الاحتكام إلى القوة (منطق العصا، اللجوء إلى التهديد)
ad baculum; appeal to force
ليست هذه هي الطريقة التي ينبغي على الكائن العاقل أن يعتنق بها الحقيقة، ليس هذا عرفانًا بالحقيقة، وما الحقيقةُ التي يُعتقَد بها على هذا النحو سوى خرافةٍ كبيرةٍ التصقَتْ بالمصادفة بالألفاظ التي تُشير إلى حقيقة.
حين يقول ستالين: «ارقُص» فإن الرجلَ الحكيمَ يرقص.
***
أمثلة
-
(١)
ينبغي أن توافق على السياسة الجديدة للشركة، هذا إذا كنت تريد أن تحتفظ بوظيفتك.
-
(٢)
هناك براهين وفيرةٌ على صدق الكتاب المقدس، وكل من يرفض التسليم بهذا الصدق سيكون مصيره العذاب.
-
(٣)
أتعرف يا دكتور أدهم أني بحاجة إلى تقدير «ممتاز» في هذه المادة؟ يسرني أن أمُرَّ عليك فيما بعد لنتحدث في ذلك، إنني سأكون بجوار مكتبك على أيِّ حال أزور والدي، إنه عميدُ كليتك بالمناسبة، مع السلامة، أراك بخير.
يمكن تجريد مغالطة العصا في الصورة التالية:
(١) متى تكون العصا صائبةً منطقيًّا؟
قد يكون التهديد، أو التذكير بالخطر، صائبًا منطقيًّا، وذلك حين يكون ذا صلة مباشرة بنتيجة الحجة، أو حين يكون الخطرُ هو نفسه موضوع الحجة:
مثال ١: «توقفوا عن التجارب النووية في هذه المنطقة القريبة من القطب؛ لأنها ربما تُعقِبُ زلازلَ وفيضاناتٍ وإشعاعات.»
في هذا المثال يناهض أنصارُ البيئة إجراء التجارب النووية، وفيه نجد أن الخطر متصل منطقيًّا بالحجة؛ لأن احتمال حدوث النتائج الخطرة هنا مترتبٌ سببيًّا وليس صادرًا عن قرار أو توجيه.
مثال ٢: «ذاكر جيدًا وإلا انخفضت درجاتُك.»
•••
من المؤسف حقًّا أن شطرًا كبيرًا من الحوار عندما لم يَعُد محتكمًا إلى العقل بل إلى العصا، إنه أقرب إلى لعبة «التحطيب» منه إلى لعبة الجدل، فنحن لا ننظر إلى الاختلاف في الرأي على أنه ثراءٌ وخصب، بل على أنه انحرافٌ وخيانة، وما نزال نُلوِّح بالعصا كلما أعوَزَتنا الحجة، ومن المؤسف في أمر العصا أن التهديدات، الصريحة أو المستترة، الظاهرة أو المقدَّرة، بوسعها أن تخلق وهمًا بأن امرءًا ما قد تم إقناعُه أو إفحامُه، وبوسعها أن تُخرِس الخصمَ فعلًا وتَثنيه عن المضي في الجدال، وتترك انطباعًا زائفًا بأنه قد خسر المناظرة.
العصا أفشلُ أداةٍ للإقناع، وأفشل مفتاحٍ للعقل والقلب.
واللجوء إلى العنف لدعم قضيةٍ كاللجوء إلى المِمحاة لإزالة الظل!
يوشك العنفُ أن يكون اعترافًا بغياب أي منطق وانعدام أي دليل.
بوسع العصا أن تشج الرأس وبوسعها أن تزهق الروح، ولكن هيهات لها أن تُقيم برهانًا أو تثبت حجة، وقلَّما يكون التلويح بالعصا سببًا لاعتقاد أيِّ شيء، فهو في أمثل الأحوال «وازع» أو «دافع» لتغيير السلوك لا لتغيير الرأي، وكثيرًا ما يدفع الناس إلى التظاهر باعتقاد ما لا يعتقدونه، فالتهديد، كما أسلفنا، ليس من فصيلة الحجة، ومِن ثَمَّ فهو لا يُخلف الاعتقاد بل النفاق، ولا يؤتي من الثمار إلا أنكدَها، هكذا تتجلَّى لنا روعةُ الآية الكريمة التي تحسم أمرَ التهديد حسمًا منطقيًّا سديدًا، ولا توليه إلا استفهامًا «إنكاريًّا» ساخرًا: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (يونس: ٩٩).
فالحق أن ليس ثمة تناقض بين هذا الحديث وبين ما قلناه هنا عن الصبغة الأنطولوجية للحرية بالنسبة للفكر، ذلك أن حديث هؤلاء يجول في مستوًى آخر لا يصطدم ولا يتقاطع مع حديثنا (انظر في ذلك وفي غيره، كتابنا «فهم الفهم»، دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠٠٣، ص٢٨٧–٣٤٨).