لصوص الذهب!
لم يكن الاستدعاءُ مُلحًّا أو عاجلًا هذه المرة … وأنهَى الشياطين تدريباتِهم الرياضيةَ وتمارينَ اللياقة … وبعد أن حصل كلٌّ منهم على حمَّامٍ باردٍ اتجهوا إلى قاعة الاجتماعات، وإلى يسارهم كانت هناك خريطةٌ كبيرة مُعلَّقة على الحائط، وقد ظهر فوقها تفاصيلُ شبهِ الجزيرة الهندية الواقعة في قلب المحيط الهندي … وقد أضاءَت دائرة بخطوط حمراء حول «بومباي» على ساحل المحيط.
تبادل الشياطين النظراتِ وهم يجلسون … وكان من الواضح أن مهمَّتَهم القادمة سوف تكون في «الهند».
قال «عثمان»: هذا رائعٌ … منذ زمن لم نذهب إلى «الهند»، ستكون فرصة ذهبية لزيارة معالم الهند السياحية.
إلهام: لا أظن أن وقتَنا سيتَّسع للزيارات السياحية خلال مهمَّتِنا.
قال «عثمان» باسمًا: حسنًا … فلنحصل أولًا على إجازةٍ لزيارة معالم الهند السياحية، وبعدها نبدأ مهمَّتَنا الرسمية!
ابتسم الجميع … وسمعوا صوتَ خطوات رقم «صفر» وهو يتَّجه إلى مكانه المظلم، ثم قال للشياطين: مرحبًا بكم!
أجاب الشياطين التحية … وقال رقم «صفر»: لا بد أنكم توقَّعتُم أن المهمة القادمة سوف تدور في «الهند» … وهذا صحيح، وهي مهمةٌ لم تكن عاجلةً، ولكن بعض التطورات الأخيرة جعلَتنا نعجِّل بإرسالكم إليها.
صمتَ رقم «صفر» ثم قال: أنتم ولا شكَّ تعرفون أنه ومنذ سنوات بعيدة، كانت هناك تجارةٌ رائجة جدًّا ما بين الهند والعالم العربي، خاصة ساحل الخليج العربي، وبعد افتتاح قناة السويس راجَت هذه التجارة أكثر … وبسبب تأمين تجارة الهند والطريق البحري إليها قامَت إنجلترا باحتلال مصر … حتى لا تنقطعَ عنها التوابل الهندية ومنتجاتها … والتي كانت إحدى المستعمرات الإنجليزية إلى أن نالَت استقلالَها … والآن، فإن هناك طريقًا بحريًّا رائجًا يمتدُّ ما بين سواحل الهند والخليج العربي.
ظهر خطٌّ أحمرُ مضيءٌ، امتدَّ من سواحل شبه القارة الهندية متجهًا نحو بحر العرب ثم خليج عمان والخليج العربي.
قال رقم «صفر»: لقد تضاعفَت أهميةُ هذا الطريق البحري بعد الانتعاش الاقتصادي الذي حدث في دول الخليج بظهور البترول في بلدانه، فصارَت السفن والناقلات العملاقة تحمل بضائعَ بآلاف الملايين عبرَ هذا الطريق، وهي عادةً بضائعُ مصدَّرة من الهند، وتشمل في الأغلب على الخضروات والفاكهة واللحوم والمنسوجات … أما أهم هذه البضائع على الإطلاق فهي المشغولات الذهبية الدقيقة.
قيس: إن الهنود بارعون في هذه الصناعة تمامًا.
رقم «صفر»: هذا صحيحٌ تمامًا … وبالرغم من أن الهند لا تستخرج الذهب من أرضها إلا بكميات قليلة، إلا أنها حازَت شهرةً عالمية في هذا المجال، فهي تعتبر من الأسواق الرئيسية في العالم لتجارة الذهب؛ حيث يأتي إليها من كلِّ دول العالم التي تستخرجه من أرضها، وفي الهند يقوم الصنَّاع المهرة بصهرِ وتشكيلِ هذا الذهبِ إلى مشغولاتٍ دقيقة رائعة، تأخذ طريقَها إلى كلِّ دول العالم … وخاصةً منطقة الخليج العربي، وعادةً فإن ميناء التصدير يكون في «بومباي»، فهي أقرب ميناء إلى الخليج.
صمتَ رقم «صفر» لحظةً، وتساءل «بو عمير»: وما هي المشكلة؟
أجاب رقم «صفر»: منذ بضعة شهور بدأَت بعضُ الأمور المريبة تحدثُ في طريق هذه التجارة، وكانت أولى الحوادث أن استوردَت إحدى الحكومات الخليجية شحنةَ مشغولاتٍ ذهبية بالملايين، وبعد شحنِها إلى الخليج في صناديقَ مقفلة، وبعد أن وصلَت المشغولاتُ إلى الخليج اكتشفوا أن الصناديق المغلقة والمختومة بأختام هذه الدولة، قد تمَّ تزويرها، وأن الصناديق لا تحتوي إلا على قِطَعٍ من الحجارة!
أحمد: هذه عملية نصب عالمية.
إلهام: وهل تم اكتشاف الفاعل؟
رقم «صفر»: للأسف لا … فقد ضاعَت المسئولية برغم كلِّ الجهود التي بُذلَت لكشف الفاعل، وتحمَّلَت الحكومةُ الخليجية ثمنَ المشغولات الذهبية … وصارَت كلُّ دول الخليج تفرض رقابةً على شحناتها القادمة من الهند … وساعدَتها الحكومة الهندية في ذلك … ومنذ شهرين وقعَت حادثةٌ أخرى.
قيس: ماذا حدث؟
رقم «صفر»: كانت هناك سفينة أخرى مُحمَّلة بملايين الجنيهات من المشغولات الذهبية، وفي طريقها من ميناء «بومباي» إلى خليج «عمان»، التقطَت إشارةَ استغاثة من زورقٍ صغير كان على وشَكِ الغرق، فغيَّرَت اتجاهَها إليه، والتقطَت أفرادَه، ولكنَّ ملَّاحي السفينة فُوجئوا بركاب الزورق يُشهرون الأسلحةَ التي كانوا يُخفونها في ملابسهم، وتحت تهديدِ السلاح استولوا على شحنة المشغولات الذهبية التي تُقدَّر بالملايين، ونقلوها إلى زورقهم، ثم انطلقوا به هاربين دون أن يعرفَ إنسانٌ الوجهةَ التي اتجهوا إليها.
خالد: إنها عملية قرصنة!
رقم «صفر»: هذا صحيحٌ، ويبدو أنها نفس العصابة التي استولَت على شحنة المشغولات الذهبية في المرة الأولى، وبعدها استحال عليهم تنفيذُ خدعتِهم مرة أخرى؛ لذلك قاموا بسرقة الذهب بطريقة علنية، ومن المؤسف أن أحدًا لم يستطع التعرف عليهم برغمِ كلِّ ما بذلَته الحكومةُ الهندية في هذا الشأن.
إلهام: وهل توقَّفَت الحوادث بعد ذلك؟
رقم «صفر»: لقد وقعَت الحادثة الثالثة منذ يومين.
هدى: هل هي عمليةُ قرصنة أيضًا؟
رقم «صفر»: لا؛ فقد احتاطَت شركاتُ الشحن لعمليات القرصنة، فصارَت تبعث برجالٍ مسلَّحين فوق السفن احتياطًا، وللدفاع عن شحناتها إذا ما تكرَّرَت العملية السابقة، ولكن تلك العصابة لجأَت إلى وسيلة جديدة هذه المرة … فما كادَت إحدى السفن المحمَّلة بالمشغولات الذهبية تُغادر الميناء متخذةً طريقَها إلى الخليج العربي، حتى دوَّى انفجارٌ شديد في حجرة المحرَّكات حتى تمَّ نسفُها تمامًا، وحدثَت فجوة في جدار السفينة جعلَت الماءَ يندفع إليها بقوة، فقفز البحارة والعمال ناجين بأنفسهم في اللحظة الأخيرة، والتقطَتهم سفينةٌ قريبة قبل أن يغرقوا.
هدى: والشحنة الذهبية؟
رقم «صفر»: لقد غَرِقَت مع السفينة بالقرب من شواطئ «بومباي» على عمق مائة متر تحت الماء.
عثمان: يا لَها من عصابة جهنمية … لا بد أنهم استولوا على صناديق الذهب بعد ذلك.
رقم «صفر»: إنهم لم يستولوا عليه بعدُ … فقد خطَّطَت هذه العصابة فيما يبدو لكي تنفجرَ السفينة، وتغرق قريبًا جدًّا من الشاطئ، ولكنَّ عطلًا ما تسبَّب في تأخير انفجار القنبلة، مما تسبَّب في غرق السفينة على عمقٍ كبير … وهذا العمق يتطلَّب أجهزةَ غوصٍ خاصة من أجل انتشال السفن الغارقة، كما أن أيَّ غواص مهما كان محترفًا، لا يستطيع الغوصَ إلى هذا العمق إلا بملابسِ غوصٍ خاصة، وهو ما تسبَّب في تأخير تدخُّل هذه العصابة لانتشال الذهب الذي خطَّطَت للحصول عليه بهذه الطريقة.
صمت رقم «صفر» لحظة، ثم أضاف: ولكنهم لن ينتظروا طويلًا بالطبع.
وصدر من جهاز الفاكس الصغير الموضوع بجوار رقم «صفر» صوتٌ خفيض متقطع، يُنبئ بوصول رسالة، والتقط رقم «صفر» الرسالة، وألقى عليها نظرةً سريعة، ثم قال للشياطين: لقد جاءَتنا رسالةٌ من أحد عملائنا في «بومباي» … إنه يقول إن العصابة بدأَت محاولاتِها للحصول على شحنة المشغولات الذهبية … وهذا يستدعي تحرُّكَنا السريع.
زبيدة: وهل تتطلَّب المهمةُ القادمة إعادةَ الذهب الغريق فقط؟
رقم «صفر»: لا … المطلوب أيضًا إلقاء القبض على أفراد هذه العصابة الخطيرة التي تخصَّصَت في الاستيلاء على شحنات الذهب المتجهة إلى الخليج. إن آخر المعلومات التي وصلَتنا عنها تقول إنها عصابةٌ دولية ذات إمكانيات ضخمة، ويُطلقون عليها في العالم السفلي للجريمة اسم عصابة «المخلب الأسود»، وزعيمها رجلٌ هندي كان والده من حواة الهند المشهورين، وقد ورث عنه الابنُ بعضَ هذه الحيل بعد اتجاهه إلى عالم الجريمة، إنه من أقوى رجال العصابات في الهند وهو مطلوب القبض عليه في جرائمَ عديدةٍ … غيرَ أن أحدًا لا يعرف المكان الذي يختفي فيه، ويُدير من خلاله عصابتَه الإجرامية.
وضغط رقم «صفر» على زرٍّ بجواره، فعَمِلَت كاميرا سينمائية صغيرة، طبعَت على الحائط صورةً لرجلٍ هنديٍّ له شاربٌ ضخم ولحية كبيرة مهذبة، ويرتدي عمامة كبيرة فوق رأسه، وقد تدلَّى قُرطٌ ذهبي من أُذُنِه اليسرى … وتلمع عيناه ببريقٍ حادٍّ … بريق الشر.
قال رقم «صفر»: هذا هو «راج خان» زعيم «المخلب الأسود».
عثمان: وكم يبلغ حجم الشحنة الذهبية الغارقة في الماء؟
رقم «صفر»: إنها حوالي طنٍّ من المشغولات الذهبية الثمينة، مُوزَّعة على خمسة صناديقَ من الفولاذ، ولا نظنُّ أن هذه الصناديقَ تأثَّرَت بالانفجار والغرَق؛ لأنها من الصلب السميك، الذي يستحيل تهشُّمُه إلا بقنبلة ذرية، وهذه الصناديق كانت موضوعةً في حجرة القبطان، في نهاية السفينة التي يَصِل طولُها إلى خمسين مترًا.
ضاقَت عينَا «زبيدة»، وقالت: ولكن استعادة هذه الصناديق والغوص إلى هذا العمق يتطلَّب أجهزةَ غوص خاصة.
رقم «صفر»: سوف تجدون كلَّ ما تحتاجون إليه بانتظاركم في «بومباي»، وعميلُنا هناك رقم «٣-ب» سوف يسعى إليكم حالما تَصِلون إلى «بومباي»، وسيقوم بتقديمِ كلِّ المساعدات المطلوبة، إن مهمَّتَكم تعتبر مهمة سريَّة ودقيقة للغاية؛ لذلك عليكم أن تكونوا حذرين تمامًا … وصمتَ لحظةً وألقى نظرةً إلى ورقة أمامه، وقال: سوف يسافر إلى هذه المهمة أربعةُ شياطين فقط … هم «أحمد» و«عثمان» و«إلهام» و«هدى»، وسيبقى الباقون متأهِّبين للمساعدة في أية لحظة إذا ما تطلَّب الأمر ذلك، وسيجد الشياطين الأربعة المسافرون أماكنَهم محجوزةً لهم في أول طائرة متجهة إلى الهند بعد ساعتين، وأرجو أن يُسرعوا بتجهيز حقائبهم للسفر، فلا وقتَ لإضاعته.