في التعريف بالإنسان
يسلم أكثر المثقفين اليوم بصحة التعريف الشائع بأن الإنسان حيوان عاقل، وقد يتوهم البعض بسبب ذلك أن القول بوجود ناحية حيوانية — فعلية لا مجاز به — في طبيعة الإنسان كان قولًا يحظى دائمًا بمثل ما له الآن من قبول، ولكن الدافع كان غير ذلك، إذ إنه كان أول ما قيل به مفاجأة غير سارة، بل إنه عُدَّ تُهمة جارحة عند أكثر الناس في الماضي، وقد يكون ما زال غير مُستساغ لدى البعض من معاصرينا، وعلى كل حال فإن الاقتناع بهذا القول لم يتم إلا بعد أن تعرض الجسم البشري لدراسات تشريحية وفسيولوجية مستفيضة، وبعد أن عُقدت المقارنات التفصيلية بين أنسجته وأعضائه وأجهزته وبين ما يقابل كُلًّا منها في أجسام الكثير من الحيوانات الأخرى، فكشف ذلك كله عن وحدة تامة في النظام العام الذي يقوم عليه بناء جميع هذه الأجسام بما فيها جسم الإنسان؛ ولذلك أصبح لا مناص من اعتبار الإنسان حيوانًا تجوز دراسته كما يُدرس أي حيوان آخر.
ولما كانت الوحدة الأساسية في علم الأحياء (البيولوجيا) هي النوع وليست الفرد، كان من الضروري لدراسة الإنسان في ضوء هذا الاعتبار الجديد أن يتقرر أوَّلًا هل هو نوع واحد أو أكثر من نوع؟ ويُعرف النوع بيولوجيًّا بأنه مجموعة كبيرة من الأفراد الذين لا يتباينون فيما بينهم إلا على مدًى ضيق، وعندما يتزاوجون بعضهم مع بعض يكون التزاوج خصبًا دائمًا، بتطبيق هذا التعريف على الإنسان نجد أن التباين بين أفراده لا يعدو أن يكون في تفاصيل دقيقة، وإن التزاوج بينهم يكون دائمًا خصبًا مهما كان الاختلاف بينهم في اللون مثلًا أو في المواطن؛ لهذا ينبغي أن يُعتبر الإنسان وحدة بيولوجية، أي نوعًا حيوانيًّا بالمعنى المقبول.
- عالم الحيوان: يضم جميع الأنواع الحيوانية، ويُقسَّم إلى قسمين كبيرين: اللا فِقْريات، والفِقْريات ومنها الإنسان.
- قسم الفِقْريات: وتتميز أنواعه بوجود عمود فِقْري في محور الجسم، وهو ينقسم إلى خمسة طوائف، هي: الأسماك، والبرمائيات (كالضفادع)، والزواحف، والطير، والثدييات.
- طائفة الثدييات: وكل الأنواع من هذا الصنف تتميز بوجود الشعر، وبأن الأم ترضع وليدها، ويشمل هذا الصنف اثنتي عشرة رتبة، هي: ذوات المخرج الواحد، حيث يختلط البراز والبول قبل الطرد من الجسم، وأنواعها قليلة منها خلد الماء، وكلها تسكن أستراليا والجزر المجاورة، وذوات الجيب، حيث تحفظ الأم وليدها في جيب على البطن لمدة أيام بعد ولادته، ومن هذه الرتبة الكانجارو، وكلها تعيش في أستراليا أيضًا، ورتبة الحيتان، وهي تعيش في المياه القطبية، وعرائس البحر وهي تعيش في مياه المحيطين الهادي والأطلسي، ورتبة ذات الخرطوم كالفيل، وهي تعيش في غابات أفريقيا وآسيا، وذوات الظَّلْف والحافر مثل الجمل والحصان والبقر، ورتبة آكلة اللحوم كالسبع والكلب، وآكلة الحشرات كالقُنْفُذ، ورتبة عديمة الأسنان كآكل النمل، وهي تعيش في أمريكا، والقوارض كالأرنب والفأر، ثمَّ رتبة الوطاويط، وهي ثدييات طائرة، وأخيرًا رتبة الثدييات الرئيسية، وهي تشمل النوع البشري.
- رتبة الثدييات الرئيسية: وتتميز أنواعها بكبر الدماغ (المخ والمخيخ معًا)، وبوجود الأظافر بدلًا من المخالب على بعض أو كل الأصابع في اليدين أو القدمين، وبانحسار البوز نسبيًّا، وباتجاه العينين إلى الأمام بحيث تستطيعان رؤية الشيء الواحد معًا في وقت واحد، وبالاقتصار على ثديين اثنين، وكذلك بأن الذراع والرجل مهيأتان تشريحيًّا لتسلق الأشجار؛ ولذلك تعيش كلها في الغابات، وتُقسَّم هذه الرتبة إلى فصائل، منها فصائل أشباه القردة كالسنجاب الشجري والليمور والتارسيس، وكلها تعيش إمَّا في مدغشقر وإمَّا في جنوب شرقي آسيا والجزر المجاورة، وتضم هذه الرتبة أيضًا فصائل القردة، ويعيش بعضها في نصف الكرة الغربي وبعضها في نصف الكرة الشرقي، وأخيرًا تضم هذه الرتبة فصيلة أشباه البشر، ومنها النوع البشري.
- فصيلة أشباه البشر: ويدلُّ اسمها على شدة مشابهة أنواعها للإنسان، فكلها لا ذيل لها، وكلها تستطيع الوقوف والمشي على قدمين، وتستطيع تمييز الألوان، والأنثى من هذه الفصيلة قابلة للحمل في أي وقت من السنة، لا في مواسم معينة فقط، وكلها تشترك مع الإنسان في وجود مجموعات دموية معينة، وفي قبول العدوى بأمراض وطفيليات لا تُصيب الحيوانات الأخرى، وتضم هذه الفصيلة خمسة أجناس، هي: الجوريلا، والشمبانزي، ويعيش كلاهما في أفريقيا، ثمَّ الأورانج والجيبون، ويعيشان في جنوب شرقي آسيا وإندونيسيا، وتضم هذه الفصيلة أخيرًا الجنس البشري.
- الجنس البشري: ويتميز بالعقل الصانع، وهو يضمُّ عددًا من الأنواع انقرضت كلها فيما عدا النوع البشري الحديث، ألا وهو الإنسان ذو العقل المبدع الذي نعرفه في أنفسنا، والذي نقصده عند استعمال كلمة الإنسان في أحاديثنا العادية.
وعلى هذه الصورة نكون قد عيَّنا مكان الإنسان من نظام التصنيف الحيواني، فهو نوع وجنس في نفس الوقت، وهو من فصيلة أشباه البشر، من الرتبة الرئيسية، في صنف الثدييات، من فرع الفِقْريات، في عالم الحيوان، وإنما يلزم بعد هذا أن نعين لهذا النوع خصائصه البدنية التي تميزه عن أي نوع آخر، والسبيل إلى هذا هو المقارنة بين الإنسان وأقرب الحيوانات إليه وضعًا في النظام السابق، ألا وهي جماعة من أشباه البشر، وهذا ما نقدمه في الفصل التالي.