صراعٌ وحشي!
قفز «أحمد» و«عثمان» إلى قلب الماء … وراحَا يغوصان بقوةٍ على مسافةِ أمتارٍ قليلة من سطح الماء … وقطعَا مسافة كيلومترين جهة الجنوب، وألقيَا نظرةً متفحصة حولهما … ولكن لم يكن هناك أثرٌ للسفينة الغارقة، وظهرَت الدهشة على وجهَي «أحمد» و«عثمان»، وأشار «عثمان» بيده ﻟ «أحمد» متسائلًا: أين هي السفينة الغارقة؟
ألقى «أحمد» نظرةً لأعلى … لم يكن هناك أيُّ أثر لزوارق خفر السواحل الهندية … ولا لأيِّ إنسانٍ في المكان، وبلغةِ الأصابع أشار «عثمان» ﻟ «أحمد» قائلًا: يبدو أننا أخطأنا في الوصول إلى مكان السفينة الغارقة، ولم نحدد الاتجاه بالضبط!
أحمد: هذا صحيح … فلنحاول البحث عن مكانها!
عثمان: ولكن في أيِّ اتجاه؟
أحمد: فلنغوص لأسفل ثم نحدِّد الاتجاه.
وراح الاثنان يغوصان إلى أسفل، لكنهما غاصَا بضعةَ أمتار، وتوقَّفَا من أجل أن يتكيَّفَ جسدُ كلٍّ منهما بضغطِ الماء المتزايد عليهما … وعلى مسافةِ أربعين مترًا اضطرَّ الاثنان لإشعال مصابيحهما اليدوية بسبب الظلام، وشرعَا يواصلان غوصَهما … وعلى عمقِ ستين مترًا ظهر لهما الشاطئُ الصخري بأسفل، وقد تغطَّى بالأعشاب البحرية والأصداف والمرجان، والأسماك الملونة تسبح هنا وهناك … ولكن … لم يكن للسفينة الغارقة أيُّ وجود في المكان … وأشار «عثمان» ﻟ «أحمد» قائلًا: إننا نسبح في اتجاه خاطئ؛ فالمفروض أن السفينة غَرِقَت على عمقِ مائة متر، وهذا المكان لا يزيد عمقه على ستين مترًا؛ ولذلك فمن المستحيل أن تكون هذه البقعة هي مكان غرق السفينة، أو حتى مكان قريب منها!
أحمد: هذا صحيح، ومن المؤكد حدوث خطأ ما … فلنصعد لأعلى.
واتجه الاثنان صاعدَين لأعلى … ولكن … فجأةً توقَّف الاثنان في دهشة عندما لمحَا الشيءَ المتساقطَ من سطح الماء لأسفل مختلطًا بالدماء الحارة الساخنة.
كانت أجزاءٌ كبيرة من اللحم راحَت تهبط من سطح الماء متهاويةً إلى القاع، وقد لوَّنَت الماء حولَها بلونٍ أحمر دموي.
تبادل الشيطانان نظرةَ دهشة، وتساءل «عثمان»: ما معنى ذلك … مَن الذي يُلقي هذا اللحم في قلب الماء، ولماذا؟
ولم يتَّسع الوقت ﻟ «أحمد» ليشرح ﻟ «عثمان» ما استنتَجه … ففي اللحظة التالية بدأ الهجوم الرهيب، هجوم أسماك القرش، وأدرك «عثمان» متأخرًا أن مَن ألقى باللحم الطازج من سطح الماء، يريد قتلَهما بأسماك القرش التي تندفع إلى مكان اللحم والدماء، وتُمزِّق مَن تجده في طريقها …
ولم يكن هناك شكٌّ في أن مَن فعل ذلك هو عصابة «المخلب الأسود»، التي أرادت التخلصَ منهما بأسرع الطرق … ودون أن تُطلقَ عليهما رصاصةً واحدة … أشار «أحمد» ﻟ «عثمان» أن يُسرعَ بالصعود لأعلى بأقصى سرعة … ولكن … أثناء صعودهما إلى أعلى قطع عليهما الطريقَ سمكةُ قرش كبيرة، راحَت تحوم فوق رأسَيهما وقد فتحَت فكَّها المرعب.
ومن أسفل ظهرَت سمكةٌ ثانية وثالثة … ورائحة الدماء تجذب أسماكًا أخرى أكثرَ توحُّشًا وأكبر حجمًا.
أشار «أحمد» إلى «عثمان» قائلًا: لو بقينا في مكاننا دقائق أخرى لامتلأ المكانُ بعشراتٍ من أسماك القرش، ولن يكون لنا أيُّ نجاةٍ منها.
عثمان: وما العمل؟
أحمد: علينا أن نخوضَ معركتنا مع أسماك القرش حولنا لنُفسحَ لأنفسنا طريقَ الهرب بأقصى سرعة.
صوَّب «أحمد» بندقية الأعماق نحو أقرب سمكة قرش إليه وأطلقها … وانطلق سهمٌ انغرز في بطن السمكة، التي تلوَّت بشدة كأنما صعقها تيارٌ كهربائي … واندفع منها دماءٌ غزيرة.
أطلق «عثمان» سهمًا آخر على نفس السمكة، فكفَّت عن الحركة وغاصَت ميتة مثل حجر ثقيل … وعلى الفور اندفعَت بعض الأسماك المتجهة نحو القرش الميت وراحَت تُمزِّقه … وقد انصرفَت عن «أحمد» و«عثمان»، وأشار «أحمد» ﻟ «عثمان» أن ينتهزَ الفرصة بالصعود لأعلى، ولكن سمكة القرش الكبيرة بأعلى قطعَت عليهما الطريق مرةً ثانية … ومن بعيد ظهرَت عشراتٌ من أسماك القرش الرهيبة، التي جذبَتها رائحةُ الدماء من أماكنَ بعيدة … ولم يكن الوقتُ يحتمل أيَّ انتظار، فصوَّبَ الشيطانان أسلحتَهما إلى السمكة الكبيرة، وأطلقاها في لحظةٍ واحدة …
وانتفضَت السمكة الكبيرة في توحُّشٍ من إصابتها، واندفعَت في جنون نحو «أحمد»، وكادَت تقضم ذراعَه برغم إصابتها القاتلة، ولكن «أحمد» تحاشى أسنانها المرعبة، وسبح فوقها في مهارةٍ مصوِّبًا بندقيتَه إلى السمكة ثم أطلقها، وانفجر دمٌ غزير من السمكة … وانتفضَت انتفاضةً أخيرة ثم تهاوَت لأسفل، وسبح الشيطانان لأعلى بكل قوتهما إلى سطح الماء … وأخيرًا رفعَا رايتَهما فوق سطح الماء وخلعَا قناعَيهما وتنفَّسَا في عمق، لقد نجيَا من أسماك القرش بمعجزة …
فجأةً اندفع زورقٌ بخاري سريعٌ باتجاه الشيطانَين، وشاهد الاثنان بعضًا من رجال خفر السواحل الهندية داخل الزورق، وقد صوَّبَا بنادقَهم إليهما.
وتوقَّف الزورق أمام الشيطانَين، وسألهما أحدُ الضباط من داخله: ماذا تفعلان هنا؟
أحمد: لقد كنَّا نتسلَّى بصيد أسماك القرش المتوحشة!
حدَّق الضابط في «أحمد» غاضبًا، وقال: إن وقتي لا يتسع للمزاح!
أحمد: إنني لا أمزح، وإذا ألقيتَ نظرةً تحت سطح الماء لشاهدتَ وليمةً من أسماك القرش، التي تدافعَت إلى هذا المكان، كأن شيطان الشر قد أرسل إليها ببرقياتٍ عاجلة للحضور!
عثمان: لقد ألقى أحدُ الأشخاص بقطعٍ من اللحم الساخن من سطح الماء، مما جعل كلَّ أسماك القرش في المحيط تهرع إلى مكاننا.
الضابط: ومَن الذي فعل ذلك؟
أحمد: إننا لا ندري بالطبع … فقد هبطنا إلى قلب الماء لدراسة بعض التيارات المائية؛ لأننا نُعدُّ دراسة عنها وفوجئنا بما حدث!
الضابط: من الأفضل لكما أن تتجهَا إلى الشاطئ، ولا تحاولَا الغوص مرةً أخرى.
ورفع يدَه محذِّرًا وهو يقول: إنكما لا تدريان ما قد يحدث لكما المرة القادمة! وأشار إلى بعض الجنود فقادوا الزورق مبتعدين … وسبح الشيطانان حتى الشاطئ، وخرجَا منه.
وقال «عثمان»: يبدو أن نفوذ عصابة «المخلب الأسود» قد وصل إلى رجال الشرطة وخفر السواحل في هذا المكان.
أحمد: ربما … فإن إلقاء مثل تلك القطع الكبيرة من اللحم كان يتطلب استخدام زورق، وهو ما كانت ستلاحظه حرس السواحل!
واتجه الاثنان إلى كابينتِهما … وتساءلَت «إلهام» في دهشة: لقد عدتما سريعًا!
قصَّ «أحمد» ما حدث … فقالَت «هدى» في دهشة: إن ما حدث معناه أن وجودنا قد انكشف لعصابة «المخلب الأسود»، وأنهم يعرفون مَن نكون، وقد اتخذوا قرارًا سريعًا بالتخلص منا.
أحمد: هذا مؤكد.
إلهام: ولكن كيف أن الخريطة التي أعطاها رقم «٣-ب» لنا، كانت خريطةً خاطئة لا تدل على مكان السفينة الغارقة؟
أحمد: ليس لهذا غيرُ تفسير واحد.
في صوتٍ عميق أضاف: يبدو أن عصابة «المخلب الأسود» قد تمكَّنَت من شرائه أيضًا!
هدى: ليس هناك استنتاجٌ آخر … ومن المؤكد أنه أبلغ العصابة بحقيقتنا، وكذلك قرروا التخلص منا.
عثمان: وما العمل الآن؟
أحمد: علينا استكشاف مكان السفينة الغارقة وبأقصى سرعة … ومهما كانت المخاطر.
تساءلَت «إلهام» في دهشة: لماذا قررتَ اكتشاف السفينة الغارقة نهارًا يا «أحمد» برغم أنك أخبرتَ رقم «٣-ب» بأننا سوف نستكشفها مساء … هل كنتَ تشك فيه؟
أحمد: إلى حدٍّ ما … فقد أدهشني أنه تقابل معنا في مقهى بقلب الميناء؛ خشيةً من أن يتعرَّفَ علينا رجالُ عصابة «المخلب الأسود» في الفندق … بالرغم من أنه من المنطقي أن يكون العكس هو الصحيح؛ فمنطقة مثل هذا الميناء ستكون عيون رجال العصابات بها أكثر.
عثمان: هل تقصد أن «٣-ب» أتى بنا إلى الميناء من أجل أن يشاهدَنا رجال عصابة «المخلب الأسود» ويتعرفوا علينا؟
أحمد: يبدو أن هذا هو ما حدث.
عثمان: هذا الخائن.
أحمد: لهذا خدعتُه بإخباره أننا سنغوص ليلًا؛ فقد خشيتُ من أن يُعدَّ لنا كمينًا … ولكن يبدو أن هناك عيونًا تُراقبنا طوالَ الوقت، وما إن شاهدونا نغوص في الماء، حتى أسرعوا بمحاولة التخلص منا.
إلهام: إذن فسيصير اللعب على المكشوف.
أحمد: وهذا ما يستدعي منَّا سرعة الحركة.
هدى: ولكننا حتى الآن لا ندري مكانَ غرق السفينة لنغوص إليها.
أحمد: لقد شاهدتُ زورقَ خفر السواحل يتجه شمالًا … وأظن أن ركَّابَه يقصدون مكانَ السفينة الغارقة لحراستها … وإذا درسنا طبيعةَ ساحل هذا الميناء والشاطئ المحيط به، فسنكتشف بواسطة الخرائط القارية وخرائط الأعماق، أنه لكي نصلَ إلى عمق مائة متر حتى نصلَ للقاع، فإنه يتعين علينا قطْعُ مسافة كيلومترين من شمال الميناء.
تساءلَت «إلهام» في دهشة: من أين حصلتَ على هذه المعلومات يا «أحمد»؟
أحمد: لقد راجعتُ قبل سفري الخرائطَ الخاصة بهذا المكان؛ ولهذا شككتُ في العميل «٣-ب» عندما دلَّنا على مكانٍ كنتُ أعرف أن عمقَه لا يزيد على ستين مترًا، وقال بأن السفينة المحملة بالذهب غَرِقَت فيه، ولكني لم أشَأْ أن أُظهرَ له شكِّي في وقتها.
هدى: ولكننا نحتاج إلى زورق من أجل مهمتنا!
أحمد: هذا صحيح … نحن بحاجة إلى زورق سريع ومسلَّح أيضًا.
وفي اللحظة التالية ظهر الزورق المسلح … ولكن ركابه كانوا يهدفون إلى شيء آخر … إلى التخلُّص من الشياطين!