الحُجَّة الشخصية (الشخصَنة)
argumentum ad hominem
هي أن تحاول تسفيه حجةٍ ما بالقَدح في الشخص الذي يعبر عنها فيبدو كأن العكس قد ثبت.
الحُجةُ حجةٌ، وأنتَ لا يسعُك إلا أن تأخذ حُجَجَهم بعين الاعتبار ما دامت صائبة، أما الشهادة فيجوز لك أن ترفضها.
***
«أنتم تعرفون جميعًا أن النائب «س» كذاب غشاش وغير موثوق بذمته المالية ومستفيد أول بخفض الضرائب، فكيف توافقون على مشروعه الضريبي المطروح؟»
قد يكون النائب «س» كذابًا حقًّا ومغرضًا ولديه مصلحة مكتسبة في المشروع الضريبي المطروح للمناقشة، غير أن هذا لا يمس المشروع من حيث هو مشروع، وما هكذا ينبغي أن تناقَش المشروعات، إنما يَجْمل أن نتجه إلى المشروع مباشرة ونُبين ما له وما عليه، لا أن ننصرف إلى شخص القائل بالطعن والتجريح، ونحوِّل مناقشة المشروع من تحليل اقتصادي إلى تحليل سيكولوجي، ونحول منصةَ المجلس من منبرٍ للرأي إلى مسلخٍ للبشر.
- (١) القَدح الشخصي (السب) ad hominem-abusive.
- (٢) التعريض ﺑ «الظروف الشخصية» ad hominem-circumstantial.
- (٣) مغالطة «أنت أيضًا» (تفعل هذا) tu quoque.
- (٤) تسميم البئر poisoning the well.
(١) القَدح الشخصي (السب) ad hominem-abusive
في هذا الصنف من المغالطة يقوم القدحُ الشخصي بصرف الانتباه «عن» الحجة الأصلية «إلى» شخص قائلها وعيوبه ومثالبه، فيبدو، من خلال التداعي السيكولوجي، كأن حجته أيضًا هي معيبةٌ مثله!
أمثلة
-
(١)
«إن سياسات لنكولن كلها حمقاء مفسدة، فهو سكير وقرد وبليد ومأفون ومضلل» (صحافة الجنوب في ستينيات القرن التاسع عشر).
-
(٢)
«لا أثق في فلسفة فرنسيس بيكون؛ لقد كان رجلًا غير أمين، وقد جُرِّد من منصب قاضي القضاة لتقاضيه رشاوى.»
-
(٣)
«لماذا أبالي بآراء هؤلاء الصحفيين؟ إنهم حفنة من المرتزِقة.»
-
(٤)
«كان ألبرت أينشتين موظفًا حقيرًا يوم كتب نظرياته؛ إذن الطاقة لا تساوي الكتلة مضروبةً في مربع سرعة الضوء.»
-
(٥)
«والآن نأتي إلى اقتراح السيد سليم النقيب بضم الشركتين معًا، لم أكن أود أن أنكأ جروحًا قديمة ولكني مضطر إلى أن أُطْلِعَكم على محاضرَ تفيد بأنه كان متورطًا منذ عشر سنوات في قضية تحرش وفي قضية سُكْر.»
إن القدح الشخصي ليس مغالطة بحد ذاته، إنما تأتي المغالطة حين نجعل العيب الشخصي أساسًا لرفض دعوى غير ذات صلة بهذا العيب، فالحجج إنما ينبغي أن تقوم على أرجلها الخاصة أو تسقط بعيبها الخاص.
(٢) متى يكون القدحُ الشخصي غير مغالط
(٣) التعريض بالظروف الشخصية
أمثلة
-
(١)
«أنت تقول بأن خطط المحافظين الضريبية كفيلة بتقليص ميزانية الخدمات الصحية، ولكنك ليبرالي وتود لو تتخلص من الخدمة الصحية برمتها.»
-
(٢)
بالطبع نحن لا نتوقع منك إلا أن تؤيد قرار رفع ميزانية التسليح، فقد عرفنا أنك تعمل في مؤسسة كبرى لتجارة الأسلحة.
-
(٣)
نفهم أنك لا بُدَّ أن تبغض نظرية التطور evolutionism، فأنت كاهنٌ تعِظ بنظرية الخلق creationism ليلًا ونهارًا، وتكسب قوتَك من تلاوة سفر التكوين Genesis.
-
(٤)
إن لك عذرًا في أن ترى هذا الرأي الخاطئ، فأنت من عُتاة الديمقراطيين (الجمهوريين، الشيوعيين، الإسلاميين، … إلخ).
-
(٥)
أنت بورجوازيٌّ مرتهنٌ لوضعك الطبقي، معصوبُ العين عن رؤية أي شيء يتجاوز مصالحك الطبقية، ومِن ثَمَّ فإن كتاباتك لا قيمة لها مهما بلغت مزاياها الشكلية والأسلوبية.
إننا نولي انتباهًا شديدًا لصراع المصالح في سياقات كثيرة: وبخاصة السياق القضائي والصحفي والسياسي والتجاري، ولدينا في ذلك كل الحق، فنحن نطالب قضاتنا، على سبيل المثال، بإعفاء أنفسهم من القضايا التي يمكن لمصالحهم الشخصية أن تؤثر فيها على قرارهم النزيه، ونحن نجزع كثيرًا إذا اكتشفنا أن قادتنا السياسيين إنما تسهم في تمويل حملاتهم الانتخابية شركات لديها مصلحة في منحاهم السياسي الخاص ومنهجهم في إقرار المشروعات، لقد عَلَّمتنا التجارب أن القرارات تتأثر بالمصالح المكتسبة لصانعها، وإن لدينا ما يدفعنا إلى الاحتياط والتوقي بإزاء صراعات المصالح.
وإنما تفعل مغالطةُ الظروف الشخصية فعلها لأنها تحاكي حذرنا المشروع من صراع المصالح أو تلعب على وتره، غير أن الحجج شيءٌ والقرارات شيءٌ آخر: فقد يؤدي صراع المصالح بشخص ما إلى التفكير الخطأ وبالتالي إلى القرار الخطأ، غير أن صراعه الخاص ينبغي ألا يؤثر على تقييمنا لحُجَّته، وعلينا أن نُقرر أنقبل حجته أم لا نقبلها، فالقرار الآن هو قرارُنا نحن لا قراره، وعليه فمن الحصافة الآن أن نتوقى صراع مصالحنا نحن، أما صراع مصالحه فهو تشتيت خارج عن الموضوع.
(٤) أنت أيضًا (تفعل ذلك) Tu quoque
أمثلة
-
(١)
أقلِع عن التدخين يا بني فهو ضار بالصحة متلِف للمال.
لستُ أقبل حجتك يا أبي فقد اعتدتَ أنتَ نفسك التدخينَ حين كنتَ في مثل سني.
-
(٢)
«كيف أستمع إلى نصيحة هذا الطبيب بخفض وزني إذا كان هو نفسُه بدينًا كالدب؟!»
تعمِد هذه المغالطة إلى صرف الانتباه عن حجة الخصم إلى سلوكه، أو إلى أفكاره الأخرى، الراهن منها أو الماضي، فالحق أن تورط الخصم في ذات الخطأ لن يُحوِّل الخطأ إلى صواب، وأن الدفع بتورط الغير في الفعل نفسه إنما هو تشتيت لا صلة له بصدق التهمة الأصلية، على أنه تكتيك يضلل الخصم عن صُلب الموضوع ويؤثر تأثيرًا بالغًا في مسار الجدل، إذ إنه يضع الخصم في موضوع دفاع وكثيرًا ما يستنفد جهده في الدفاع عن نفسه! إن المغالط هنا لم يتناول التهمة المطروحة ولم يُجب عن السؤال الموجه، بل حَوَّل التهمة ببساطة إلى الخصم أو السؤال إلى السائل! لقد خرج عن الموضوع وغالط لأن اتهامه للخصم حتى لو صَحَّ فهو لا يمس التهمة الأولى ولا يتصل بالسؤال الأصلي، وأقصى ما يمكنه تحقيقه هو أن يثبت أن الخصم منافق لا أن حجته باطلة.
ولعل أفضل تَصَرُّف تأتيه إذا واجهك خصمُك بهذه المغالطة هو أن تبتسم معترفًا، ثم ترده في الحال إلى حجتك الأصلية التي لم يَرُد عليها بعد، بذلك تحبطه عن تشتيتك وإخراجك عن الموضوع، وبوسعك، إن شئت، أن ترجئ انتصافك لنفسك إلى مقام آخر.
(٤-١) دفع الظلم بالظلم
وكثيرًا ما يُستغل هذا الميل الفطري لدى البشر لخلق تعاطفٍ مع المتهم وصرف الانتباه عن جريمته النكراء بتبيان أن المتضرِّر نفسه يرتكبها، ذلك منطقُ الاستحلال والاستباحة، وهو منطق مغلوط؛ لأنَّ قُصارَى ما يمكن أن يبرهن عليه هو أن الطرفين كليهما على خطأ.
لا شك أنَّ العدالة تقتضي المعاملة بالمثل، غير أنَّ هذا المبدأ نفسه لا يجعل من الخطأ صوابًا، وإلا اختلطت الأمور واغتُفِرت الجرائم وبُرِّئَ المجرمون، بل كوفِئوا، بالنظر إلى أن الآخرين قد ارتكبوا في حقهم نفس الظلم.
تتغذى العداواتُ والضغائن، بين الأفراد وبين الشعوب، على هذه المغالطة العتيدة، وعليها تقوم جريمة الثأر وتجد تبريرًا وجيهًا، فمظالم الماضي تظل حيةً صارخةً تُفسد على الناس حاضرهم وتهدِّد مستقبلَهم، إنما الدولة هي مَن يتولَّى تصويب أخطاء الأفراد، والمجتمع الدولي هو مَن ينبغي عليه أن يتولى تقويم زيغ الشعوب؛ حتى لا نقنع بدفع الظلم بالظلم وتصويب الخطأ بالخطأ.
(٤-٢) خطآن يصنعان صوابًا Two wrongs make a right
-
ليشتدَّ التعذيب في سجوننا، فإن التعذيبَ لَشديدٌ في سجونٍ أخرى من العالم.
-
لماذا كلُّ هذا الجزع من الفساد في بلادنا، إن الفساد لينخر في أرقى بلاد العالم.
-
لقد وقع ظلمٌ من قبل على البولنديين في وارسو، ينبغي إذن أن يقع ظلمٌ مماثل على الألمان في برسلو.
وقد تتمادى المغالطة في الشطط والغلو حتى تأخذ المُفترَض المقَدَّر مأخذ الواقع الحاصل! وتتخذ صيغة «هو أيضًا كان جديرًا أن يفعل ذلك لو استطاع»، أو «هم أيضًا كانوا سيفعلون نفس فعلتنا لو وضعوا موضِعنا» … إلخ.
-
لنسرق هؤلاء اللصوص فإنهم لو تمكنوا منا لجرَّدونا من ثيابنا.
-
لنخرب ديارهم ونُيتم أطفالهم، فوالله إنهم لو حُكِّموا فينا لما فعلوا أقل من ذلك.
يجسِّد المتنبي هذا المنطق تجسيدًا بديعًا يستبد بالذاكرة ويجري مجرى الأمثال:
يريد أن مَن عرف الناسَ حقَّ المعرفة — كمعرفته هو بهم — قتلهم غيرَ راحمٍ لهم؛ لأنهم إذا ظفروا بغريمهم لم يرحموه، فإذا قتلهم، إذن، فلا إثم عليه، على أنه إذا لم يبادر بقتلهم فإنهم ميتون حتف أنفهم على كلِّ حال!
•••
كان فرنسيس بيكون، الفيلسوف الإنجليزي الكبير، يتولى منصب قاضي القضاة في عهد جيمس الأول، وفي عام ١٦٢٠ تم عزله وإدانته بتقاضي رشاوى (في صورة هدايا) من كلا الطرفين المتنازعين في القضايا التي تولاها، وقد تعلَّل جميعُ كُتَّاب سيرته الذاتية بأن تقاضي هدايا من كلا الطرفين المتنازعين كان عُرفًا شائعًا على نطاقٍ واسع في ذلك العصر، ومن الدالِّ حقًّا في هذا الصدد أن بيكون نفسَه لم يستند إلى هذه الحجة حين تحدث في المحاكمة بالأصالة عن نفسه، بل قال ببساطة: «لا أُبرِّئُ نفسي، إنني لأعترف بصراحةٍ ووضوحٍ بأنني مذنبٌ بالفساد، وإنني لأرفض كل الدفوع، وإنما أناشد سيادتكم فحسب أن تأخذكم الرأفةُ بقصبةٍ منكسرة.»
(٥) تسميم البئر Poisoning the well
تلك المحاولة الدنيئة من جانبه لكي يشق الأرض من تحت قدمي — يسمِّم مقدمًا عقول الناس ضدي، أنا جون هنري نيومان، ويغرس في مخيلة قُرَّائي الشك والارتياب في كل شيء عساني قائله في الرد عليه، ذلك أسميه تسميم الآبار.
أمثلة
-
(١)
لا تصدق ما «سيقول»، إنه وغد. (تسميم بالسب.)
-
(٢)
ليس سوى مأفون مَن يعارض إضافة الفلورين إلى الماء. (تسميم بالسب.)
-
(٣)
إن خصمي طبيب أسنان وبالطبع سوف يُعارض إضافة الفلورين إلى الماء، فذلك سوف يُفْقِده كثيرًا من الزبائن. (تسميم بالتعريض بالظروف الشخصية.)
-
(٤)
لَكَم كنت أود لو بإمكان الرجال أن يتفهموا هذه المسألة (الإجهاض)، غير أنهم بحكم موقعهم الذكوري لا يملكون رؤية هذا الأمر من منظور المرأة، وكم كنت أتمنى لو أن هناك عددًا أكبر من النساء في هذا المجلس لكي يتحدثن في هذا الشأن من زاوية نسوية، فالرجال لا ناقة لهم فيه ولا جمل، ولا ينبغي أن يُصدروا فيه حكمًا، وإن أصدروا فليحفظوه لأنفسهم. (تسميم بالتعريض بالظروف الشخصية.)
-
(٥)
هذا رجل فاشي معروف، وأي رأي يبدر منه «سيكون» محل ارتياب ويصب في مصلحة العدو في نهاية المطاف. (تسميم بالسب.)