«راج خان»!
توقَّفَت السيارة الجيب أمام أحد المعابد البوذية الكبيرة … وظهر تمثال «بوذا الكبير» في مدخل المعبد، وقد طُليَ بالذهب الخالص … على حين كان بعضُ الكهنة يدخلون ويخرجون من المعبد الكبير … الذي عبقَت حولَه رائحةُ البخور واحتراق الشموع.
وأشار «جاك» إلى الشياطين قائلًا: هيَّا … غادروا السيارة إلى المعبد.
تبادل الشياطين نظرةَ دهشة، وتساءلت «هدى»: هل يعيش «راج خان» داخل هذا المعبد البوذي الكبير؟
جاك: ها أنت قد استنتجتَ الحقيقة!
إلهام: إن هذا هو السبب في أن رجال الشرطة فشلوا في الوصول إلى مكان هذا المجرم المخادع، فمَن يمكنه أن يظنَّ أن معبدًا للصلوات يُقيم فيه مثل هذا المجرم الخطير؟
قال «جاك» ساخرًا: وحتى لو اهتدى رجال الشرطة إلى مكان «راج خان»، فإنهم لا يستطيعون اقتحامَ هذا المكان، وإلا ثار عليهم الناس، والآن هيَّا … فإن «راج خان» لا يحب الانتظار طويلًا. ومن بابٍ جانبيٍّ راحوا يهبطون سردابًا يؤدي إلى أسفل المعبد، وكان من الواضح أن زعيم عصابة «المخلب الأسود» قد أقام لنفسه وكرًا تحت المعبد، وانتهى السرداب إلى صالة عريضة مزينة بأفخر أنواع الرياش، كأنها قاعدةٌ بأحد القصور … ووقف الشياطين لحظة، قبل أن ينفتح الباب ويظهر في مدخله زعيمُ «المخلب الأسود» «راج خان».
رمق «راج» الشياطين لحظةً بعينَين ضيقتَين متجهمتَين، وتقدَّم إلى منتصف القاعة الواسعة، وعيناه تُرسلان ما يُشبه الوميض، وأخيرًا قال: إذن فأنتم مَن يُطلقون عليهم لقبَ الشياطين، كنت أظن أن رؤساءَكم سيرسلونكم جميعًا إلى «بومباي»، ولم يكتفوا بإرسال أربعة فقط.
أجابه «عثمان» ساخرًا: لا أظن أن مجرمًا تافهًا مثلك يستحق أكثر من ذلك!
حدَّق «راج خان» في «عثمان» لحظةً، ثم انفجر ضاحكًا وقال: تُعجبني شجاعتكم؛ فإن رؤساء عصابات أخرى كانوا يرتعدون هلعًا وهم يقفون مكانكم الآن عند مقابلتي.
وفي صوتٍ عميق رهيب أضاف: وأظن أنه سيحدث لكم نفس الشيء عندما نبدأ في تعذيبكم …
قالت «إلهام» غاضبةً: إن أيَّ شيء في العالم لا يمكن أن يصيبَنا بالهلع … حتى لو كان أشدَّ طرق التعذيب قسوة في العالم.
راج خان: لقد قال العميل «٣-ب» نفسَ الشيء … ولكن ما إن بدأنا في تعذيبه حتى راح يصرخ بكل الأسرار.
أحمد: وأين هو رقم «٣-ب» … هل قتلتموه؟
راج خان: لا … لقد ألقيناه في زنزانة ضيقة لا تتسع له حتى بالوقوف بداخلها، ولا حتى لكي ينامَ ممددًا … وسوف تُدركون أيَّ عذاب يلاقيه، عندما تُجربون نفس الشيء.
أحمد: لا أظن أنك أتيتَ بنا إلى هنا من أجل أن تتمتع بتعذيبنا … فقد كان يمكن لرجالك قتلنا ببضع رصاصات ونحن في قلب الماء.
راج خان: هذا صحيح تمامًا … ولكني أريدكم أحياء لأنكم تساوون عشرات الملايين، وبمعنًى أدق فإن المعلومات التي أريدها منكم تساوي الملايين … وهناك مَن هو على استعداد لأن يدفع ثمنًا يفوق أيَّ خيال لهذه المعلومات.
هدى: عن أي معلومات تتحدث؟
راج خان: لا داعيَ للمراوغة … أنتم تعرفون ما أعنيه بالضبط … إنني أريد معلوماتٍ كاملةً عن منظمة الشياطين اﻟ «١٣» وكل أسرارها، ومن أجل هذا أبقيتُ على حياتكم، وإلا سأرسلكم إلى الجحيم.
أحمد: إذا ظننتَ أنك ستحصل منا على أية معلومة فأنت واهم، إن إجراميًّا مثلك لا يمكن أن يُجبرَنا على ما لا نريد.
ضاقَت عينَا «راج خان» بغضبٍ هائل، وقال: حسنًا … فلنرَ كم ستتحملون من العذاب حتى تنفكَّ عقدة ألسنتكم، ولكني سأمنحكم مهلةً حتى الصباح؛ فربما تلين عقولكم وتعترفون بما أريد … وإلا … وأشار إلى رجاله فاندفع عددٌ من المسلحين نحو الشياطين شاهرين أسلحتهم، وسأل «عثمان» «أحمد» بلغةِ العيون: هل نهاجمهم الآن؟
ولكن «أحمد» أجابه: لا … إننا نرغب في إنقاذ العميل «٣-ب» أولًا ومعرفة مكانه، ولا بد أنهم سيسجنوننا في مكانٍ قريب منه.
قادهم الحراس إلى بابٍ جانبي هبطوا منه نحو ممرٍّ ضيق، تفوح منه رائحةُ رطوبة عفنة، وانتهى الممر إلى زنزانة ضيقة، كان يقف على حراستها ثلاثةٌ من الهنود المسلحين بالسيوف حول وسطهم، وتبدو على وجوههم القسوةُ الشديدة، وتبادل الحراس مع المسلحين بعضَ العبارات بالهندية التي لا يفهم منها الشياطين شيئًا، وكان يبدو على الحراس الضيق والغضب، فتساءلت «هدى»: ترى ماذا يقولون.
أحمد: يبدو أن الحراس يرغبون في بدء تعذيبنا فورًا، ولكن رجال العصابة يرغبون في تأجيل ذلك إلى الصباح كما أمرهم «راج خان».
التفتَ أحد المسلحين نحو «أحمد» صائحًا بالإنجليزية: غير مسموح لك بالكلام هنا أيها الغبي، ورفع يدَه ليهويَ بها فوق وجه «أحمد»، ولكن يدَ الحارس توقَّفَت في الهواء بألمٍ شديد، عندما أمسك «أحمد» بيده في الهواء، وراح يضغط فوقها بأصابع حديدية.
وقهقه الحراسُ الهنود الثلاثة في سخريةٍ من رجال العصابة، وكان من الواضح أن هناك بعضَ الخلاف بين رجال العصابة والحراس الثلاثة.
وانتزع المسلحُ يدَه من «أحمد» وقال للشياطين: سوف يكون انتقامنا منكم رهيبًا عندما تحين ساعتكم.
إلهام: لا أظن أن هذه الساعة ستحين أبدًا أيها الغبي.
فتح الحراس الزنزانة الضيقة، ودفعوا الشياطين إلى قلبها ثم أغلقوها بقفلٍ كبير من الخارج، وأطل أحدُ الحراس من نافذة الباب الحديدية، وهو ينظر إلى «إلهام» نظراتٍ حيوانية وبلغةٍ إنجليزية متكسرة قال لها: أنت جميلة جدًّا.
أجابته «إلهام»: وأنت أبشع مَن رأيتُ في حياتي.
فانطلق الحارس يضحك في حيوانية وهو يمسح شفتَيه ولُعابَه، وغاب عن الزنزانة، وتلفَّت الشياطين حولهم يتفحصون الزنزانة الضيقة، كانت مساحتها لا تزيد على متر ونصف في متر ونصف … جدرانها من الصخر وليس بها مخرج غير بابها المغلق، الذي يستحيل الخروج من الزنزانة إلا من خلاله.
قالت «هدى» في غضب: يبدو أننا وقعنا في شرَكٍ … إن هذه الزنزانة يستحيل الخروج منها.
فجأة همس «أحمد»: أنصتوا … هناك صوتٌ خافت يأتي من مكانٍ ما.
أنصتَ الجميع … كانت هناك أصواتُ أنَّاتٍ خافتة تأتي من خارج الزنزانة … من زنزانة مجاورة، وكانت الأناتُ تبدو أنها صادرةٌ من شخص يتألَّم من شدة تعذيبه.
همس «أحمد»: ربما كان هو رقم «٣-ب» … دعونا نتأكد.
وطرق «أحمد» جدارَ الزنزانة من الناحية التي تصدر منها الأنات، بطريقة «مورس» في الدق … ومرَّت لحظةُ صمتٍ وتوقَّفَت الأنات … كانت دقات «أحمد» تتساءل: مَن أنت … هل لك علاقة برقم «٣-ب»؟
وجاءت الإجابة سريعًا على شكلِ دقاتٍ واهنة تقول: إنني «زيني أمان»، وقد قبضَت عليَّ العصابة وعذَّبَتني … مَن أنتم؟
تبادل الشياطين النظراتِ، كان استنتاجهم في مكانه … وأجاب «أحمد» على الدقات قائلًا: نحن مجموعةٌ من الشياطين اﻟ «١٣»، وسوف نسعى إلى إنقاذك ومغادرة هذا المكان. وجاءتهم الإجابة على شكلِ دقاتٍ تقول: هذا مستحيل، من المستحيل الفرار من هذه الزنازين اللعينة.
أحمد: لا تتعجل الأمور وانتظر!
والتفتَ «أحمد» إلى بقية الشياطين، فسأله «عثمان»: ما هي خطَّتك يا «أحمد»؟
أحمد: علينا مغادرة هذه الزنزانة قبل منتصف اليل، قبل أن يتمكَّن رجال «المخلب الأسود» من انتشال صناديق الذهب، وسوف تنقسم مهمتُنا إلى جزأين؛ أولهما: الحصول على الذهب لنُعيدَه إلى بلادنا، وثانيًا: إيقاع عصابة «المخلب الأسود» ورئيسها «راج خان» في قبضة الشرطة.
تساءلَت «إلهام» في قلق: وكيف نتمكن من ذلك ومغادرة هذه الزنزانة؟
أجابها «أحمد»: أنتِ التي ستقومين بذلك يا «إلهام».
تساءلَت «إلهام» في دهشة: أنا … كيف ذلك؟
بصوتٍ خفيض راح «أحمد» يشرح ﻟ «إلهام» ما يقصده، وبعد أن انتهى سألها: ما رأيُكِ؟
أجابت «إلهام»: إنها خطةٌ جيدة … وليس أمامنا غيرها.
أحمد: سوف ننتظر بعضَ الوقت لتنفيذها، لنتظاهر بالنوم أمام الحراس، لكي تسيرَ الخطةُ على النحو الموضوع.
جلس الشياطين في أماكنهم بالزنزانة الضيقة، وتظاهروا بالنوم لشدة التعب … وبعد وقتٍ أطلَّ رأسُ أحد الحراس الهنود من نافذة باب الزنزانة، كان هو نفس الحارس ذي النظرات الحيوانية، وراح يراقب «إلهام» بعينين واسعتين …
وتظاهرَت «إلهام» بأنها تستيقظ من نومها، ونهضَت واقتربَت من نافذة الباب، وبنظرةٍ واحدة لمحَت الحارسَين الآخرَين وقد نامَا، وكان هذا أقصى ما يطمع فيه الشياطين، فابتسمَت للحارس الثالث، وقالت له: إنني جائعة.
أجابها الحارس: ليس لكم أيُّ طعام!
فابتسمَت «إلهام» ابتسامةً واسعة، وقالت: ولكنك قلتَ إنني جميلة جدًّا، ولا بد أنك لن تضنَّ عليَّ ببعض عشائك!
أجابها الحارس: إنني مستعدٌّ لذلك، ولكن بشرط أن تتناوليه معي خارج الزنزانة!
وغمز بعينَيه في إشارة واضحة، فضحكَت «إلهام» قائلةً: إنني موافقة.
تلفَّت الحارس حوله في حذر … وعندما اطمأنَّ أخرج من جيبه سلسلةَ مفاتيح كبيرة، وأدار إحداها في قفل الباب ففتحه.
وما كاد باب الزنزانة ينفتح … حتى انفتحت أبواب الجحيم الأخرى!