انفجارات هائلة!
كان «واو» قد أفاق من إغمائه وكذلك «ريما» … وقبل أن ينتصبَا واقفَين، كان رجال العصابة قد اشتبكوا مع «أحمد» و«عثمان» في معركة دامية، وحتى الآن لم يظهر «مختار العزيزي» … وتعجَّب «واو» لذلك … فهو لا يرى سببًا معقولًا لهذه المعركة إلا أن يكون «مختار العزيزي» قد تعرَّف على الشياطين … لكنه غير موجود، إذن، لا يتبقى إلا العجوز … فهل هو الذي سيهجم عليهم؟
ماذا قال لهم إذن؟
تكاثر الرجال حول «عثمان» و«أحمد» … ورغم أنهما لم يُقصِّرَا في التصدِّي لهم … إلا أنهما محتاجان لدعم خارجي؛ حتى يتمكَّنا من الاحتفاظ بقدر من طاقتهم يُعينهم على استكمال المهمة.
لذلك … انتفض «واو» واقفًا وتبعَتْه «إلهام» وأخيرًا «ريما»، وصنعوا مثلثًا حول دائرة الاشتباك … وانطلقوا يُطلقون أيديَهم وأرجلهم في ضربات متلاحقة موجعة لرجال العصابة، ووقع الرجال بين فكَّي تنين … وأصابهم الإجهاد من جراء الضربات التي تأتيهم من بينهم ومن خلفهم … وأخيرًا أمسك «أحمد» بأشدِّهم قوة … وقبض على رقبته بقوة، وهو يقول له: أين «العزيزي»؟
كاد الرجل يختنق، وصاح «واو» قائلًا ﻟ «أحمد»: إنه لا يعرف الإنجليزية ولن يفهمَك.
صاح «أحمد» في قوة، قائلًا: ترجم له ما أقوله …
اقترب «واو» من الرجل وترجم له سؤال «أحمد» … غير أنه لم يرَ أيَّ ردِّ فعل عليه، فقال له: يا «أحمد» هم لا يعرفونه بهذا الاسم.
فقال له «أحمد»: قل له لماذا اشتبكوا معنا؟
سمع الرجل السؤال بإنصات، ثم أجاب قائلًا، و«واو» يترجم له: لقد قال لنا عجوز الهاكا إنكم تطاردوننا.
فقال له «أحمد»: ولماذا صدقته؟
قال الرجل: ألم تدفعوا له؟
علَّق «أحمد»، قائلًا: يا لَه من شيطان ماكر …
الرجل: هل هو كاذب؟
أحمد: نعم … هل أخذ منكم نقودًا؟
الرجل: نعم.
أحمد: إذن سأُطلق سراحك على ألَّا تعودَ لمهاجمتي.
قال الرجل: أعدك بذلك؟
فردَّ «أحمد» أصابعه … وبسط قبضته عن رقبة الرجل … وقال له: أريد أن تسلِّمَني العجوز …
– الرجل، لقد عاد إلى «تسيمشاتو» …
أحمد: ونقودك.
وفي استسلام، قال الرجل: ضاعت.
أحمد: ألن تذهبَ إليه لتستردَّها؟
الرجل: لن يردَّها ولا يمكنني إيذاؤه؛ لأنه رجل كبير.
ارتاح «أحمد» لأخلاق الرجل، فأعاد عليه السؤال مرة أخرى، قائلًا: ألم ترَ «مختار العزيزي»؟
نظروا إلى «أحمد» ولم يترجم السؤال … فانفعل «أحمد»، وقال له وهو متوتر: لماذا لا تترجم له ما أقوله الآن …
ردَّ «واو» في حنق: لقد سألناه هذا السؤال من قبل، وقال لا أعرفه.
أحمد: ولكني أريد أن أسألَه مرة ثانية، هلَّا ترجمتَ ما أقوله؟
واو: كما تريد يا سيد «أحمد» …
قال هذا، ثم التفت إلى الرجل، وقال له: هل تعرف «مختار العزيزي»؟
نظر الرجل إلى «واو» غير فاهم … فعلَّق «واو» قائلًا: ألم أَقُل لك إنه لم يسمع هذا الاسم من قبل.
قال «أحمد»: دَعْه فقد فهمت.
واو: فهمت ماذا؟
أحمد: «مختار العزيزي» هنا باسم آخر … وسيعود وهو يحمل الملامح الكورية إلى مصر …
واو: هل سيُجري عملية تجميل؟
أحمد: نعم …
واو: وكيف عرفت؟
أحمد: من مجموع معطياته استنتجت أشياء كثيرة.
واو: يا لَها من عصابة خطيرة!
وهنا قال «عثمان»: علينا أن نخرج من هنا بسرعة … قبل أن يأتيَ البوليس … أو يأتيَ المزيد من الرجال. انطلق الشياطين ومعهم «واو» يغادرون سوقَ اللصوص … ثم أوقفوا تاكسيًا وطلبوا منه العودة إلى شارع كوينز رود سنترال … وعند رقم تسعة، وهو البرج الأعجوبة هناك، ترك «أحمد» «عثمان» واقفًا … واصطحب «إلهام» و«ريما»، ودخل البرج وخلفهما «واو» يسأله … ماذا تنوي يا سيد «أحمد»؟
أحمد: لقد نويت التخلص منهم …
واو: ممن يا «أحمد»؟
أحمد: من «العزيزي» ورفاقه …
واو: والرجل الكبير في مصر …
أحمد: سأبحث عنه بطريقتي … المهم الآن أن أنتهيَ من «العزيزي» وشركائه. ومن أحد معارض السيارات بالبرج، اشترى سيارة دفع رباعي كوري، وقام بفكِّ فراملها ودفعها إلى الشارع، ثم ركب فيها ونزل أكثر من مرة … وتركها بعد ذلك مفتوحة الأبواب …
وكان هناك مَن يراقبه … فقد استولى بعضُ الرجال على السيارة، وأداروا محرِّكَها وانطلقوا بها … ومن خلفهم كان «أحمد» يركب اللاندكروزر ومعه «عثمان» و«ريما» و«إلهام» و«واو»، فأين يذهبون؟!
لقد كان «مختار العزيزي» بين هؤلاء الرجال، ولم يكن «أحمد» متأكدًا … غير أنه تأكد عندما رأى قائد السيارة الكورية يحاول الدوران بها فلم يتمكن؛ لأن الفرامل لم تُسعفه … ورأى «مختار العزيزي» يُخرج وجهه من نافذة السيارة ويُلقي نظرة على الأرض … وفَهِم أنه يشكُّ في أن زيت الفرامل قد تسرَّب … كان الموقف حرجًا غايةَ الحرج ﻟ «العزيزي» ورفاقه وللشياطين أيضًا … فلو نجا «العزيزي» من مركبة الموت التي تطير به فوق سطح الأرض … فسيكون أكثر شراسة وأكثر حذرًا … وسيفسر لهم مهمَّتَهم كلَّها …
وظهرَت في سماء المنطقة طائرةٌ هليكوبتر … وألقَت بحبالها لركاب السيارة النعس وهي تسير فوقهم بنفس سرعتهم … وبعد محاولة وثانية وثالثة … تمكَّن هؤلاء الرجال من تثبيت الخطافات المثبتة في نهاية الحبل … في سقف السيارة من حافته بأعلى الأبواب … وفجأة ارتفعَت الطائرة لأعلى حاملةً السيارة وسط دهشة الشياطين … وتأكدهم من أن هذا الرجل وراءه جماعة قوية … غير أن «أحمد» استمر في السير خلف مسار الطائرة لرغبتِه في معرفة الخطوة التالية التي سيقومون بها … غير أنه تعرَّض لإطلاق نار كثيف ممن ركبوا الطائرة … فأخذ يتحرك بها في مسارات متعرجة حتى يتفادى «العزيزي» ورجاله … ولم يخرجوا من العملية حتى بمعلومة تُفيدهم.
لقد فشلوا فشلًا ذريعًا … فها هو «مختار العزيزي» يطير في الهواء راكبًا سيارة دفع رباعي، فهل يصدِّق أحدٌ هذا …
وما هو يسير تحته تمامًا دون أن يتمكن من إرغامه على النزول … يا لمرارة طعم الفشل … بينه وبين صيده أمتار قليلة ولا يمكنه الإمساك به … بينه وبين النجاح سنتيمترات ولا يمكنه تحقيقه … فهل ستحتمل أعصابه ذلك. لقد قال «واو» له: أَرْغِم هذه الطائرة على النزول … فقال له: لا يمكنني فعل هذا بمسدسي؛ فطلقة النار خطيرة … فقد تفجَّر خزان الوقود. واقترح عليه «واو» اقتراحًا آخر … غير أنه لم يسمعه … فقد شرد بعيدًا … ولمعَت عيناه … فهل توصَّل إلى حلٍّ لهذا المأزق؟ وهل وصل لعلاج لهذا الفشل؟ يبدو أنه وصل لعلاج لهذا الموقف … ولم يكن بالطبع يستطيع أن يتخذ هذا القرار وحده … فعقد اجتماعًا سريعًا مع زملائه وعرَض عليهم ما انتوى فعْلَه، فوافقوا جميعًا على أن يتمَّ هذا في مكان خلاء … وأين هذا المكان في هونج كونج التي تزدحم بالسكان بصورة مكثفة، لم يعد أمامه إلا الماء … فاتفقوا جميعًا على إبعاد الطائرة السيارة … وبدأ قائد الطائرة يجري بها مبتعدًا عنهم … غير أن ناطحات السحاب التي تزدحم بها الجزيرة … كانت تسبِّب عائقًا كبيرًا أمام حركتهم، فاضطرَّ مجبرًا للخروج بها من السهل الضيق إلى نهر إيبردين … وكان هذا ما يأمله الشياطين. فأعدُّوا بنادق القناصة … وزوَّدوها بخراطيم ذات قدرة تفجيرية عالية … ثم اتخذوا أماكنهم خلف نوافذ السيارة … وانتقل «واو» إلى عجلة القيادة … واتخذ «أحمد» موقعًا حيويًّا … حيث فتح سقف السيارة وجلس تحته رافعًا بندقيتَه لأعلى، وقد بدَت له قاعدة السيارة كاملة أمام عينيه …
غير أن هناك مَن اكتشف منهم ذلك، فأطلق رصاصة مرَّت من فتحة السقف واصطدمَت بالتابلوه … فلم يترجح «أحمد» … وصوَّب بندقيته إلى خزان الوقود وأطلق رصاصة … وسمع صليل اصطدامها بشاسيه السيارة … فعرف أنه لم يُصِب الهدف … ثم أطلق الثانية ففعلت مثل الأولى … وكاد ييأس غير أنه حبَس أنفاسَه وكثَّف تركيزه … وصوَّب ماسورة البندقية إلى خزان الوقود مرة أخرى، وأطلق خرطوشًا هذه المرة … فاصطدم بخزان الوقود فانفجر محدِثًا دويًّا شديدًا … أعقبه انفجارٌ هائل لخزان الوقود … أحدث دويًّا هائلًا في المنطقة، أعقبه انفجار خزان وقود الطائرة وتحوَّل الاثنان إلى كتلة لهب واحدة، أخذَت قطعًا قطعًا في الماء …
وبعدها انطلق «أحمد» باللاندكروزر مبتعدًا عن المكان، إلى أن اقترب من تعرفهم فوق قمة فيكتوريا، فوقف يكتب رسالة على شاشة ساعته تقول: «تم التخلص من كلِّ الثعالب دفعة واحدة.»
فردَّ عليه رقم «صفر»، قائلًا: تهنئتي لكم، وأرجو الاستعداد للمغامرة الجديدة.