الأنواع الأكثر ذيوعًا في أي منطقة محدودة وهي الأكثر في الأفراد عددًا، والأنواع التي تكون أكثر انتشارًا في مآهلها الأصلية غالبًا ما تُنشِئ ضروبًا حقيقية تمتاز بصفة معينة، حتى إن النباتيين لم يجدوا مندوحة من درجها في مؤلفاتهم (على أن اصطلاح «الأنواع التي تكون أكثر انتشارًا» يختلف كثيرًا عن اصطلاح «الأنواع التي تتسع مآهلها»؛ لأن الأول يدل على الانتشار في بقعة محدودة، والثاني على انتشار الأنواع انتشارًا عامًّا في بقاع مختلفة)، ولا يبعد كثيرًا عن اصطلاح «الأنواع التي يكثر وجودها»؛ لأن كثرة وجود الأنواع في بقعة لا يدل على انتشارها في بقاع عديدة، وإن كثر عدد أفرادها. وعلى ذلك كانت أكثر الأنواع، أو كما اصطُلح عليه، أشد الأنواع سلطانًا وغلبة، هي التي تتسع مآهلها، وتكون أكثر انتشارًا وأوفر في الأفراد عددًا ضمن حدود مواطنها الأصلية، مما يؤدي غالبًا إلى إنتاج ضروب ممتازة بصفات معينة أطلقت عليها اسم «الأنواع المبدئية»، ويغلب أن نكون قد سبقنا بالبحث في ذلك، وإذ كان من المحتوم على الضروب أن تتناحر على الحياة مع بقية الكائنات في مواطن يأهل بها حتى تصل إلى درجة محدودة من الثبات والبقاء، كانت الأنواع الغالبة الشائعة الأصيلة في ذلك الموطن، أكثر استعدادًا لإنتاج أنسال ترث الصفات المفيدة التي أفضت بإبائها إلى السيادة على منافسيها، وإن كانت تغاير أصولها مغايرة تافهة. ولا مندوحة لنا من أن نعي فوق ما أحطنا به من قواعد سيطرة الأنواع وسيادتها، أننا لم نقصد بالقول سوى صور الجنس الواحد أو الفصيلة الواحدة التي تتشابه عاداتها. أما المقارنة بين عدد الأفراد أو ذيوعية الأنواع، فلا تكون بالطبع إلا بين أعضاء عشيرة بعينها، وقد نصف نوعًا من النباتات الراقية بأنه سائد، إذا كان الأكثر في الأفراد عددًا، والأعم انتشارًا من بقية الأنواع التي تعيش في الإقليم نفسه تحت الظروف نفسها، ونبات ذلك شأنه، لا يمكن أن يعتبر أقل سيادة؛ لأن بعض النباتات التي تعيش في الماء أو الفطريات الطفيلية، أكثر عددًا أو أعم انتشارًا في مآهلها الأصلية، كلا بل إن هذه النباتات وتلك الفطريات تسود أندادها، فتكون السائدة طالما اعتُبرت ضمن طائفتها.
(٥) أنواع الأجناس الكبرى في كل إقليم أكثر تباينًا من أنواع الأجناس الصغرى
إذا قسَّمنا النباتات التي تنمو في إقليم ما، كما وصفت في فلورة ما، شطرين متساويين، وألحقنا بالشطر الأول الأجناس الكبرى، وهي التي ينطوي تحتها العديد الأوفر من الأنواع، وبالشطر الثاني الأجناس الصغرى، وجدنا أن الشطر الأول يزيد على الثاني في عدد الأنواع العامة الأكثر انتشارًا وسيادة، ويحتمل أن نكون مسبوقين بالبحث في هذه المسألة. والحقيقة أن أنواع الجنس الواحد التي تقطن إقليمًا بعينه، غالبًا ما يكون لها من طبائع الكائنات العضوية أو غير العضوية في ذلك الإقليم عضد قوي لتغلب جنسها، ولا غرابة إذا خُيل إلينا مع هذه الاعتبارات، أن الأجناس الكبرى تزيد نسبة عدد أنواعها السائدة بحسبها، بيد أن كثيرًا من الأسباب قد تفضي إلى غموض هذه النتيجة، حتى إن الجداول التي أبرزتها في ترتيب الكائنات لا يظهر منها ازدياد الأجناس الكبرى وتفوقها إلا قليلًا، وذلك ما أدى بي إلى التأمل والعجب، ولست بمشير هنا إلا إلى سببين من أسباب ذلك الغموض:
أن النباتات التي تعيش في المياه العذبة والنباتات المحبة للأملاح، غالبًا ما تكون واسعة الانتشار، ويظهر أن ذلك متصل بطبيعة المكان الذي يأهل بها، ولا علاقة له كذلك بحجم الجنس الذي يتبعه النوع، ونرى من جهة أخرى أن النباتات الدنيا في النظام الطبيعي من حيث التركيب العضوي، تكون في الغالب أكثر شيوعًا وانتشارًا من النباتات التي تكون أرقى منها نظامًا وتركيبًا، وليس لذلك أي اتصال مباشر بضخامة الأجناس. على أني سأرجئ تبيان الأسباب المفضية بالأنواع الدنيا في النظام العضوي إلى اتساع المآهل والانتشار؛ لما سأشرحه في التوزيع الجغرافي.
فإذا نظرنا في الأنواع نظرة مَن يعتبرها ضروبًا ممتازة بصفات معينة، لزمنا القول بأن أنواع الأجناس الكبرى تستحدث في كل بقعة من البقاع، ضروبًا أزيد مما تستحدثه أنواع الأجناس الصغرى، وحيثما تحدث الأنواع المقاربة الأنساب؛ أي أنوع الجنس الواحد، فهناك تحدث ضروب أو أنواع أولية آخذة في أسباب التطور، كما نتوقع دائمًا ظهور الشجيرات حيثما تنمو الأشجار ذوات الضخامة والعظم، وتلك قاعدة عامة دائمة الاطراد. ونشوء أنواع عديدة من جنس واحد في إقليم ما، بتأثير حدوث التحولات، كافٍ لإقامة الحجة على أن ظروف البيئة كانت إذ ذاك ملائمة لحدوث ذلك التحول، ومن ثم نقول: إن تلك الظروف لا تزال مواتية لوقوع هذا التحول آنًا بعد آنٍ، أما إذا نظرنا في كل نوع باعتباره حادثًا خاصًّا من حوادث الخلق المستقل، فليس ثمة من سبب ظاهر يعلل حدوث الضروب في عشيرة كثيرة الأنواع، يكون أوفر منه نسبة في عشيرة أنواعها أقل عددًا.
ومن أجل أن أتحقق مقدار انطباق ذلك على الواقع، أضفت نباتات اثني عشر إقليمًا، وحشرات منطقتين من غمدية الأجنحة، وقسمتها شطرين متساويين، ووضعت أنواع الأجناس الكبرى في شطر منهما، وأنواع الأجناس الصغرى في الشطر الآخر، فثبت لدي من كل المشاهدات، أن عدد أنواع الأجناس الكبرى التي لها ضروب تتبعها، أزيد من عدد أنواع الأجناس الصغرى، وعلى ذلك تكون النسبة بين الضروب في أنواع الأجناس الكبرى دائمًا، أزيد منها بين أنواع الأجناس الصغرى، وظهور كلتا النتيجتين رهن بتقسيم هذه الأجناس تقسيمًا آخر باستثناء الأجناس الصغرى التي لا تقل أنواعها عن الواحد ولا تزيد على الأربعة، وإخراجها من جداول التصنيف، ولقد ثبت صحة هذه الحقائق، وتظهر خطورتها، إذا اعتبرت الأنواع مجرد ضروب ثابتة ذات صفات ممتازة، فإنه حيثما تتكون أنواع حديثة لجنس معين، أو أينما اتضح لنا أن العوامل التي تنشئ الأنواع كانت ذات تأثير ما في الماضي، نوقن دائمًا بأن تلك العوامل لا تزال دائبة الفعل مستمرة التأثير، ولا سيما أن لدينا من المشاهدات ما يحملنا على الاعتقاد بأن فعل المؤثرات التي تحدث الأنواع على مر الزمان بطيء بالغ البطء، وينطبق ذلك تمام الانطباق على الضروب إذا اعتبرت «أنواعًا أولية». ولقد اتضح لي من الجداول التي أبرزتها، أنه حيثما تكونت أنواع كثيرة من جنس واحد، كانت الأنواع الأولية التابعة لهذا الجنس دون غيره حائزة لعدد من الضروب زائد على ما يجب أن يكون لها في المتوسط، وتلك قاعدة عامة لا شواذ لها، ولا يحملنا ذلك على الاقتناع بأن الأجناس الكبرى كافة هي وحدها الآخذة في أسباب تحولات خطيرة، أو أن عدد أنواعها يتكاثر على الدوام في الوقت الحاضر، أو أنه لا يوجد بين الأجناس الصغرى ما هو آخذ في أسباب التحول والازدياد؛ إذ لو ثبت ذلك لنقض مذهبي نقضًا تامًّا، لا سيما وأن من السُّنن الثابتة في علم الجيولوجيا، أن الأجناس الصغرى قد تكاثرت وازدادت قوة وضخامة على مر الزمان، وأن الأجناس الكبرى قد بلغت غاية ما تيسر لها أن تبلغ من القوة والضخامة، ثم أخذت في الانحطاط ممعنة فيه حتى انقرضت، وغاية ما أطمح إلى إثباته، أنه إذا تكونت أنواع حديثة لجنس بعينه، فإن كثيرًا غيرها لا بد من أن يكون آخذًا في سبيل التكون والظهور بنسبة ما، وذلك ما قد ثبتت صحته.
(٦) كثير من أنواع الأجناس الكبرى تشابه الضروب، فهي شديدة التقارب، وإن يكن بدرجة غير متكافئة، وإنها محدودة الانتشار
يوجد عدا ما تقدم صلات أخرى بين أنواع الأجناس الكبرى وبين ضروبها المشتقة منها خليقة بالنظر والاعتبار، فقد أسلفنا القول في أن مادتنا العلمية خلو من قياسات قيمة يتيسر لنا بها التفريق بين الأنواع والضروب. والطبيعيون مضطرون إذ يقنطون من العثور على الحلقات الوسطى التي تربط بعض الصور المبهمة ببعض، إلى الاستطراد في البحث ابتغاء الوصول إلى نتيجة راهنة؛ لما يرون بينها من التباينات، مستندين على القياس فيما إذا كانت تلك الفروق التي تقع بينها كافية لوضع أحد النوعين المقارن بينهما أو كليهما في رتبة الأنواع، ومن ثَم كانت الفروق والتباينات من أرجح القياسات التي يحكم بها على أن صورتين من الصور قد تلحقان بالضروب أو بالأنواع. ولقد أبان «فرايس» فيما هو خاص بالنباتات، و«وستوود» فيما هو خاص بالحشرات، أن كمية الفروق في أنواع الأجناس الكبرى غاية في الضئولية وحقارة الشأن، فأردت أن أستبين ذلك على قاعدة رياضية بإبراز متوسط حقيقي لها فثبتت لدي صحتها، رغم ما كان من النقص فيما وصلت إليه من النتائج، وساءلت في ذلك كثيرًا من جهابذة أهل النظر والتجربة، فأجمعوا بعد طول البحث والاستبصار على صحة تلك السُّنة وثباتها، فلا غرابة والحالة هذه إذا كانت مشابهة أنواع الأجناس الكبرى أتم من مشابهة أنواع الأجناس الصغرى لها، ولنزد إلى ذلك، استيفاء لتبيان ما تقدم، أن الأجناس الكبرى التي لا يزال عدد من الضروب أو الأنواع الأولية، آخذًا في التحول عنها والتكون من أفرادها، قد حدث فيها كثير من الأنواع المشابهة للضروب في أوصافها؛ إذ نجد أنها تباين بعضها بعضًا بفروق نسبتها أقل من نسبة الفروق العادية بين الأنواع.
على أن أنواع الأجناس الكبرى يتصل بعضها ببعض كما تتصل ضروب بقية الأنواع الأخر، ولم يدَّعِ أحد من الطبيعيين بأن أنواع الجنس الواحد تتباين مباينة تامة تفرق بينها تفرقة تامة، وإن كان ذلك لا يمنع من تقسيمها إلى جنسيات أو مجاميع أو فرق أقل من ذلك مرتبة. وأبان «فرايس» أن المجاميع الصغيرة من الأنواع تجتمع غالبًا كالمذنبات حول أنواع أخرى، وما الضروب لدى التحقيق إلا جموعًا من الصور الفردية غير متكافئة الصلات، مجتمعة حول صور معينة هي أنواعها الوالدية أو الأولية.
ومما لا ريب فيه أن بين الضروب والأنواع فرقًا واحدًا هو أشد الفروق شأنًا وأبعدها خطرًا، ينحصر في أن مقدار الفروق التي تظهر بين الضروب عند مقارنة بعضها ببعض أو بأنواع أولية، أقل كثيرًا مما هو بين أنواع الجنس الواحد، وسنشبع الكلام في ذلك لدى الكلام في قاعدة «انحراف أو جمود الصفات»، ونبين كيف أن الفروق الوصفية التي تقع بين الضروب تزداد، حتى تصير فروقًا خطيرة تميز بين الأنواع.
ولا جرم أن لضيق المواطن التي تأهل بها الضروب وعدم اتساعها شأنًا لا يجدر بنا إغفاله. على أن هذا من البدهيات التي لا تحتاج إلى دليل؛ إذ لو وجد أن مآهل ضرب ما قد اتسعت عن مآهل نوعه الأول، فلا جرم أنه يحتفظ باسمه المبدئي، وطابعه الأصلي، غير أن أسبابًا كثيرة تحملنا على الاعتقاد بأن الأنواع التي تتلاحم أنسابها بأنساب أنواع غيرها من جهة، وتشابه الضروب من جهة أخرى، يغلب أن تكون مآهلها ضيقة الدائرة محدودة المجال، ولنضرب لذلك مثلًا، فقد أبان «ﻫ. ك. واتسون» في السجل النباتي الذي يُنشر في لندن في طبعته الرابعة عشرة ٦٣ نباتًا قد وضعت في طبقة الضروب، ولكنه يعتبرها متصلة بأنواع أخر اتصالًا كبيرًا، فهو يشك فيما يمكن أن يكون لها من القيمة والشأن، مع أن هذه النباتات تعتبر متصلة بأنواع منتشرة في ٧٫٩ (سبعة وتسعة من عشرة) من المناطق التي قسَّم بها «واتسون» إنكلترا، وفي هذا السجل عدا ما تقدم: ٥٣ نوعًا منتشرة في ٧٫٧ (سبعة وسبعة من عشرة) من تلك المناطق، وانتشار الأنواع التابعة لها بنسبة ٣ : ١٤. وعلى ذلك يتبين لنا أن الضروب الصحيحة المعترف بها لا تتسع مآهلها بنسبة محدودة، شأن الصور الشديدة القرابة التي يعتبرها «واتسون» أنواعًا مبهمة، ويعتبر بقية علماء النبات في جزائر بريطانيا كافة، أنواعًا صحيحة لا ريبة فيها.
الخلاصة
إن التفريق بين الضروب والأنواع لا يصح إلا بشرطين، أولهما: اكتشاف الصور الوسطى التي تربطهما. وثانيهما: معرفة مقدار التحولات المحدودة التي تقع بينهما. ذلك بأنه إذا تحولت صورتان من الصور تحولًا عرضيًّا صرفًا، أُلحقتا غالبًا بالضروب، بغض النظر عن كونهما تتلاحمان في النسب الطبيعي على أن الفروق التي تعتبر ضرورية لإلحاق صورتين من الصور بطبقة الأنواع، لا يمكن عدها. فالأجناس التي يكون لها عدد من الأنواع أزيد من متوسط ما يجب أن يكون لها في أي إقليم، لا بد من أن يكون لأنواعها عدد من الضروب أزيد من متوسط ما يجب أن يكون لها أيضًا، وأنواع الأجناس الكبرى تكون قابلة للتلاحم بعضها بعض، مكونة بذلك مجاميع مستقلة حول نوع آخر، وإن يكن تلاحمها غير متكافئ، ومن الظاهر أن الأنواع التي تشتد صلتها بأنواع غيرها تكون مآهلها محدودة الدائرة، ورغم كل هذه الاعتبارات، فأنواع الأجناس الكبرى تشتد مشابهتها بالضروب.
ومن الهين أن نفقه حقيقة تلك المشابهات، إذا اعتبرنا أن الأنواع في وقت ما كانت ضروبًا، وأن تنشئتها قد أخذ ذلك المجرى، بيد أننا لا نفقه لها معنى ولا نكشف عنها غطاء، إذا اعتبرنا أن الأنواع قد خُلقت خلقًا مستقلًّا.
ولقد استبان لنا أن أنواع الأجناس الكبرى التي تنتج أكبر عدد من الضروب في المتوسط، أكثر الأنواع تطورًا وأكثرها سيادة في كل مرتبة من مراتب الكائنات، وأن ضروبها، كما سترى، لا تُساق إلى التغاير فتصبح أنواعًا خاصة، وعلى ذلك تُساق الأجناس الكبرى إلى النماء والضخامة، كما أن النظام الطبيعي من شأنه الميل إلى البقاء على الصور الغالبة في الحياة ونمائها وزيادة سيادتها بما تخلفه من الأعقاب الغالبة المهذبة الصفات.
وسيظهر لنا بعدُ أن الأجناس الكبرى تُساق إلى الانقسام أجناسًا صغرى، وبذلك تكون صور الحياة العضوية في هذا السيار منقسمة إلى مجاميع ثانوية.
Rosa: A genus of plants typical of the order Rosaccae Encyele Dick. 182. Vi.
Rubus. Lat = bramble; almost always brikly’ creeqing her Encycle Dick. 200. Vi.
جنسان من الفصيلة الوردية، وضروب هذين الجنسين بالغة حد الوفرة، والفروق بينها غير محققة تمامًا مما يبعث على حيرة النباتيين.