الخدعة!
انطلق الرصاص من الزورق البخاري نحو الشياطين كالمطر … وفي الحال قفز الشياطين إلى الوراء، وبقفزة بارعة كانوا يحتمون خلف بعضِ الصخور القريبة من الشاطئ، على حين كان الرصاص يمزِّق الهواء حولهم … وأطلَّ بعضُ سكان الكمائن المجاورة في رعب، ولكن طلقات الرصاص المنهمرة جعلَتهم يُلقونَ بأنفسهم على الأرض وينكمشون في هلع … وقفز ركاب الزورق المسلح إلى الشاطئ، واندفعوا فوق الرمال تجاه الصخور التي اختبأ خلفها الشياطين … كان عددُهم ستةً ولم يكن مع الشياطين أيُّ سلاح، غير بندقية الأعماق في يد «إلهام»، التي صوَّبَتها نحو أقرب المهاجمين ثم أطلقَتها … وسقط أولُ المهاجمين مصابًا … وأمسك «عثمان» بكرته المطاطية قائلًا: لا يزال معي سلاحي السِّري الذي يُفيد في الأزمات دائمًا.
طارَت «بطة» نحو جبهة أقرب المهاجمين، فسقط فاقدًا الوعي دون كلمة أو صرخة، وأطلقَت «إلهام» بندقيةَ الأعماق، ولكن السهم طاش فهتفت ساخطة: لقد كان السهم الأخير في البندقية وقد طاش.
أحمد: سنخوض معركتنا بأيدينا العارية لو لزم الأمر.
اقترب المسلحون الأربعة من الصخور … وكانوا خليطًا من جنسيات مختلفة، ومدافعهم الرشاشة تُطلق الرصاص … وصاح صوتٌ من خلف الرصاص يقول: إننا سنستسلم … لا تُطلقوا الرصاص.
ابتسم المسلحون الأربعة، وقال أحدهم ساخرًا: يبدو أن الأنباء التي جاءَتنا عن بطولة وجسارة هؤلاء الشياطين كانت مبالغًا فيها … فها هم يستسلمون مع أول طلقة. صاح رئيس المهاجمين في الشياطين: اخرجوا من خلف الصخور وأيديكم مرفوعة فوق رءوسكم …
ظهر الشياطين من خلف الصخور وأيديهم مرفوعة لأعلى … فقال أحد المهاجمين في دهشة: إن بينهم فتاتَين … يبدو أن مهمَّتَنا ستكون سهلة.
قال «أحمد» ساخرًا: أظن أنك ستغير رأيك حالًا أيها الغبي!
وقبل أن ينتبهَ المسلحون الأربعة لما يقصده «أحمد»، كان الشياطين الأربعة يقدمون عرضًا رائعًا؛ فقد تماسكَت أيديهم في لحظة خاطفة، وقفزوا في الهواء بحركة أكروبات رائعة، ولفَّ كلٌّ منهم حول نفسه مرتين في الهواء، قبل أن يسقطَ كلُّ شيطان فوق رأس أحد المهاجمين … فوجئ رجال العصابة بالحركة البارعة التي قام بها الشياطين، وقبل أن يستطيعوا الحركة أو القيام بردِّ فعلٍ مناسب، كانت أقدامُ الشياطين تُطيح بأسلحتهم بعيدًا … وأمسك «عثمان» بأحد المهاجمين، ورفعه فوق قدمه بحركة «جودو» بارعة، وألقاه للوراء فاصطدمَ رأسُ رجلِ العصابة بإحدى الصخور ولم يتحرك من مكانه.
طارَت قبضة «أحمد» نحو مهاجم آخر، وأخذَت قبضتُه الأخرى طريقَها إلى خصمه … فتهاوَى على الأرض، وفي لحظةٍ واحدة وبحركةٍ واحدة … امتدَّت يدَا «إلهام» و«هدى» بضربتَي سيفِ يدٍ هائلتَين إلى رَجُلَي العصابة الباقيَين … ثم أمسكَت كلٌّ من «إلهام» و«هدى» بأحد رَجُلَي العصابة، وأدارَت ذراعه، فطار الاثنان في الهواء ثم سقطَا على الأرض يتلويان من الألم الشديد.
وانتهت المعركة سريعًا ولم تستغرق أكثرَ من دقيقة واحدة، وكان رجال العصابة الأربعة ممدَّدين فوق الرمال.
وقال «أحمد»: هيَّا بنا … فلا وقتَ لإضاعته.
التقط كلٌّ من الشياطين أحدَ المدافع الرشاشة، واندفعوا نحو الزورق المسلَّح بعد أن حصلوا على ملابس الغوص وكوَّموها داخل الزورق … أدارَت «إلهام» الزورقَ السريع متجهةً إلى الشمال … وقد بدأ المطرُ يَهْطِل كالسيل، وارتفعَت أمواجُ المحيط الهادرة … ومن بعيدٍ شاهدوا بعضًا من زوارق رجال عصابة «المخلب الأسود»، وهم يقفزون إلى قلب المحيط في ملابس الغوص، فقال «عثمان»: من حسنِ حظِّنا أن المحيطَ هائجٌ بتلك الصورة، ولن يتنبهَ أحدٌ إلى وجودنا.
أحمد: فلنُسرع بالغوص واستكشاف مكان السفينة الغارقة.
ارتدى الشياطين الأربعة ملابسَ الغوص، ثم قفزوا إلى الماء معًا … وراحوا يغوصون لأسفل بسرعة، ولم يستغرق هبوطُهم طويلًا! وأخيرًا ظهرَت أمامهم السفينةُ الغارقة وبعضُ الغواصين من رجال العصابة يتفحصونها من الأمام … أشار «أحمد» لزملائه ألَّا يُصدروا صوتًا أو حركة تكشف مكانهم … وأن عليهم التسلل إلى السفينة من مؤخرتها … فليس من مصلحتهم القتال مع رجال العصابة … وتسلَّل الشياطين في هدوءٍ في قلب الظلام المسيطر على قلب الماء … وكشافات رجال العصابة المضيئة بمثابة إشارات ضوئية تُرشدهم إلى الطريق الصحيح … وأخيرًا لامسوا مؤخرة السفينة فتسللوا من نافذة إحدى القمرات إلى قلبها، وسبحوا على مهلٍ داخل ممرات السفينة.
وبلغة الإشارة تساءلَت «إلهام»: أين حجرة القبطان؟
أشار «أحمد» إلى نقطة في نهاية الممر، فاقترب الجميع من بابٍ مغلق في نهاية الممر … كانت فوق لوحة بالإنجليزية عليها عبارة «حجرة القبطان».
كان باب الحجرة مغلقًا … ودفعه «أحمد» بعنف فانفتح … واندفع الشياطين إلى قلب الحجرة التي تبعثرَت أشياؤها في قلبها … ولكن … كانت هناك خمسة صناديق من الصلب في أرضية الحجرة، لم يكن هناك شكٌّ في أنها صناديقُ الذهب المشغول … ترامق الشياطين في سرور … وتشاوروا بعلامة النصر … وعندما حاولوا رفْعَ أحد الصناديق كانت مهمةً صعبة.
وبلغة الإشارة قال «عثمان»: إننا بحاجة إلى رافعة وحبال لرفع هذه الصناديق لأعلى …
أجابه «أحمد»: من الضروري الصعود لأعلى الآن؛ فلم يتبقَّ معنا أوكسجين أكثر، واستداروا نحو باب القمرة ليغادروها … ولكنهم جمدوا في مكانهم عندما شاهدوا الأخطبوط الضخم الذي كان يسدُّ باب القمرة عليهم … وينظر إليهم بعينَيه القبيحتَين، وقد تحرَّكَت أذرعتُه الضخمة لتقبض عليهم، تراجع الشياطين في قلقٍ للوراء … لم يكن معهم أيُّ سلاح يواجهون به عدوهم الرهيب … الذي لو أمسكَت أذرعتُه بأحدهم والتفَّت حوله لاعتصرَتْه، ولم يكن معهم أوكسجين يكفيهم دقائق أخرى، حتى لو حاولوا البقاء في أماكنهم، إلى أن ينصرف الأخطبوط من المكان … ولكن الأخطبوط لم تكن تبدو عليه الرغبة في أنه سيغادر مكانه قريبًا … ولم يكن هناك أيُّ مخرج من القمرة غير بابها … فحتى نافذتها الضيقة لم تكن تتسع لخروجهم … وكان على الشياطين أن يتخذوا قرارًا سريعًا … واتخذ «أحمد» القرار بالفعل … وأشار إلى الباقين قائلًا: سوف نخوض معركتنا ضد هذا الأخطبوط اللعين.
تساءلَت «هدى» في قلق: ولكن ما هو السلاح الذي سنستخدمه؟
أشار «أحمد» إلى بعض العوارض الحديدية المتناثرة في المكان، وبقايا أرجل المقاعد الخشبية قائلًا بلغةِ الإشارة: فلتكن هذه هي أسلحتنا، ولنهجم معًا حتى نُشتِّتَ انتباهَ الأخطبوط … والتقط الشياطين كلَّ ما وصلَت إليه أيديهم من عوارضَ حديديةٍ وخشبية لها أطراف مدببة … وفي حركةٍ واحدة اندفعوا نحو الأخطبوط … وغرسوا أسلحتهم البدائية في أطرافه وأذرعته الجلدية السميكة بعنف، وانتفض الأخطبوط وتراجع للوراء، وقد التمع الغضبُ في عينَيه … ثم اندفع نحو الشياطين وأذرعتُه تضرب الماء في عنفٍ كأنها سوط.
وقبل أن يتمكن الشياطين من غرس أسلحتهم في بدن وأذرعة الأخطبوط ثانية، صرخَت «إلهام» وقد التفَّ حولها إحدى أذرعة الأخطبوط، وراح يضغط عليها في قوة، واندفع «أحمد» وقد أدرك أنه لم يَعُد أمامه غيرُ حلٍّ واحد … وأمل أخير … وبكل قوته غرس الساق الخشبية التي معه في عين الأخطبوط، وانتفض للوراء في جنونٍ كأنه يصارع الموت … فأفلتت «إلهام» من ذراعه … وتراجع الأخطبوط للوراء وهو لا يرى أمامه … وأشار «أحمد» للشياطين بانتهاز الفرصة … وتسللوا من جانب الأخطبوط الذي لم يستطع رؤيتهم … واندفعوا يسبحون في ممر السفينة حتى وصلوا إلى الفتحة التي دخلوا منها.
كان الأوكسجين في أسطواناتهم يوشك على النفاد … وأشارَت «إلهام» بحاجتها إلى الأوكسجين، فأسرع «أحمد» بوضع قناعه فوق وجهها … والتقطَت «إلهام» نفَسًا عميقًا من أسطوانة «أحمد»، ثم شرعوا يسبحون إلى أعلى بكل سرعتهم … والأوكسجين يتناقص منهم بسرعةٍ رهيبة، وصدورهم تكاد تنفرج لقلة الهواء.
وأخيرًا وصلوا إلى سطح الماء، وفي سرعةٍ محمومة أزاحوا أقنعتهم عن وجوههم ليتنفَّسوا عميقًا …
كانت المفاجأة المذهلة! عندما شاهدوا الزوارق المسلحة المليئة برجال العصابة، وقد أحاطَت بهم عشراتٌ من المدافع الرشاشة مصوَّبة إليهم، وقال أحد رجال العصابة لهم ملوِّحًا بسلاحه: لا فائدة من المقاومة، وإلا جعلنا أجسادكم مثل المصفاة من طلقات الرصاص.
ولم يكن بوسع الشياطين أن يفعلوا شيئًا، فرفعوا أيديَهم مستسلمين، وأشار لهم الرجال المسلحون بأن يركبوا أحد الزوارق تحت الحراسة.
ثم اتجه الزورق تجاه نقطةٍ بعيدة بأطراف الشاطئ، وهناك كانت سيارة جيب عريضة بانتظارهم بداخلها بعضُ المسلحين … وأشار المسلحون للشياطين بركوب السيارة الجيب تحت الحراسة، وبداخل السيارة فوجئوا بالشخص الجالس بجوار سائقها … كان هو «زيني أمان» العميل الخائن «٣-ب»، الذي قال لهم ساخرًا، وقد بدأت الجيب سيرَها في أطراف «بومباي»: مرحبًا بكم، من العجيب أنكم بسبعة أرواح، ولكم قدرة عجيبة على مصارعة الحيوانات المتوحشة.
إلهام: أيها الخائن … هل أنتَ سعيدٌ بما فعلتَ؟
قهقه رقم «٣-ب»، وقال: لقد اكتشفتم الحقيقة مبكرًا، وأنا عرفت أنكم تشكون فيَّ عندما أخبرتموني أنكم ستغوصون مساء … ثم غُصْتم بعد أن تركتُكم مباشرةً.
عثمان: إن للخائنين رائحةً إجرامية نعرفها جيدًا، وقد كانت رائحتك مقززة.
ابتسم «زيني أمان» قائلًا في سخرية: لقد أخطأتَ يا عزيزي، فإنني لم أَخُن أحدًا، فإنني لستُ «زيني أمان» أو العميل رقم «٣-ب».
تبادل الشياطين النظراتِ في دهشة … وتساءلَت «هدى»: إذن مَن تكون أنت؟
أجاب: إنني مساعد «راج خان» الأول، وأُدعَى «جاك»، وقد قبضنا على رقم «٣-ب» الحقيقي، وبعد أن قُمْنا بتعذيبه اعترف لنا بكلِّ شيء قبل وصولكم، وهكذا حللتُ أنا محلَّه، والآن هل أعجبتكم اللعبة.
تساءل «أحمد» مقطبًا: إلى أين ستأخذوننا؟
أجاب «جاك»: سوف أذهب بكم إلى «راج خان»؛ فهو يرغب في رؤيتكم … ولا بد أنه أراد أن يتسلَّى بكم قليلًا، إلى أن يتمكَّن رجالُنا من استخراج الذهب خلال الليلة وبعدها …
وانطلق «جاك» مقهقهًا … وكان لضحكته معنًى وحيد … الموت!