إثبات التالي
يرى البعض أن هذا في حقيقة الأمر هو أساس المنهج العلمي: فإذا كانت النظرية العلمية «أ» يلزم عنها التنبؤ «ب»، فإن كل ملاحظة صادقة للتنبؤ «ب» تزيد من احتمال صدق النظرية «أ»:
•••
والآن انظر إلى الحُجة التالية:
إنها بالطبع حُجة صائبة تمامًا ولا غبار عليها البتة، ولكن انظر إلى الحجة القادمة التي يتم فيها عكس القضية والمضي من إثبات التالي إلى البرهنة على المقدَّم:
وهنا يتبدى الخطأ بوضوح، فالحق أن سالي قد تكون قطة، فانية بكل تأكيد، ولكنها ليس إنسانًا. وانظر إلى الحُجة التالية:
إذا كان «أ» كان «ب»، وما دام هناك «أ»، إذن هناك «ب».
إذا كان «أ» كان «ب»، وما دام هناك «ب»؛ إذن هناك «أ».
•••
يندر أن ينخدع أحدٌ بهذه المغالطة حين تأتي في صورةٍ صارخة فجة، غير أنها قد تخفى على أفطن الناس عندما تأتي متسربلةً بنصوصٍ جليلة أو مشحونة بعواطف قوية، وكثيرًا ما نصادف هذا الخطأ المنطقي في الإعلانات التليفزيونية والخُطب السياسية:
(١) أمثلة أخرى لمغالطة إثبات التالي
-
إذا كنتُ في الإسكندرية فأنا في مصر.
أنا في مصر؛
إذن أنا في الإسكندرية.
-
إذا كانت الطاحونة تلوث مياه النهر لزادت حالات موت الأسماك.
حالات موت الأسماك في ازدياد؛
إذن الطاحونة تلوث مياه النهر. (من الواضح أن موت الأسماك يمكن أن يحدث لأي سبب آخر، كاستخدام المبيدات الحشرية.)
-
أنت تكذب في قولكَ، وأنت لا تجيد الكذب فيحمر وجهك دائمًا عندما ترتكبه، وها هو وجهك متورد وأنت تتحدث.
-
إذا سقط المطر لَابْتَلَّ الرصيف.
الرصيف مبتل؛
إذن لا بُدَّ من أن يكون المطر قد سقط. (قد تكون البلدية قد غسلت الرصيف للتو!)
-
إذا كان ستيفن كينج هو الذي كتب الأناجيل لكان كاتبًا رائعًا.
ستيفن كينج كاتب رائع؛
إذن ستيفن كينج هو الذي كتب الأناجيل.
-
جميع الفصاميين يتصرفون بطريقة غريبة.
هذا الشخص يتصرف بطريقة غريبة؛
إذن هذا الشخص فصامي.
-
إذا كان هذا المتهم أهلًا للمحاكمة فسوف يجيب بالتأكيد عن ٨٠٪ على الأقل من أسئلة هذا الاختبار.
هذا المتهم أجاب عن ٨٧٪ من أسئلة الاختبار؛
إذن هذا المتهم أهل للمحاكمة (بالطبع قد يكون فاقدًا للأهلية لدواعٍ أخرى لا يحصرها الاختبار).
-
إذا حظرنا مباريات الكرة بجميع مستوياتها لقضينا على ظاهرة الشغب في الملاعب.
القضاء على ظاهرة الشغب في الملاعب أمر مرغوب؛
إذن حظر المباريات جميعًا أمر مرغوب.
-
إذا حظرنا كل علاقة جنسية لقضينا على مرض الإيدز.
القضاء على مرض الإيدز أمر مرغوب؛
إذن حظر العلاقات الجنسية أمر مرغوب.
-
إذا كان لسالي جراءٌ فإنها بالضرورة كلبةٌ أنثى.
سالي كلبة أنثى؛
إذن سالي لها جراء.
(٢) إنكار المقدَّم denying the antecedent
إن حقيقة أن عيني تكون مغلقة أثناء النوم لا تمنع احتمال أن أغلقها وأنا في تمام اليقظة، غير أن هذا النوع من الاستنباط قد يكون خادعًا جدًّا إذا كان مطمورًا في حجة أكثر تعقيدًا؛ وذلك بسبب الخلط بين معنى «إذا» ومعنى «إذا وفقط إذا»، فالحق أن الحجة السابقة تكون صائبة إذا كانت المقدمة الأولى تقرر أنني لا أغلق عيني إلا عندما أكون نائمًا.
وهي كما ترى مغالطة، يعبر عنها بالمبدأ المأثور «غياب الدليل ليس دليلًا»، وإن تكن المغالطة أعقد من ذلك.
(٢-١) أمثلة أخرى لمغالطة إنكار المقدَّم
-
كل الطيور لها أجنحة.
الخفاش ليس من الطيور؛
إذن الخفاش ليس له أجنحة (بالطبع كون الطيور جميعًا ذوات أجنحة لا يمنع أن تكون هناك مخلوقات أخرى، كالحشرات والخفافيش، ذات أجنحة).
-
سعيد يلعب الشطرنج دائمًا على الغداء يوم الأربعاء.
وبما أن اليوم هو الخميس؛
إذن من المحال أن سعيدًا يلعب الشطرنج الآن.
(بالطبع لا شيء يمنع سعيدًا من أن يلعب الشطرنج في الأيام الأخرى.)
-
إذا كانت السماء تمطر فإن الرصيف يكون مبتلًّا.
السماء لا تمطر منذ أسبوع؛
إذن الرصيف لا بُدَّ من أن يكون جافًّا.
(بالطبع ليس هناك استحالة في أن يكون الرصيف قد تم غسله للتوِّ.)
-
إذا كنت في الإسكندرية فإنا إذن في مصر.
أنا لست في الإسكندرية؛
إذن أنا لست في مصر.
-
كل الطماطم حمراء (إذا كان شيء ما هو طماطم فلا بُدَّ من أن يكون أحمر).
هذا ليس من الطماطم؛
إذن هذا ليس أحمر.
-
إذا كانت سياساته ناجعة فإن البطالة سوف تنكمش.
ولكن سياساته غير ناجعة؛
إذن البطالة لن تنكمش.
(بالطبع قد تكون هناك أسباب أخرى تفضي إلى انكماش البطالة رغم سوء السياسات.)
-
إذا كان هذا الاختبار قائمًا على معايير مخادعة، فسوف يكون إذن اختبارًا غير صادق.
ولكن المعايير ليست مخادعة؛
إذن فالاختبار صادق.