مغالطات الالتباس
(١) الاشتراك (الالتباس المعجمي/اشتراك اللفظ) equivocation
وأما الألفاظ المشتركة فهي الأسامي التي تنطبق على مسميات مختلفة لا تشترك في الحد والحقيقة البتة: كاسم «العين» للعضو الباصر، وللميزان، وللموضع الذي يتفجر منه الماء — وهو العين الفوارة — وللذهب، وللشمس، وكاسم «المشترِي» لقابل عقد البيع، وللكوكب المعروف.
حين أقول لك «كن مؤمنًا» فقد يعني ذلك «ثِقْ في رحمة الله» وقد يعني «اعتقِد في وجود الله»، وحين أقول «إنني أعتقد في» الرئيس فلان فإن ذلك يعني أنني أثق في كفاءته كرئيس، ولكن حين أقول «إنني أعتقد في» التلباثي (التخاطر) فإنني أستخدم التعبير نفسه ولكن بمعنى جِد مختلف، وهو أنني أعتقد في وجود ظاهرة التخاطر.
كذلك تحمل الألفاظ النسبية، من قبيل «جيد»، «قصير»، «صغير» … إلخ، خطر الاشتراك حين يُساء استخدامها، من ذلك أن النملة «الكبيرة» تظل حيوانًا «ضئيلًا»، والفيل «الصغير» يظل حيوانًا «ضخمًا»! والباحث «الجيد» قد يكون محاضرًا «رديئًا» والجنرال «القدير» قد يكون رئيسًا «ضعيفًا»، والانتقال من أي حد من هذه الحدود إلى الآخر يُعد انتقالًا مغالطًا.
أمثلة أخرى
-
(١)
كل قانون ينبغي أن يُطاع.
قانون الجاذبية هو قانون؛
إذن قانون الجاذبية ينبغي أن يُطاع.
(هنا تُستخدم لفظة «قانون» بمعنيين مختلفين، ويُسمَّى هذا الصنف من المغالطة «مغالطة التباس الحد الأوسط».)
-
(٢)
كل العلوم تؤدي إلى الفهم الأفضل للعالم؛
إذن علوم السحر تؤدي إلى فهم أفضل للعالم.
(حيث تُستخدم كلمة «علوم» بمعنيين مختلفين.)
-
(٣)
كل قتلة الأطفال غير إنسانيين (بمعنى غير رُحماء)؛
إذن ليس هناك قاتل أطفال ينتمي إلى النوع الإنساني (بمعنى الإنسان العاقل homo sapiens).
•••
«إذا لم نتعلَّق ببعضنا البعض فسوف نتعلق على انفراد.»
حيث «نتعلق» الأولى تعني «نتضامن»، والثانية تعني «نُشنَق» غير أن الحُجة صائبة لأننا حقًّا إذا لم نتضامن في مراحل الصراع أو الثورة فثمة احتمالٌ كبير بأن نفشل ونُعدَم شنقًا، وباستخدام ذات الكلمة بأكثر من معنى فقد تبلورت الفكرة واستوَت في صياغةٍ موفقة تستقر في الذاكرة بسهولة ورسوخ.
ومنها: «دولة الظلم ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة.»
ليس الاشتراك بحد ذاته مغالِطًا، غير أنه يَبقَى شَرَكًا لغويًّا منصوبًا يجعلنا عرضةً للوقوع في المغالطة، وذلك حين ينجح الاشتراكُ في أن يجعل الحجةَ المغلوطة تبدو حجةً صائبة.
(٢) التشابه (التباس المبنَى/اشتراك التركيب) Amphiboly
من الحيل المألوفة للعرافين أن يقدموا تنبؤاتهم بطريقةٍ غامضة تجعلها عصيةً على الإخفاق، تجعلها غير قابلة للدحض.
إذا ذهب كروسوس ليحاربَ سَيْرس فسوف يُدَمِّر مملكةً عظيمة.
ابتَهَجَ كروسوس للنبوءة، وقد فهم أنها تعني أنه سوف يُدَمِّر مملكة فارس العظيمة، فزحف بجيشه لقتال سيرس ولكنه مُنيَ بالهزيمة على يد ملك الفرس، وإذ كُتب له البقاء فقد عاد إلى دلفي وشكا مُرَّ الشكوى مما لحق به بعد أن تلقى مشورة الوحي، هنالك ردَّت الكاهنات بأن نبوءة دلفي كانت صادقةً تمامًا: «بذهابه إلى الحرب دَمَّر كروسوس مملكةً عظيمةً — مملكته هو!» والحق أنك لو أنعمت النظرَ في منطوق النبوءة فسوف تلاحظ أنها لم تُبيِّن بوضوح أي «مملكة» تلك التي سيلحق بها الدمار، وقد ألمح هيرودوت إلى أن كروسوس كان ينبغي عليه، لو أنه فطنٌ حقًّا، أن يعود ثانية ليسأل الكاهنة أي «مملكة» تَعني.
لا يَحْسُن بعاقلٍ منذ اليوم أن يُصدِّق الشياطين الخداعين الذين يغروننا بألفاظ ذات معنيين، فيَسُرُّون آذاننا بالمواعيد ثم يخيبون آمالنا — لن أقاتلك.
أمثلة أخرى
-
(١)
«لا تقتل نفسك هكذا يا رجل، دعنا نساعدك.»
-
(٢)
يقول الرجل لزميله في بلاد نيام نيام أكلة البشر: «الزعيمُ يريدُك للغداء.»
-
(٣)
«إنني ضد الضرائب التي تعطل النمو الاقتصادي» (ماذا يريد هذا السياسي أن يقول: هل يعني أنه مناوئ لكلِّ الضرائب لأنها جميعًا تعطل نمو الاقتصاد، أو أنه مناوئ فقط لذلك الصنف من الضرائب التي من شأنها أن تعطل نمو الاقتصاد؟ بوسعك بالطبع أن تؤول العبارة وفقًا لهواك السياسي وبرنامجك الاقتصادي وتحيزاتك الخاصة، وأن تَضرِبَ صفحًا عن التأويل المضاد).
-
(٤)
«في مقابل دهان مصنعي فأنا أتعهد بأن أدفع للسيد عطا الله مرزوق مبلغ عشرة آلاف جنيه، وأن أعطيه سيارتي الفيات فقط إذا انتهى من الدهان قبل يناير ٢٠٠٧» (إذا أنعمت النظر في منطوق هذا التعهد فسوف تجد أنه يحتمل أكثر من ثلاثة تأويلات).
-
(٥)
«كان ضَربُ زيدٍ مبرِّحًا» (لا يُبيِّن لنا تركيب الجملة ما إذا كان زيدٌ هو الضارب أو المضروب).
-
(٦)
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ (المعنى إذا وُقِف على «الله» مغاير للمعنى إذا وُقف على وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ).
(٣) النَّبْر accent
(٣-١) النبر على الأحرف داخل الكلمة (أرسطو)
ولكي نفهم ما عناه أرسطو بالنبر ينبغي أن نعلم بعض الأشياء عن اللغة اليونانية المكتوبة في زمنه، فإذا كانت اليونانية الآن تحتوي على علامات نبرٍ تُستخدم لتحديد النطق، فإن هذه العلامات لم يكن لها وجودٌ في الكتابة اليونانية القديمة، وإنما كان يعرفها القارئ المُلِم باليونانية المنطوقة (مثلما هو الحال بالنسبة للغة العربية القديمة الخالية من الإعجام؛ أي النقط، والتشكيل)؛ لذا كانت بعض الكلمات تُنطَق على نحوٍ مختلفٍ بينما تُكتب على نحوٍ واحد، الأمر الذي يفتح باب الالتباس في اللغة المكتوبة.
(٣-٢) النبر على الكلمة داخل العبارة
أمثلة
-
(١)
ينبغي أن نكون «أمناء» مع أصدقائنا.
ينبغي أن نكون أمناء مع «أصدقائنا».
فهي بالنبر على كلمة «أمناء» تعني أننا ينبغي أن نكون أمناء بعامةٍ وفي المقام الأول، وهي بالنبر على كلمة «أصدقائنا» تعني أننا في حِلٍّ من الالتزام بالأمانة مع غير أصدقائنا.
-
(٢)
جميع الناس خُلقوا «سواسية».
جميع الناس «خُلقوا» سواسية.
فإذا كان التشديد، أو النبر، على كلمة «سواسية» فإنها تعني المساواة بين الناس على الإطلاق، أما إذا كان التشديد على كلمة «خُلِقوا» فقد توحي بضدها: أي بأن جميع الناس ليسوا الآن سواسية، بذلك يتيح النبر للناطق أن يومئ إلى السامع باستدلالٍ معين ثم يتنصلَ منه فيما بعد وينكر أنه قال ذلك!
(٣-٣) الاجتزاء
(الاقتباسات المنتزعة من سياقها/النبر على عبارات أو فقرات من سياقٍ أعم.)
يُلحق بعض المناطقة تلك الاقتباسات بالنبر، باعتبار أن الاجتزاء أو الاقتباس المنبَتَّ عن سياقه يغير الارتكاز على نحوٍ مضلِّل، بينما يعده البعض مغالطة التباسٍ منفصلةً باعتبار أن ما يفعله فقدان السياق هو أكبر من ذلك: إنه السماح بعودة الغموض الطبيعي للكلمات لكي يؤكد نفسه، ذلك أن السياق، مثلما ألمحنا من قبل، هو قوام المعنى ومحدِّد القصد ومانع الالتباس، وفي غياب السياق يختلط حابل المعنى بنابله، ويمكن للمغالِط أن يأسر ما شاء من المقاطع «السائبة» ويرتكز عليها ويحمِّلها أي معنى يريد!
أمثلة
-
(١)
في الحملة الانتخابية عام ١٩٦٦م ادَّعى الجمهوريون أن ألجور، نائب الرئيس، قد قال «ليس هناك صلة مؤكدة بين التدخين وسرطان الرئة»، وإنه لقائلُها! غير أن سياق عبارته كالتالي: «بعض علماء شركات الدخان سوف يدَّعون بصفاقة أن ليس هناك صلة مؤكدة بين التدخين وسرطان الرئة …» غير أن الأدلة الراجحة المقبولة لدى الأغلبية الساحقة من العلماء تقول: «نعم، التدخين يسبِّب سرطان الرئة.»
-
(٢)
في ظهر كتابه الأخير ادَّعى المؤلف فوسيدال أن سيدني بلومنثال يقول عنه: «يعتبره الكثيرون أنبه صحفيي جيله»، وهي عبارة منتزعة من سياقٍ ينتقد فيه بلومنثال المفكرين المحافظين ويقول، قاصدًا تسفيههم بمثال: «بين اليمنيين المحافظين فإن واحدًا مثل فوسيدال «يعتبره الكثيرون أنبه صحفيي جيله»!»
-
(٣)
في إعلان للدعاية: تخفيضات تصل إلى ٩٠٪ (مع تكبير ٩٠٪ وتصغير «تصل إلى») أما إذا استعرضت السلع فسوف تجد أن ما «وصل» تخفيضه إلى تسعين بالمائة هو جانب لا يُذكر من السلع، بينما الغالبية العظمى من التخفيضات هي أقل كثيرًا من ذلك.
-
(٤)
حتى الصدق الحرفي يمكن أن يُستخدم للخداع بالنبر: كان قبطان إحدى السفن ممتعضًا من معاونه الأول الذي كان مخمورًا على الدوام أثناء العمل، فجعل يكتب كل يوم تقريبًا بسجل الأداء: «المعاون سكران اليوم»، فلما تَوَلَّى المعاون عملية التسجيل إذ كان القبطان مريضًا، فقد ثأر لنفسه وكتب في السجل: «القبطانُ غيرُ سكران اليوم!»
-
(٥)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ (النساء: ٤٣)، فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (الماعون: ٤).
(٣-٤) ألوان أخرى من النبر
وفي المذاهب والأيديولوجيات تقوم «الأولويات» مقام النبر، بمعنى أننا لو غيرنا ترتيب الأولويا ت في مذهب أو عقيدة لخرجنا بمذهب آخر وعقيدة أخرى من حيث النتاج والأثر، يعرف ذلك كثير من الأيديولوجيين حتى ليذهب بعضهم إلى أن إصلاح مذهب أو عقيدة ربما تَطَلَّب تغيير الأولويات دون مساسٍ بجوهر أي مفهوم فرعي بحد ذاته!