الاحتكام إلى النتائج
ad consequentiam appeal to consequences
إن كايوس فانٍ حقًّا، وإن حقًّا عليه أن يموت، أما أنا … إيفان إليش، بكل أفكاري وعواطفي، فشيءٌ مختلفٌ تمامًا، إن من المستبعَد أنني ينبغي أن أموت، إن ذلك لَيكون شيئًا مرعبًا غاية الرعب.
الحقيقة ليست ملزمةً بأن تتَّبع أهواءنا، وإنما نحن الملزمون بأن نُتَّبعَ الحقيقة.
***
إن القضية الصادقة هي قضيةٌ صادقة، بغضِّ النظر عن شعورنا تجاه نتائجها، ومن الحصافة أن نُسلِّم بأن العالم لم يُفَصَّل حسب طلبنا، وأن الأشياء لا تأتي على مقاس رغباتنا ومصالحنا، وأن ما نود أن يكون عليه الحال هو أمر غير ذي صلة بما هو عليه الحال بالفعل، ليس ثمة علاقة منطقية تربط ما بين نتائج اعتقادنا في قضية ما وبين «قيمة صدق» هذه القضية (أي نصيبها من الصدق والكذب).
ربما يستدعي ذلك في الذهن قول فرويد في «محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي»: «أُوذِيَ الإنسان ثلاث مراتٍ في غروره واعتزازه بنفسه وبمكانته في العالم: كانت المرة الأولى عندما تم التحول الأكبر في عصر النهضة من مركزية الأرض إلى مركزية الشمس على يد كوبرنيكوس (١٤٧٣–١٥٤٣م) الذي افترض أن أرضنا ليست هي مركز الكون، وكان من الضروري أن يستخلص الإنسان من ذلك أنه ليس تاج الخليقة وأن العالم لم يُخلق من أجله، وكانت المرة الثانية عندما قدَّم تشارلس دارون (١٨٠٩–١٨٨٢م) كتابه عن أصل الأنواع عن طريق الانتخاب الطبيعي، فأثَّرت نظريته في التصور الديني بوجهٍ خاصٍّ عن كون الإنسان صورةَ الله وخليفته في الأرض، أما المرة لثالثة فكان الأذى أشد قسوةً وأعمق جرحًا، إذ جاء من جانب البحث السيكولوجي الراهن الذي يريد أن يُثبت للأنا أنها لا تملك حتى أن تكون سيدةً في بيتها الخاص، وإنما تظل معتمدةً على أنباءٍ شحيحةٍ عما يجري بصورةٍ غير واعية في حياتها النفسية» (محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي، محاضرة ١٨).
أمثلة
-
(١)
لا بُدَّ من أن تكون «مركزية الأرض» geocentrism نظريةً صحيحة، وإلا لكان الإنسان كائنًا هامشيًّا شديد التفاهة وليس صورة الله وخليفته في الأرض.
-
(٢)
من المؤكد أن «نظرية التطور» نظرية مغلوطة، وإلا لكان الإنسان قريبًا لبقية الحيوانات، وكان له أن يفعل فعلَها ويسلك مسلكَها.
-
(٣)
اعتقاد الطفل في وجود بابا نويل يجعله سعيدًا ومستبشرًا ومهذبًا، إذن بابا نويل موجود.
-
(٤)
من المحال أن تنشب حرب نووية في أيِّ وقت من الأوقات، إن ذلك كفيلٌ بأن يجعلني متوجسًا هلعًا لا أذوق للنوم طعمًا.
(١) رهان بَسكال pascal’s wager
وقد سبق لأبي العلاء المعري أن صاغ هذه الحجة عينَها صياغةً بليغةً محكمة في لزومياته إذ يقول:
(٢) متى يكون الاحتكام إلى النتائج صائبًا منطقيًّا؟
فطن الفلاسفة منذ أرسطو إلى أهمية الاحتكام إلى النتائج للمفاضلة بين القضايا المختلفة في حالة تساويها في كلِّ شيء، يقول أرسطو في «الطوبيقا»: «حين يكون شيئان من التماثل بحيث يصعب تفضيل أحدهما على الآخر فإن علينا أن نحتكم إلى نتائجهما، وذلك الشيء الذي يُفضِي إلى نتائج أفضل هو الجدير بالاختيار، أما إذا كانت نتائج كليهما شرًّا فإن علينا أن نختار أقلَّهما شرًّا.»
غير أن أرسطو، وغيره من الفلاسفة، إنما يحتكمون إلى النتائج في مجال «العقل العملي» لا النظري؛ أي حين يكون الاختيار هو بين مسارين من الفعل، أو بين نهجين من السلوك، والحق أنه من الوضوح الذي يجري مجرى البدائه ونوافل القول إن الموازنة بين الأفعال إنما يتم بالموازنة بين تَبِعاتها ونتائجها المتوقَّعة، أما إذا كان السؤال هو عن الحق أو الصواب فإن الاحتكام إلى النتائج يكون أمرًا خارجًا عن الموضوع، ومن الخطأ دائمًا أن نوجسَ من كلِّ نظرية علمية جديدة تكشف جانبًا من الحقيقة، أو نرفضَها، لا لشيءٍ إلا لأنها تتحدى قناعاتنا الثقافية، أو تجرح كبرياءنا البشرية، أو تمس عواطفنا الاجتماعية.