سكان مصر والنُّوبة
تُشتهر مصر إن لم نقل تنفرد في العالمين بتراث لا مثيل له من الآثار القديمة الفاخرة، فأهرامها ومعابدها قامت مع التاريخ منذ مولده، ولا تزال باقية راسخة تشهد لبناتها بالبراعة وحسن الصناعة، وكتاباتها تروي أخبار أهلها عصرًا بعد عصر، وكنوزها الباهرة تتحدث عن البذخ والثراء، وعمَّا كان عليه أصحابها من فطنة وذكاء، ولقد كانت مومياتها — على كره من أصحابها — حديث عجب من الناس في كل حين، ولقد ساعد جفاف جو البلاد وطبيعة أرضها الرملية على حفظ تلك الآثار في حالة صالحة مكَّنت علماء الآثار والباحثين من كتابة تاريخ مصر متصلًا على مدًى من الزمن أربى على خمسة آلاف من السنين.
ولم يقتصر امتياز مصر في هذا الشأن على العصور التاريخية وحدها، أي منذ عرفت الكتابة فقط، بل إن كثيرًا من الحقائق أصبح معروفًا عن أحوال سكانها في بضعة آلاف من السنين سبقت عصر التاريخ المكتوب، وهذا بفضل ما كشفت عنه الحفائر العديدة من آثار إن هي لم تبلغ من الروعة والغنى ما بلغته الآثار المشهورة التي تلتها في الزمن، فإنها لا تقل عنها دلالةً وقيمةً علميةً، فقد أثبتت هذه الآثار مثلًا أن هؤلاء المصريين الأوائل كانوا قد احترفوا الزراعة واستأنسوا الحيوان وأنشئوا القرى على ضفاف النيل منذ سبعة آلاف من السنين أو يزيد.
وإلى جانب الآثار المصنوعة فقد كشفت الحفائر في مصر عن البقايا التشريحية لأشخاص أصحابها الحقيقيين ممن صنعوها واستعملوها أو بنوها وسكنوها عندما كانوا أحياء، أو دُفنوا فيها بعد موتهم، ولقد تجمَّعت من هذه البقايا في مصر كما لم يتجمَّع في بلد آخر سلسلة متصلة الحلقات تمثل أهلها منذ نحو ثمانية آلاف سنة حتى الآن.
- (١)
عصر ما قبل الأسرات، ويُقسَّم إلى قديم ومتوسط ومتأخر.
- (٢)
عصر الأسرات، ويُقدَّر أنه بدأ حوالي ٣٥٠٠ق.م، وهو يقسم إلى دولة قديمة ودولة وسطى ودولة حديثة، وقد انتهى هذا العصر من تاريخ مصر بالغزو الفارسي عام ٥٢٥ق.م.
- (٣)
عصر البطالسة، وقد بدأ في ٣٣٢ق.م، واستمر حتى الغزو الروماني في عام ٣٠ق.م.
- (٤)
عصر الرومان، وقد استمر إلى الفتح الإسلامي في القرن السابع بعد الميلاد.
ولقد بلغت الدقة في تاريخ الآثار المصرية مبلغًا لم يتهيأ لتاريخ أي بلد آخر، حتى إنه لمن أعز ما يتمناه عالم الآثار الذي يُنقب في بلد آخر كالعراق أو الشام أو كريت مثلًا أن يعثر في حفائره على بعض الآثار المصرية ليعتمد عليها في التأريخ لآثار ذلك البلد.
ولقد كان البحث المنظم عن الآثار المصرية القديمة منحصرًا أول الأمر في ذلك الجزء من وادي النيل الممتد من الجيزة عند رأس الدلتا إلى مدينة أسوان عند الشلال الأول، وكان ذلك لأسباب؛ منها أوَّلًا أن لصوص الآثار كانوا يحصلون على غنائمهم من هذه المناطق، وبذلك وجَّهوا الأنظار إلى أكثر المواضع احتمالًا للعثور على آثار ذات قيمة، وثانيًا لأن أغلب الآثار المصرية القديمة وُجد في مقابر أو معابد كان أصحابها يقيمونها عمدًا على حافة الصحراء بأطراف الأرض الزراعية، حيث لم يكن الوادي كثير الاتِّساع، وكان هذا مما ساعد على حفظ المباني وحفظ محتوياتها من الفساد بعكس الحال في الدلتا الواسعة مثلًا، فقد كانت أوَّلًا فيما قبل عصر الأسرات أرض مستنقعات، ثمَّ أصبحت أرضًا زراعيةً تغمرها مياه الري وقتًا طويلًا كل عام، وكلا الحالين في غير صالح المباني والآثار.
وبعد هذه المقدمة التاريخية ننتقل إلى تقديم ما أسفرت عنه دراسة البقايا البشرية ذاتها، تلك البقايا التي احتفظت لنا بها التربة المصرية لنكون على بينة أتم بما وراء الصور الأنيقة وتحت ما تبديه التماثيل الدقيقة التي صوَّر ومثَّل فيها المصريون القدماء أشخاصهم من جميع الطبقات، ومن جميع الحرف أثناء حياتهم اليومية، سواء كانوا في عمل أو في لهو.
- (١)
أن العظام المفحوصة كثيرًا ما كانت مجهولة التاريخ والمصدر.
- (٢)
أن بعض المسائل الرئيسية في علم الأنثروبولوجيا كان موضع جدل ولا سبيل إلى ترجيح رأي على رأي إلا بالخبرة، ومن هذا تعريف الشعب وتصنيف الشعوب ونتائج اختلاط بعضها ببعض مثلًا.
- (٣)
الخلط بين الحضارة والبيولوجيا، فمثلًا نسب كل تغيير في الصناعة إلى تغيير في تكوين الشعب، ومثلًا آخر ما قيل عن أصل المصريين اعتمادًا على بعض المظاهر الحضارية، فقد قيل عنهم إنه يدخل في تكوينهم عناصر ليبية وقوقازية وعربية وزنجية وبوشمان ومغول وهنود وحاميون وساميون، وحتى الهنود الحمر جاء ذكرهم في هذا الصدد.
ولسنا هنا بسبيل مناقشة جميع ما تحويه المراجع من أمثال تلك المزاعم غير المعقولة، فذلك شيء يطول، ويكفي أن نذكر أن العلماء سبقونا في الكشف عما فيهم من وهم وخطل في الرأي، وسنقتصر نحن على تقديم أحدث الآراء في الموضوع، وعلى مناقشة البعض فقط مما يحوم حول بعض مسائله من جدل.
ولما كان من الطبيعي أن نتبع الترتيب الزمني في عرض طبقات سكان مصر القدماء، فإننا نبدأ بالكلام عن أقدم البقايا، أي التي تُنسب إلى عهد ما قبل الأسرات، وقد عُثر على معظم هذه البقايا في صعيد مصر ابتداءً من مديرية المنيا، ثمَّ ما يليها جنوبًا حتى الشلال الثاني، ويدل فحص البقايا على أن سكان هذا الجزء من وادي النيل لذلك العهد كانوا شعبًا واحدًا خالصًا غير مخلوط، وبقدر ما يمكن استخلاصه من فحص العظام فإن الصفات التشريحية لهذا الشعب تتفق مع الصفات التي تميز الشعب الأسمر الذي سبق ذكره كواحد من فروع الشعب القوقازي على حسب التصنيف الحديث الذي اخترناه، فقد كان أولئك القدامى متوسطي القامة (الذكور نحو ١٦٨سم والإناث نحو ١٥٥سم)، وكانوا رقيقي البنية، وكان الرأس مستطيلًا (المعامل من ٧٢ إلى ٧٥)، وكان الأنف ضيِّقًا غير أقنى، ولكنه لم يكن أفطس، ويظهر من الجثث القليلة التي بقيت منذ العهد سالمة من الانحلال بفضل الطبيعة وحدها بدون صناعة؛ أن انتشار الشعر على الجسم كان خفيفًا على نحو ما نرى اليوم في أبناء الصعيد وأهل البادية، وفي الواقع أن أقرب الناس هيئةً في الوقت الحاضر إلى الصورة الحية التي تقوم بذهن المطلع بعد دراسة البقايا هم أهل البادية وأهل بلاد النُّوبة، سواء من كان منهم في مصر ومن كان في السودان.
غير معروف من أين جاء هؤلاء القوم (المصريون من عهد ما قبل الأسرات)، ولكن يوجد على الأقل بعض الدليل على أنهم ربما كانوا من سلالة قوم سكنوا ما يُسمَّى الآن بالصحراء الشرقية في وقت كان فيه المطر من الغزارة بحيث أنبت من المرعى ما يكفي أغنام وماعز قوم رعاة، ولدينا دليل قاطع على سيادة مثل هذه الأحوال الجوية هناك، فالخيران العديدة في الصحراء الشرقية تشهد بكميات المياه التي كانت تسيل من هضاب البحر الأحمر إلى وادي النيل الحالي في وقت سبق وجود النهر، فإن هيوم وكريج يريان أن عمر النهر لا يزيد عن ١٤٠٠٠ سنة، وأن الأدوات الحجرية الوافرة القدر التي يُعثر عليها في الصحراء لتشير إلى أنه في الماضي كان يعمر البلاد قوم أكبر عددًا من قبائل الأعراب المتناثرة التي تسكنها الآن، ومما يجدر ذكره بهذا الصدد أنه في أثناء مسحه للصحراء وعلى خمسة أميال فقط من ساحل مصر على البحر الأحمر عُرض على المستر جورج مري قبرٌ انتهك حديثًا، فأخذ منه لوحًا من الأَرْدُواز عليه بقع من الملاشيت الأخضر وأجزاء من قدر فخارية أرخ الأستاذ ريزنر نوعها على أنه ليس أحدث من الأسرة الأولى (المصرية)، وليس أسبق من عهد ما قبل الأسرات المتأخر … ولقد أحضر معه الجمجمة التي فحصتها وأخذت مقاييسها (أي الأستاذ دري). ومما يؤسف له أن جميع عظام الوجه كانت مفقودة، ولكن على قدر ما سمحت به دراسة مظاهر الجمجمة، فهي تتفق تمامًا مع مظاهر المصريين في عصر ما قبل الأسرات»، ونحن نقدم هذه الآراء لإطلاع القراء دون تعليق.
هذا ما كان من شأن سكان مصر العليا الأوائل في عهد ما قبل الأسرات، وأمَّا عن سكان البلاد لهذا العهد فيما يقع إلى الشمال من المنيا فلم يُعثر على بقايا تشريحية لهم بالقدر الكافي وبالصلاحية اللازمة للدراسة المجدية، فقد وجدت مقابر من هذا العصر في طرة وفي مرمدة بني سلامة وفي المعادي وفي عين شمس، ولكن حالة ما كان بها من بقايا لم تكن تسمح بمعرفة أصحابها معرفة تفيد في المقارنة بينهم وبين غيرهم؛ ولذلك لا يمكن الجزم بأنهم كانوا من نوع معاصريهم في الجنوب أو لم يكونوا.
- فالظاهرة الأولى: هي بدء ظهور الحضارة المصرية ذات الصيت الذائع والتي كان من أبرز معالمها رقي فن المعمار إلى درجة خارقة في ذلك الوقت على نحو ما يتجلى فيما شيده المصريون آنذاك من مبانٍ ضخمة من الطوب الأخضر أوَّلًا في عهد الأسرة الأولى، كما تبين حديثًا من بعض الحفائر في سقارة، ثمَّ من الحجر في عهد الأسرة الثانية كما تبين من حفائر حلوان، ولقد بلغ الفن أعلى مراتبه في بناء الأهرام في عهد الأسرة الثالثة وما بعدها إلى نهاية الدولة القديمة حوالي ٢٥٠٠ق.م.
- وأمَّا الظاهرة الثانية: فهي ما لُوحظ من فروق تشريحية بين بقايا الدولة القديمة في الشمال وبقايا معاصريهم من أهل الجنوب الذين لم يتغيروا تغيُّرًا محسوسًا عن أسلافهم في عصور ما قبل الأسرات، فقد كان أهل الشمال أقوى بنية ورءوسهم أعرض (تراوح المعامل الرأسي بين ٧٤ و٧٧)، وأنوفهم أكثر ارتفاعًا، ووجوههم على العموم مربعة الشكل، ولقد كانت هذه السَّحْنة أصرح ما تكون في بقايا الملوك وبقايا أصحاب المقابر الكبيرة الغنية، مما دعا إلى الظن أول الأمر أنها خاصة بطبقة الحكام وحدهم.
وفي سبيل تعليل الفرق في السَّحْنة بين كبراء مصر الوسطى في عهد الأسرات وبين عامة الشعب في مصر العليا ظُن في ذلك الوقت (١٩٠٥) أن طبقة الحكام إمَّا أن تكون من سلالة أسرة واحدة كان أفرادها يتزاوجون فيما بينهم ولا يسمحون لغريب عنهم بالدخول بينهم، وإمَّا أنها جماعة من الأجانب عن البلاد استولوا على الحكم فيها عنوة.
وبقي الأمر هكذا حتى أخذت بعثة آثار النُّوبة الأولى في القيام بمهمتها، فعثرت في عام ١٩٠٨ بالقرب من مدينة الشلال على جبانة من العهد المسيحي، كان بين المدفونين فيها بعض الأشخاص قرر المختصون أنهم أجانب عن البلاد، وقد رأى الأستاذ أليوت سميث — وكان هو المسئول في البعثة عن الدراسات الأنثروبولوجية — أن هناك بعض التشابه بين هؤلاء الأجانب الذين دُفنوا في بلاد النُّوبة ما بين القرنين الرابع والسابع بعد الميلاد وبين حكام مصر الوسطى على عهد الدولة القديمة، فيما بين ثلاثين وخمسة وعشرين قرنًا قبل الميلاد، وعندئذٍ أعاد أليوت سميث النظر في الموقف الأنثروبولوجي كله بالنسبة لمصر، وقرر (١٩١١) أنه كان يعثر في كل مجموعة من البقايا استُخرجت من أرض مصر الوسطى على «نسبة كبيرة وخاصة من بقايا النساء تشبه إلى حد كبير بقايا شعب مصر العليا. ولكن هناك قليل وسمهم في مذكراتي بأنهم أجانب وعدد لا يُستهان به ممن كانت رءوسهم أكبر، وخاصة أعرض، وملامحهم أدق، وهياكلهم على العموم أشد»، فلما «أخذ في فحص البقايا الخاصة بالأجانب الذين عثر عليهم بالقرب من الشلال الأول ومقارنتهم بمجموعات أخرى من مصر وغيرها تكشفت له (أليوت سميث) دلائل تثبت أنه حقًّا تُوجد في بقايا قدماء المصريين بعض الصفات البدنية الغريبة تمامًا عن مصر»، وفي سبيل البحث عن مصدر تلك الصفات البدنية التي يحملها المصريون وهي غريبة عن مصر، اقترح الأستاذ أليوت سميث أنه في بلدٍ ما غير مصر (سوريا) حدث اختلاط بين نوع عربي مفروض فيه أنه يشبه سكان مصر العليا في عهد ما قبل الأسرات وبين نوع أو نوعين آخرين، وبعد هذا الاختلاط في الخارج وفد نتاجه إلى مصر، وما لم يُذكر هذا دائمًا، أي «احتمال حدوث اختلاط الشعب على عهد مطلع الأسرات المصرية في بلد أجنبي هو سوريا»، فإن الخصائص البدنية لأولئك الناس الذين دُفنوا في جبانة الجيزة وغيرها من جبانات ممفيس لا بدَّ تبدو محيرة إن لم تكن متناقضة، فإن العظام تكشف عن مزيج غريب من الملامح، فمنها ما تعودنا اعتباره مصريًّا، ومنها ما هو ولا شك أجنبي، ربما يمثل نوعين مختلفين.
ولقد تناول المؤلف آراء الأستاذ أليوت سميث بالنقد والمناقشة، لا منطقيًّا فقط، فإن كثرة ما بها من فروضٍ أوضح من أن تحتاج إلى تعليق، بل إنه حلل جميع الأرقام التي دوَّنها الأستاذ الكبير نفسه تحليلًا إحصائيًّا مُفصَّلًا أدى به (أي المؤلف) إلى النتائج الآتية التي سجَّلها في رسالته (١٩٤٠) المشار إليها في ذيل صفحة ١٠٧، فقال: «اعتمادًا على ما لدينا من معلومات محدودة لا يسعنا إلا أن نقرر أن مجموعة الجيزة لعهد الدولة القديمة كانت تمثل شعبًا خالصًا، ولا داعي للزعم بأن فيها شذوذًا يرجع إلى أصل غريب، وأنه لمما يتفق وما لدينا من أدلة أن نقرر أن سكان مصر الوسطى لذلك العهد كانوا مصريين خُلَّصًا، أي نبتوا في هذه البلاد، ويقع عبء إثبات العكس على كاهل من يدَّعون أن هؤلاء المصريين كانوا خليطًا أو أنهم غرباء، وإنها لظاهرة تستلفت النظر في المراجع المتعلقة بهذا الموضوع أن معظم الباحثين يستطيعون التفكير في موطن لقدماء المصريين وحضارتهم في جميع أركان الدنيا ما عدا مصر.»
ونحن ما كُنَّا لنعرض آراء الأستاذ أليوت سميث ونناقشها بهذا القدر من التطويل، وهي على هذا القدر من القِدَم لولا أن الأستاذ «دري» عاد في أواخر ١٩٥٦ إلى تناول الموضوع في مقاله الذي سبق لنا ذكره، والأستاذ دري زامل الأستاذ أليوت سميث في دراساته من ١٩٠٥ إلى ١٩١١، ثمَّ إنه شغل كرسي التشريح في كلية طب قصر العيني من ١٩٢٠ إلى ١٩٥٢، وكان هو المختص بدراسة الأنثروبولوجيا المصرية معظم هذا الوقت؛ ولذلك فهو ذو رأي مسموع في الأوساط العلمية الخارجية، وخاصة البريطانية.
يقول الأستاذ «دري» في مقاله بعد أن أشار إلى حفائر الجيزة وحفائر النُّوبة: «إنه لم يكن حتى عام ١٩٠٩ … أن وقعنا على الكشف غير المنتظر، وهو أن بناة الأهرام كانوا شعبًا يختلف عن القوم الذين كان من المفروض أنهم خلفاؤهم (يقصد أن بناة الأهرام يختلفون عن سكان مصر العليا)، وأنه لما سُئل عن مصدر بناة الأهرام كان جوابه أنهم قطعًا لم يجيئوا من الجنوب؛ لأنهم كانوا أبعد ما يكونون عن أي عنصر زنجي، ومن غير المحتمل أن يكونوا قد دخلوا مصر من الغرب لما في اجتياز الصحراء من عقبات، ولأن قومًا مثلهم لم يُعرفوا إلى الغرب من مصر، ولو أنهم جاءوا من الشمال لكان ذلك عن طريق البحر، ولوُجد لهم أثر في الدلتا، أو إن كانت الدلتا في ذلك الوقت غير صالحة لطبيعتها المستنقعية لكان مجيئهم عن أحد جانبيها، ولكن أثرًا لهم لم يُوجد هناك أيضًا ولا يبقى لنا إلا الشرق كأكثر المناطق احتمالًا ليكون مصدر غزو، ويختم الأستاذ دري مقاله بقوله: «لا يمكن بحال من الأحوال أن نعتبرهم (بناة الأهرام وسكان مصر العليا) شعبًا واحدًا، وهذا يوحي أيضًا بوجود شعب غالب قد يكون أقل عددًا، ولكنه يفوق السكان الأصليين كثيرًا في الذكاء، شعب جلب إلى مصر معرفة البناء بالحجر ومعرفة النحت والتصوير، وفوق كل شيء جلب الكتابة، ومن هنا كانت القفزة الهائلة من حضارة المصريين لعهد ما قبل الأسرات إلى حضارتهم على عهد الدولة القديمة.»
وكانت مناقشة الأستاذ دري التي بنى عليها كل آرائه في هذا الشأن لا تستند إلا إلى زيادة عرض الجمجمة وارتفاعها عند بناة الأهرام عنها عند جيرانهم الجنوبيين، وعلى هذا الأساس الواهن بنى كل استنتاجاته، فهو يستنتج أوَّلًا أن أكبر هذين القطرين من أقطار الجمجمة يعني زيادة حجمها، وبالتالي زيادة حجم الدماغ، وبناءً عليه تعني زيادة الذكاء، ونحن نسلم بكبر حجم الجمجمة وبالتالي الدماغ عند بناة الأهرام بالنسبة لهما عند معاصريهم من سكان مصر العليا، ولكن ما لحجم الدماغ وشكله وما للذكاء، ولقد ناقشنا هذا الموضوع بما فيه الكفاية في فصل سابق، ثمَّ إذا كان لحجم الدماغ شأن بالذكاء فلماذا لا يكون كبيرًا في مصر نفسها وعليه أن يأتي إليها من الشرق؟ ألسنا نعرف شعوبًا مختلفة في شكل الدماغ وحجمه تسكن مواطن متلاصقة؟ ألا يعيش الشعب الألبي إلى جانب الشعبين النوردي والأسمر؟ وهل لا يسكن الشعب الأسمر إلى جانب الشعب المغولي الأصفر؟
ثمَّ هل كان الفرق بين شعبي مصر القديمين يساوي الفرق بين أي شعبين ممن ذكرنا؟ نظن أن الأستاذ دري بالغ في تقدير هذا الفرق، فالكل يُسلِّم بأن بينهما فرقًا تدركه العين المجردة في أحيان كثيرة، ولكننا نحن لا نرى فيه أكثر من الفرق بين أهل الصعيد وأهل الدلتا في الوقت الحاضر، وقد سبق أن رأينا أن الأستاذ أليوت سميث اضطُر إلى تعليل هذا الفرق تعليلًا مُعقَّدًا؛ وذلك لضآلته، فقد نسبه إلى اختلاط شعبين أو ثلاثة، ثمَّ لم يجد بين يديه من المادة ما يقيم عليه هذا الفرض فلجأ إلى فرض آخر، وهو أن الاختلاط حدث في أرض غريبة عن مصر، ثمَّ إن الأستاذ سميث نفسه لم يقر الفصل تمامًا بين الشعبين، بل رأى قرب التشابه بينهما وبين سكان بلاد النُّوبة ما جعله يقرر «أن المعرفة الجديدة المستخلصة من جبانات بلاد النُّوبة قد أوضحت بجلاء أنه في الألف الرابع من سني ما قبل الميلاد قد كان هناك سلسلة من الأقوام تربط بينهم صلة الرحم، منتثرين على نهر النيل كانتثار حبات العقد على خيط، وقد امتد انتشارهم جنوبي مصر حتى بلغ بلاد الزنج.»
وفي باب الرد على الأستاذ دري وعلى من يتمسك مثله بهذا الرأي القديم نذكر رأي بريطاني آخر هو الدكتور مورانت، وهو الذي قام بمقارنة جميع البقايا البشرية القديمة التي عُثر عليها بمصر إلى وقت دراسته التي اتَّبع فيها الطريقة الإحصائية وحدها، ولم يعتمد إلا على الأرقام، ولقد انتهى الدكتور مورانت (١٩٢٥) من دراسته إلى ما يأتي: «إن هذين النوعين (شعبي مصر) يمثلان طرفي الشعب المصري الخالص الذي قطن البلاد من أول عصر ما قبل الأسرات حتى عصر البطالسة، وطبيعة الصلات بينهما هي بصفة عامة من نفس النوع الذي يربط بين شعبين متقاربين ومتجاورين ومتعاصرين … وكأمثلة على الأنواع البشرية التي لا تتأثر مُطلَقًا لعدة آلاف من السنين بأي تأثير غريب على البلاد، فإن قدماء المصريين قد لا يكون لهم نظير في تاريخ العالم.»
فلِمَ إذًا لم يناقش الأستاذ دري آراء الدكتور مورانت وآراء البطراوي، وكلها معروف له بلا شك، ما دام هو يرغب في الاحتفاظ برأيه المبني على أقل ما يمكن من الحقائق التي لم تكن مجهولة من أحدهما؟ ولِمَ يُفضِّل أن يستند إلى آراء عالم أثري له كل العذر إذا لم يكن قد اطَّلع على آراء مورانت أو آراء البطراوي؟ ومع كل، فماذا قال الأثري وهو المرحوم المستر أنجلباك الذي كان أمينًا للمتحف المصري؟ قال: «إن الزعم بمجيء شعب الأسرات من خارج مصر لا يمكن إثباته حتى الآن … ولكن احتمال حدوثه يبلغ من القوة إلى حد أن يجعله أكيدًا، فبمجرد افتراض أن شعبًا نشطًا من المحاربين احتل مصر الذائعة الصيت بسبب خصبها فإن كثيرًا ما يمكن إثباته من الأحداث اللاحقة كبيرها وصغيرها يحتل مكانه بطريقة تكاد تكون آلية»، وهذا كلام يختلف عن كلام الأستاذ دري من حيث قوة الحجة، ولا يحتاج مِنَّا إلى تعليق جديد.
وبعد مناقشة هذه الآراء القديمة التي دفعنا إليها مقال الأستاذ دري المنشور في هذه الأيام بالذات، وخشية مما قد يحييه من موات الفكرة التي كانت تزعم لبناة الحضارة المصرية وطنًا آخر غير مصر، فمن الواضح أن الجواب الصحيح على التساؤل موضوع المناقشة لن يكون إلا بعد معرفة ما يكفي عن سكان المنطقة لعهد ما قبل الأسرات، ولكن إلى حين نشر مورانت مقاله في عام ١٩٢٥ لم يكن قد عثر على أية بقايا بشرية من هذا العهد؛ ولذلك ربما كان للحدس والتخمين حينذاك بعض ما يبرره، ولكن عندما كتب المؤلف رسالته في عام ١٩٤٠ كان قد عُثر على بعض البقايا المرتقبة في مرمدة بني سلامة بالقرب من الخطاطبة، ولكنها كانت في حالة سيئة من الحفظ، وكل ما استطاع الأستاذ دري أن يقوله عنها بعد فحصها هو: «ليس هناك أي أثر لطابع زنجي، وكانت الجماجم أكبر من جماجم المصريين لعهد ما قبل الأسرات (يعني طبعًا سكان الجنوب).» وإن كان لهذا التقرير المقتضب أية قيمة فهو يوحي بأن هؤلاء القدامى قد يكونون من نوع خلفهم في عهد الأسرات، وبعد عام ١٩٤٠ عُثر في عين شمس وفي المعادي (في موضعين) على بقايا من عهد ما قبل الأسرات، ولكن مع الأسف لم تكن في حالة صالحة أبدًا لمعرفة شيء جازم عن أصحابها؛ ولذلك لا يسع الباحث المنصف إلا أن ينتظر ويأمل اكتشاف البقايا التي تكون في حالة أصلح.
والآن بعد استبعاد تلك الآراء القائمة على المغالاة في الخيال ولا نقول التحيز في استقراء الحقائق عند البحث عن أصول قدماء المصريين في الأزمان السحيقة، الآن فلنعد إلى الكلام عن قدماء المصريين كما نعرفهم من بقاياهم الفعلية، وسنقتصر على ذكر الحقائق وما بُنيَ عليها وحدها من نتائج، سنذكرها عارية عن أي تعليل لأن هذا من شأن المؤرخين.
سكن مصر في عصر ما قبل الأسرات شعبان (وكلمة شعب تُستعمل هنا بمعناها الضيق تيسيرًا للتعبير)، كان أحدهما ولنسمِّه شعب الشمال مركَّزًا في مصر الوسطى ما بين رأس الدلتا ومديرية الفيوم، والآخر ولنسمِّه شعب الجنوب كان منتشرًا على وادي النيل فيما بين مديرية المنيا والشلال الثاني قُرب مدينة حلفا، وربما أيضًا إلى ما يليها جنوبًا، ويظهر أن هذين الشعبين كانا لهذا العهد منعزلين أحدهما عن الآخر، واستمرا كذلك حتى مطلع عصر الأسرات حين أخذ شعب الشمال يتسرَّب في أعدا قليلة وُجدت بقاياها لعهد الأسرة الأولى في أبيدوس، واستمرت هذه العزلة بين الشعبين (العزلة البيولوجية لا الاجتماعية والسياسية) حتى عهد الدولة الوسطى حين دخل طيبة ودُفن فيها على أيام منتوحتب الثاني بعض أهل الشمال في أعداد قليلة كذلك، وفي نفس هذا الوقت كان يتسرب إلى بلاد النُّوبة من الجنوب عنصر زنجي عريض الأنف كان بين النساء أغلب، واستمر الحال على هذا المنوال إلى زمن الدولة الحديثة، فانتشر شعب الشمال جنوبًا حتى بلدة دندرة، ولم يكن هذا الانتشار على صورة حلول شعب محل شعب، وإنما يظهر أنه كان انتشارًا سلميًّا أدى إلى اختلاط الشعبين اختلاطًا متينًا نتج عنه تغير تدريجي في الصفات التشريحية، فأصبح سكان مصر العليا وسطًا في الهيئة بين طابع شعب الشمال وطابع شعب الجنوب. وأمَّا إلى الجنوب من دندرة فقد انحسر التأثير الزنجي أثناء الدولة الحديثة عن أهل النُّوبة، وعادت السَّحْنة الأصلية مرة أخرى إلى التغلب.
ولقد استمر السكان إلى الشمال من الشلال الأول تغلب عليهم هيئة شعب الشمال المعدلة حتى آخر العهد الروماني من تاريخ مصر، وأمَّا إلى الجنوب من الشلال الأول فيظهر أن البلاد تعرضت لأحداث كان لها أثر واضح في تكوين السكان، فعلى عهد البطالسة — أي في القرنين الأول والثاني قبل الميلاد — وقعت بلاد النُّوبة تحت تأثير دولة مروى بالسودان، وظهر على السكان طابع زنجي واضح لا سيَّما بين النساء (مرة أخرى)، واستمر هذا الطابع سائدًا هناك إلى آخر العهد الروماني.
وفي أواخر هذه الحقبة من التاريخ — أي فيما القرنين الرابع والسابع بعد الميلاد — حكم بلاد النُّوبة جماعة ليسوا من أهلها، لا يُعرف من أين مجيئهم، ولكنهم يستحقون كلمة خاصة بهم.
يرمز علماء الآثار إلى هذه الجماعة بالحرف «س»، ولقد وُجدت مقابر الكبراء منهم عند قريتي بلانة وقسطل على مقربة من بلدة أبي سمبل، وتميَّزت هذه المقابر غير المألوفة في مصر بأن حجرات الدفن كانت تبنى تحت مستوى سطح الأرض بعد حفرها، ثمَّ كانت المقبرة تغطى بعد الدفن بكوم ضخم من التراب مخروطي الشكل، ولقد كانت هذه المقابر تحوي كثيرًا من المخلفات، كثيرٌ منها غريب، ولقد خصَّ المسئولون في مصلحة الآثار هذه المخلفات بحجرة كاملة في المتحف المصري، ولقد كشفت هذه المقابر أيضًا عن بعض العادات الغريبة على مصر، يخصُّنا منها أن هؤلاء الناس كانوا يقدِّمون قرابين بشرية وحيوانية عند دفن عظمائهم، فقد كانت هياكل عديدة لآدميين ولحيوانات توجد مسجاة على أرض الطريق المنحدرة التي كانت تؤدي إلى الحجرات المبنية في وضع يدل على سبق القصد والتدبير، وواضح أن هذه الطريق كانت مكشوفة عند وضع الجثث فيها، ثمَّ مُلئت بالتراب عند تغطية المقبرة ومعها الطريق المُشار إليها بذلك الكوم الضخم من التراب، ولما لم يكن من المعقول أن أولئك الآدميين وتلك الحيوانات قد ماتت كلها موتًا طبيعيًّا عند وفاة سيدها، فلا بدَّ أنها كانت ضحايا، ولا بدَّ أن الآدميين كانوا عبيدًا لصاحب المقبرة أثناء حياته، وحتى في داخل حجرات المقبرة المبنية وُجدت هياكل عديدة مع أنه لم يكن هناك سبيل إلى الوصول إلى تلك الحجرات بعد تغطية المقبرة بالتراب، وليس من المحتمل أنها كانت تُترك بلا تغطية بعد دفن صاحبها، فلا بدَّ إذن أن بعض الأشخاص المدفونين هناك كانوا أيضًا ضحايا بشرية، وإن لم يكن بالهياكل ما يدلُّ على طريقة القتل.
ولقد دلَّ فحص البقايا البشرية المستخرجة من هذه المقابر الكبيرة ومن القبور المتناثرة بينها على أنها لأخلاط من الناس، فبينما كان منهم كثيرون يشبهون أبناء البلاد، فإن عددًا من الجماجم التي يظهر أن أصحابها كانوا من طبقة الكبراء، يدلُّ على أن هؤلاء كانوا قومًا غرباء عن البلاد، أشداء أقوياء البنية، على أنهم لم يكونوا زنوجًا، فإن نتوءات الجمجمة كانت أوضح مما تكون عليه في جماجم الزنوج، وكان الأنف ضيِّقًا مُرتفعًا، وقد وُجد إلى جانب بعض هذه الجماجم أجربة تحوي سهامًا، كما أنه قد وُجد في بعض المقابر الكبيرة وقاءات لأصبع الإبهام اليسرى تشبه الوقاءات التي يستعملها اليوم هواة الصيد بالقوس والنشاب، وكل هذا يدلُّ على أن هذا الفريق كانوا أهل حرب ونزال، كما تدلُّ خيولهم وكلابهم التي ضُحي بها عند موت أصحابها على أنهم كانوا أهل صيد وقنص.
وكان إلى جانب هؤلاء عددٌ من الأفراد تدل هياكلهم على أنهم من الأقزام، فإن طول القامة كان لا يزيد على متر ونصف، وكانت الجماجم صغيرة تبدو عليها الملامح الزنجية، وكان أكثر هؤلاء من بين الضحايا المساكين.
- (١)
كان متوسط طول القامة عند شعب الشمال من قدماء المصريين يبلغ نحو ١٦٦ للرجال و١٥٦سم للنساء.
- (٢)
كان متوسط طول القامة عند شعب الجنوب من قدماء المصريين يبلغ ١٦٨سم للرجال و١٥٥سم للنساء.
- (٣)
كان شعب الجنوب من سكان مصر العليا شمال الشلال الأول لعهد الأسرات شعبًا خالصًا غير خليط.
- (٤)
كان سكان النُّوبة إلى الجنوب من الشلال الأول شعبًا خالص التكوين غير خليط.
- (٥)
كان قدماء المصريين الجنوبيين، سواء من كان منهم شمال الشلال الأول ومن كان جنوبه، كانوا كلهم شعبًا واحدًا من حيث النِّسب بين العظام الطويلة في الأطراف.
- (١)
توجد مجموعتان صغيرتان من نوبيا تُنسبان إلى عصر المسيحية هناك، وهما يدلان على شدة التشابه بينهما وبين جماعة «س» وبين أهل البلاد لعهد مروى، فقد كان الطابع الزنجي غالبًا عليهما.
- (٢)
توجد مجموعة مصرية صغيرة لم يُكشف عن مصدرها لحداثته على ما يظهر، وقد تبين من فحص هذه المجموعة أنها أقرب ما تكون شبهًا إلى شعب الجنوب فيما حول الأقصر على عهد الدولتين القديمة والوسطى.
- (١)
سكان مصر في أوائل القرن العشرين يكوِّنون شعبًا واحدًا خالص التكوين، لا يشوبه أي قدر محسوس من الاختلاط.
- (٢)
يشبه المقترعون من مديريتي جرجا وقنا أسلافهم في نفس المنطقة لعهد ما قبل الأسرات المتأخر.
- (٣)
لا يزال هناك في القرن العشرين بعد الميلاد كما كان في العهود الأولى من تاريخ مصر تدرج في مقادير بعض الصفات إمَّا بالزيادة وإمَّا بالنقص عند الانتقال من طرف البلاد الشمالي إلى طرفها الجنوبي، فطول الرأس يزداد وعرضه يقل، وتبعًا لذلك يقل المعامل الرأسي، ويزداد عرض الأنف، ويتبع ذلك أن يزداد المعامل الأنفي وتزداد سمرة البشرة، ولأبناء الصعيد أصابع وسواعد وأقدام أطول من أصابع وسواعد وأقدام أبناء الدلتا.
- (٤)
طول الرأس عند النوبيين أصغر منه عند المصريين من أهل الشمال، بينما عرضه سواء عند الطرفين، ويتبع هذا أن معامل الرأس أكبر قليلًا في النوبيين منه عند الآخرين.
- (٥)
لم يوجد أي مبرر للتفريق بين المسلمين والأقباط من حيث الصفات البدنية.
ثمَّ إن توزيع فصائل الدم في مصر قد دُرس دراسة إحصائية وافية، وقد ظهر منه مرة أخرى أن سكان مصر شعب واحد مستقر على حاله بشهادة توزيع تلك الفصائل والعوامل الوراثية التي تُسيطر عليها، وفي هذا تعزيز جديد لما وصلت إليه الدراسات الأنثربولوجية العادية سواء كانت تشريحية أو إحصائية بخصوص خلو الشعب المصري من الاختلاط بغيره إلى أي حد محسوس.
The Racial History of Egypt and Nubia.
The Royal Anthropological Institute of Great Britain and Ireland, 1940.