ملك التيتانور!
في نفس الوقت الذي اتصلَت فيه «إلهام» ﺑ «أحمد»، كان «عثمان» قد اتصل ﺑ «باسم»، وأبلغه بالموقف … لذلك، قام «باسم» بتحريك اللسان الخاص بحركة بديلة عن الباب، ونزل إلى الدور الأول … فاصطحب «إلهام» و«عثمان» … وقبل أن يغادر «أحمد» موقعَ المصعد … كان المصعد يتوقف أمامه وينزل منه كلٌّ من «إلهام» و«عثمان» و«باسم» … وهنا فقط قال «أحمد»: «باسم» … أنت إذن مَن نزل بالمصعد؟!
ابتسم «باسم»، وقال: نعم … فقد اتصل بي «عثمان» …
أحمد: ولماذا تركتَ الباب مفتوحًا؟
باسم: لقد حاولت إغلاقه فلم أتمكن …
أحمد: أحدهم عبث به … ولكنهم يعرفون كيف يُغلقونه …
إلهام: مَن الذي تم قتله؟
نظر لها «أحمد» مليًّا قبل أن يقول: إنه أحد ضيوف السيد «مختار» …
وهنا علَّق «عثمان»، يسأله قائلًا: ولماذا أنت متأثرٌ هكذا، هل تعرفه؟
أحمد: لا … ولكن أعرف مَن قتله.
إلهام: مَن يا «أحمد»؟
أحمد: إنه السيد «مختار» … وهذا يعني أنه قد يُسجَن، وقد يُعدَم …
عثمان: وهل أنت حزين لأجل هذا الرجل؟
أحمد: لا … بل حزين لأننا سنبدأ من جديد في عملية الكشف عن أسرار صفقات التيتانور؛ فالسيد «مختار العزيزي» كان مرشدَنا لهذه العصابة …
عثمان: هل عقدتَ معه صفقة؟
أحمد: ماذا تقصد؟
عثمان: أقصد أن يسلمَك رءوس هذه العصابة، ويخرج هو سالمًا.
أحمد: لا … بل هو العضو المعروف لنا … وليس عضوًا عاديًّا … بل هو عضوٌ مهمٌّ … وتتبُّعُه كان سيقودنا إلى بقية الشبكة.
إلهام: وأين «ريما» الآن؟
باسم: لقد حصلَت على عينة سقطَت من السيد «مختار العزيزي»، أثناء شجاره مع «كاليبو» و«دوماجو».
عثمان: ومَن الذي تمَّ قتلُه … هل هو «مايكل دوماجو»؟
أحمد: لا إنه «كاليبو» … إنه شخصية عجيبة …
قاطعَه «باسم»، قائلًا: هل عرفت؟
أحمد: عرفت ماذا؟
باسم: لقد فتح صدرَه ﻟ «العزيزي» … وقال له بشجاعة: اقتلني … رغم أن «العزيزي» كان قد سحب زرَّ أمان المسدس … إلا أنه لم يخَف … وكانت هذه هي نهايته …
أحمد: لم يكن يتخيَّل أن «العزيزي» جادٌّ في قتله …
إلهام: أعتقد أن «العزيزي» لم تكن لديه النية لقتله … ولولا إثارتُه الزائدة له ما قتله.
عثمان: ولماذا يحمل مسدسًا إذن؟
أحمد: هذا ما يجب أن نعرفه …
عندما انتهَت تحرياتُ الشياطين في مكان الحادث كانت الشمس قد غابَت … وكان عليهم العودة للمقر السري الصغير بالقرب من منطقة الرماية لتناول الغداء الذي مرَّ ميعادُه دون أن تكونَ لديهم فرصة لتناوُله، وأيضًا لعقدِ اجتماعٍ عاجلٍ ومهمٍّ لمناقشةِ حادثةِ مقتلِ «كاليبو».
كانت غرفة الاجتماعات الكبرى مضاءةً عن آخرها حين دخلها الشياطين، واتخذ كلٌّ منهم موقعَه على مقعده المعتاد، ولم ينطفئ النور عند بدْءِ الاجتماع، فقال «أحمد»: مساء الخير عليكم، نحن الآن نجتمع لنناقش صفقةَ التيتانور المشبوهة، والتي راح ضحيتها أكثر من رجل، آخرهم «كاليبو» … فما هي صفقة التيتانور؟ وهنا قاطعَه «عثمان» مقاطعة إيجابية، قائلًا: الأهم، ما هو التيتانور؟
أحمد: كما تعرفون جميعًا؛ فالتيتانور هو مخصبٌ نباتيٌّ متطور للغاية …
هذا ما يعرفه الجميع، إلا أنهم كانوا ينتظرون المزيدَ من «أحمد» … وهذا ما دفع «قيس» للاستهجان، قائلًا: ليس من المعقول أن تكون صفقة مخصب نباتي وراء حوادث القتل التي وقعَت.
أحمد: بالطبع لا … ومَن قال لك إن الصفقة التي كانوا يتفاوضون لإتمامها هي صفقة التيتانور فقط … هناك صفقة داخل الصفقة …
كان الجميع ينظرون إليه ويسمعونه بإنصات … لهذا أكمل حديثَه قائلًا: هناك صفقة لتحرير شحنة يورانيوم مستنفذ ومخلَّفات ذرية تحت اسم التيتانور. سرَت همهماتٌ في القاعة، قطعها سؤالُ «قيس» بقوله: هل هذه المعلومات قديمة؟
أحمد: نعم … فالسيد «مختار العزيزي» يعمل منذ وقت طويل في استيراد المخصبات ومحسنات الإثمار، وكان رجلًا ناجحًا بكل المقاييس … إلى أن أعلنَت جبهةٌ مجهولة الحربَ عليه، فضيَّقَت عليه الخناقَ بإثارة العراقيل أمامه مرة، وإفساد شحنة التيتانور التي يستوردها مرات، حتى كاد أن يُشهرَ إفلاسه … فظهر في طريقه «البنداري» … وبعد فترة قصيرة بدأت أحوالُه تتحسن … وسدَّد ديونه وانتعشَت أحواله … وتكرَّر كثيرًا مشهدُ «العزيزي» في لقائه مع ضيوفه الأجانب … و«البنداري» في لقائه مع نفس الضيوف.
عثمان: وهل يلتقي بهم منفردًا؟
أحمد: نعم، فهناك لقاء يعلمه «العزيزي»، وهو الذي يتمُّ في وجوده. أما اللقاء الآخر فلا يعلم «العزيزي» عنه شيئًا.
إلهام: هذا يعني أن «البنداري» هو المحرِّكُ لكل الأحداث …
أحمد: نعم؛ ولكنه ليس الرأسَ المدبر.
وهنا اقترح «قيس» اسمَ العملية الجديدة، قائلًا: إذن؛ فعمليتنا الآن هي البحث عن ملك التيتانور.
وفي هذه اللحظة أعلنَت إذاعةُ المقر الداخلية عن بثِّ مكالمة مفتوحة لرقم «صفر» … وبعد دقائق من الترقُّب، انطلق صوتُ رقم «صفر» يقول: لقد تركتم لي قناةَ الاشتراك مفتوحة، فحضرتُ معكم الاجتماع.
عمَّ القاعةَ جوٌّ من البهجة، وتردَّدَت بين أركانها تحياتُ الشياطين قائلين: مساء الخير يا زعيم …
رقم «صفر»: مساء الخير عليكم … لقد أعجبني جدًّا اسمُ العملية الجديدة، وأرجو أن أسمعَه من «قيس» مرة أخرى …
وهنا قال «قيس»: عملية ملك التيتانور.
رقم «صفر»: هذا هو اسم العملية الجديدة … والمطلوب البحث عن هذا الرجل … وأعتقد أن لديكم الكثيرَ من الأفكار اللامعة، والتي ستختصر طريقَ البحث عن هذا الرجل الخفي، الذي يعمل لديه رجلٌ بارع داهية مثل «البنداري»، ويتكسَّب منه أحدُ عملائه وهو «مختار العزيزي» عشراتِ الملايين … ولنا أن نتصورَ كم يربح هو إذا كان لديه أكثرُ من عميل، مثل «العزيزي».
وهنا فجَّر «عثمان» قنبلةً من العيار الثقيل، حين قال: ما رأيك يا زعيم لو أن «العزيزي» لم يُسجن؟
رقم «صفر»: كيف؟ ولماذا؟
عثمان: سأردُّ أولًا على لماذا … لقد اتفقنا على أنه دليلُنا الوحيد إلى ملك التيتانور وبقية رجال العصابة.
رقم «صفر»: ولماذا استبعدتَ «البنداري»؟
عثمان: لأن «البنداري» رجلٌ داهية ومتيقظ جدًّا، ولا يظهر بشكل منتظم … ولا يمكن رصده … هذا من ناحية … ومن ناحية أخرى؛ لأن «البنداري» كان هو قائد العربة …
رقم «صفر»: ومَن هو العربة؟
عثمان: «مختار العزيزي» … ولأن «مختار العزيزي» سيُسجن، لم يَعُد «للبنداري» دورٌ عند ملك التيتانور … وقد يتخلص منه.
رقم «صفر»: أما عن كيف لا يسجن «مختار العزيزي» فهذا في يدنا … وهنا تدخَّل «أحمد» ملفتًا النظرَ لشيء لم ينتبه له «عثمان» ولا رقم «صفر»، فقال: إذا قمنا بإطلاق سراح «مختار العزيزي» سنُثير انتباهَ ملكِ التيتانور أننا خلفه … وأننا الآن نستفيد من «العزيزي» كعميل لنا للوصول إليه … هذا إن لم يوجد مبررٌ قويٌّ وكافٍ لعدم سجنه.
ولأنه الزعيم … فقد حسب حسابَ كلِّ شيء … وأجاب على «أحمد» قائلًا: سنوجد سببًا بل أسبابًا لإطلاق سراحه، وإثبات أنه ليس القاتل …
عثمان: إذن، فهذه أولى خطوات عملية ملك التيتانور.
رقم «صفر»: هو كذلك، وفقكم الله …
مَن هو المتوَّج في عالم الجريمة كأبشعِ ملك لأبشع جريمة تُرتكَب في حقِّ وطن … إنها جريمةُ تلويث أرض هذا الوطن … ليس لقتل الحياة عليه فقط … بل وقتل إمكانية قيام حياة مرة أخرى عليه … اللهم إلا بعد مرور عشرات الأعوام حتى يزولَ أثرُ المواد المشعة …
كان هذا هو السؤال الاستفزازي الذي طرحه كمبيوتر المقر … والذي أثار مشاعرَ الشياطين جميعًا، وحثَّهم للبحث عن هذا المخلوق الذي لا يستحقُّ وصف إنسان.
وللإجابة عليه كان عليهم أولًا تبرئة ساحة «مختار العزيزي»، غير أن «بو عمير» كان له رأيٌ آخر … ورأى أن يناقشَه مع زملائه، فقال: لماذا لا نبحث عن أدلة تساعد النيابة على إثبات أن مقتلَ «كاليبو» لم يكن قرارًا انفعاليًّا … بل عمدٌ مع سبق الإصرار والترصد …
عثمان: ونذهب ﺑ «مختار العزيزي» إلى حبل المشنقة، وتنتهي العملية قبل أن تبدأ. علَّق «بو عمير» على طريقةِ تحدُّث «عثمان»، وقال مصححًا: نحن سنذهب به إلى حبل المشنقة نعم … ولكن ليس لشنقه … قاطعَه «عثمان»، قائلًا في سخرية: بل لتجربة الحبل عليه …
تدخَّل «أحمد» لتهدئةِ الموقف بقوله: أرجو ألَّا تقاطعَه يا «عثمان» … فأنا أشعر أن لديه فكرةً معقولة … تنفَّس «بو عمير» بعمق قبل أن يُكملَ كلامه، قائلًا: «العزيزي» لن يتكلَّم ولن يصرِّحَ بما لديه من أسرار إلا وهو على شفا الموت.
ريما: إنها فكرة معقولة، رغم أنها خطيرة.
أحمد: ولكنها تستحق المخاطرة.
إلهام: ويا حبَّذا لو أقنعنا «العزيزي» بأن «البنداري» باعَه عند أول اختبار.
عثمان: اتركوا هذا لي، وأنا أسمِّم أفكاره، وأجعله يتمنَّى لو عاش حتى ينتقمَ منهم جميعًا.
أحمد: إذن، تُوافقون على خطة «بو عمير» …
رشيد: نحن نوافق ولكن ليس الآن … فهذه الخطة ستستغرق وقتًا … في هذه اللحظة انطلقَت الوخزاتُ في رسغ «أحمد» تُعلنه أن هناك رسالةً في الطريق إليه …
وبضغطِ زرٍّ أسفل الشاشة … انطلق سيلٌ من الحروف يحمل مضمونَ الرسالة التي تقول إن «العزيزي» تم تهريبُه.
التفت «أحمد» إلى زملائه ووقْعُ المفاجأةِ بادٍ عليه … فاندفعَت «ريما» تسأله قائلة: هل مات «العزيزي»؟
وبنفس مشاعر الدهشة، قال: لا … بل اختُطف …
اختلطَت همهماتُ الشياطين تعبيرًا عن اندهاشهم لما حدث، وانطلق «عثمان» بعملِ حدسِه يفكِّر بصوت مسموع، قائلًا: أشعر أن ﻟ «بنداري» يدًا في اختطاف «العزيزي».
مصباح: لماذا؟
عثمان: لكي يؤمِّنَ نفسَه ويؤمِّنَ الرجل الكبير.
مصباح: هذا من ناحية …
عثمان: ليس هناك سببٌ آخر …
مصباح: بل أرى أن هناك سببًا آخرَ مهمًّا للغاية، وهو توصيل رسالة للآخرين بأن الرجل الكبير لا يترك رجالَه في أحلكِ الظروف … مرة أخرى اتصل رقم «صفر» ﺑ «أحمد» الذي تلقَّى الاتصال، قائلًا: أنا جاهز يا زعيم …
ضحك رقم «صفر» في وقار، وقال له: جاهز لماذا؟
أحمد: جاهز للبحث عن «مختار العزيزي».
رقم «صفر»: لقد غادر «العزيزي» البلاد …
أحمد: لا أفهم …
رقم «صفر»: لقد رأى رجالُ المطار رجلًا يُشبه «العزيزي» إلى حدٍّ كبيرٍ، ولكن اسمه ليس «مختار العزيزي» … بل «أحمد مندور» يغادر البلاد …