مفاجأة … في الاجتماع
هدأ المقر السري للشياطين، وأعلنت الساعة الإلكترونية العاشرة مساءً … وكان هذا هو موعد نوم الشياطين عندما لا يكون لديهم عمل …
وفي السادسة صباحًا يكونون قد استعدوا لإجراء تمارين اليوم قبل تناول الإفطار … لكن في هذه الليلة لم ينَم «أحمد» مبكِّرًا … كبقية الشياطين. كان يشعر بالرغبة في القراءة، لكنه عندما فكَّر: ماذا يُريد أن يقرأ الآن؟ لم يحدِّد بالضبط، غير أنه قال في نفسه: إن قراءةً خفيفةً يمكن أن تساعد على النوم؛ فالقراءة المتعمِّقة تحتاج إلى تركيز، ممَّا يساعد على «الأرق».
ولذلك فقد قام إلى المكتبة الصغيرة الملحقة بحجرته، وأخذ ينتقي عِدة جرائد من جرائد الأسبوع، وعندما رقَدَ على سريره يتصفَّحها وقعتْ عيناه على خبرٍ صغير. أسرع إلى الصفحة الأولى في الجريدة ليعرف تاريخ صدورها، فعرف أنها صدرت منذ أربعة أيام. أعاد قراءة الخبر مرةً أخرى، كان الخبر يقول:
«مجهول يشتري ماسةً زرقاء بمبلغ أربعة ملايين و٦٠٠ ألف دولار».
ثم كانت تفاصيل الخبر التي تقول: «دفع مجهول مبلغ ٤ ملايين و٦٠٠ ألف دولار لشراء ماسة زرقاء من صالة المزادات «كريستي» … في «جنيف».
والماسة الزرقاء تُعتبر من الماسات النادرة. وكانت تاريخيًّا مِلكًا لأحد الأثرياء من رجال الأعمال في روسيا القديمة، وهي على شكل ثمرة الكمثرى. يبلغ وزنها ٩٢ و٤٢ قيراطًا … وهي تُعتبر الماسة الثالثة في العالم من حيث الوزن؛ حيث تزن الماسة الثانية ٥٢ و٤٥ قيراطًا، أمَّا الماسة الأولى فيبلغ وزنها ٨٥ و٤٥ قيراطًا».
عندما انتهى من إعادة قراءة الخبر شَرد يفكِّر: إن شراء ماسة لها هذه النُّدرة، وبهذا المبلغ الضخم، يجعلني أفكِّر أكثر من مرة؛ فسوف تكون لهذه الماسة حكاية.
بدأ ذهن «أحمد» يصحو أكثر، وبدأ يفكِّر في حكاية «الماسة الزرقاء»، لكنه في نفس الوقت كان في حاجة إلى النوم؛ لأنه سوف يصحو مبكِّرًا كالعادة، ولا يمكن أن يتأخَّر عن تدريبات الصباح، بجوار أنه لا يستطيع أن يتخلَّف عن الشياطين، ولم يحدث مرةً أن تَخلَّف عنهم؛ لذلك أطفأ النور وحاول أن يستغرق في النوم.
بدأ يُجري التمارين التي يعرفها، والتي تجعله ينام سريعًا، ولم تمضِ دقائق حتى كان قد استغرق في النوم فعلًا، لكنه في تمام السادسة صباحًا كان يقفز من السرير وهو في منتهى النشاط، وكان أول شيء خَطَرَ على ذاكرته هو حكاية «الماسة الزرقاء». وبسرعة أمسك بالجريدة وأعاد قراءة الخبر للمرة الثالثة، وعندما انتهى منه ألقى الجريدة جانبًا وأسرع إلى الحمام، في الوقت الذي كان جرس التليفون يرن ضغط زرًّا بجوار الحوض فتردَّد صوت «رشيد»: هل ما زلت نائمًا؟
أجاب «أحمد»: لقد استيقظتُ منذ دقائق قليلة مضت … لكن هناك ما يشغلني.
سأل «رشيد»: وما هو؟
أجاب «أحمد»: سوف أُخبرك عندما نلتقي جميعًا؛ فهي مسألة تُهم الشياطين.
انتهى من الحمَّام فأسرع بارتداء ملابس التمرين، وأخذ طريقه إلى حيث يتجمَّع الشياطين لينطلقوا إلى أرض الملعب؛ فقد كانت تمرينات اليوم عبارةً عن بعض ألعاب القوى، الجري، والقفز الطويل، والقفز بالزانة، ورمي الجلَّة والقرص.
في الملعب بدأت المنافسة بين الشياطين على من يستطيع تحقيق أرقام أعلى. وكان المدرِّب يتابع محاولاتهم. وعندما انتهى التمرين كان «أحمد» و«بو عمير» و«عثمان» قد حقَّقوا أرقامًا جديدةً في القفز ورمي الجلة والقرص، بينما حقَّق «رشيد» و«باسم» و«مصباح» أرقامًا جديدةً في الزانة والجري. أمَّا «ريما» و«إلهام» و«زبيدة» فقد كانت أرقامهن متقاربة.
عادوا إلى حجراتهم على أن يلتقوا في المطعم لتناول الإفطار. وحرص «أحمد» على أن ينتهي من حمَّامه وثيابه بسرعة، ثم يذهب إلى قسم المعلومات قبل أن يصل الشياطين إلى المطعم.
وفي قسم المعلومات ضغط زر حرف «م»، فظهرت آلاف الكلمات والأسماء التي تبدأ بحرف «الميم»، ومن بينها جاء اسم «ماس». ضغط الزر الخاص به فظهرت على الشاشة الكبيرة التي أمامه مجموعة من المعلومات أخذ «أحمد» يقرؤها بسرعة.
كانت المعلومات تقول: «الماس حجر كريم تركيبه من الكربون النقي المتبلور … وهو شفَّاف أو نصف شفاف، وقد يكون به ظل من اللون الأصفر أو الأخضر أو الأزرق. والماس أعلا المواد صلابة. وأقدم موطن للماس في «الهند» و«بورنيو»، حيث وُجد في رواسب الطمي وتجمُّعات الأنهار. وأهم موارده الآن مناجم «جنوب أفريقيا»، حيث يُستخرج من الصخور النارية التي تملأ مصبَّات البراكين القديمة. أمَّا «البرازيل» فتُشتهر بالماس الأسود … الذي يُستخدم في صناعة آلات القطع والحفر.
وأشهر الماسات المعروفة في العالم جاءت من «الهند»، ومنها «المغول العظيم». وقد ضاعت هذه الماسة ولم يُعثر لها على أثر، ولا يُعرَف عنها شيء إلا من خلال كتابات وأوصاف الرحَّالة الفرنسي «جان تافرنييه».
ثم ماسة «أورلوف»، وقد أُهديت إلى «كاترين» الثانية قيصرة روسيا، وهناك أيضًا ماسة «جبل النور»، أو «كوهنور»، وهي جوهرة موجودة في التاج البريطاني الآن.
وجوهرة «كولينان»، وهي من ماسات جنوب أفريقيا، وقد أُهديت إلى الملك «إدوارد السابع» … وهي جوهرة ضخمة قُطعت منها ١٠٥ جوهرة؛ منها اثنتان عُدَّتا لزمنٍ طويلٍ أكبر ماسات العالم».
انتهى «أحمد» من القراءة، غير أنه في نهايتها كانت هناك جملة: «انظر «كوهنور»». ضغط زر حرف «ك» فظهرت الكلمات والأسماء ومن بينهم «كوهنور». ضغط الزر الخاص به، ثم قرأ ما ظهر على الشاشة:
««كوهنور» أو جبل النور، اسم ماسة هندية مشهورة في التاريخ. أدَّت محاولات اقتنائها إلى ارتكاب جرائم كثيرة؛ ففي عام ١٨٤٩م دخلت في حوزة البريطانيين، وبعد إعادة قطعها وصقلها ضُمَّت إلى جواهر التاج».
قال «أحمد» في نفسه: إذن فالماسة الزرقاء واحدة من الماسات النادرة.
لمعت لمبة حمراء في قسم المعلومات، فأدرك أنه تأخَّر، وأن الشياطين قد وصلوا إلى المطعم … أطفأ الأجهزة التي أمامه، ثم أسرع إلى حيث يوجد الشياطين. كانت عيناه تنظران في اتجاه «رشيد» الذي كان ينظر إلى «أحمد» بنظرات متسائلة … انضمَّ إليهم وبدأ بتناول إفطاره.
إلا أن «ريما» أسرعت تسأله: لعل قسم المعلومات كان يقدِّم إليك ما نحتاجه في المغامرة الجديدة!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: من يدري؟ فقد تكون حقيقة!
اقترب منه «رشيد» وهو يقول: ماذا يشغلك؟
بلع «أحمد» اللُّقمة التي في فمه، ثم قال: لقد قرأتُ خبرًا مثيرًا في إحدى الجرائد الصادرة يوم السبت الماضي؛ أي منذ أربعة أيام.
صمت فسأل «رشيد»: وما هو الخبر المثير؟
كان الشياطين يستمعون إلى ما يدور بين الاثنَين، فقال «عثمان»: لعله خبر الماسة الزرقاء.
ظهرت الدهشة على وجه «أحمد»، ثم ابتسم قائلًا: هل لفتت نظرك؟!
قال «عثمان»: وهل يَخفى مثل هذا الخبر؟ … بل إنني عرفت الكثير عن الماس، وأظن أنك قرأت نفس ما قرأته في قسم المعلومات.
ضحك «أحمد» وهو يقول: هذا رائع، فما رأيك إذن؟
قطع «بو عمير» الحديث قائلًا: فلْنعرف إذن حكاية الماسة حتى نشارككم الرأي.
نظر «أحمد» إلى «عثمان» الذي أخذ يشرح لهم ما قرأه، ثم ما عرفه من قسم المعلومات. وقبل أن ينتهي من حديثه تردَّد صوت جرس، فالتقت أعين الشياطين.
وقالت «زبيدة»: إنه الاجتماع.
سكتت لحظة، ثم تساءلت: تُرى، هل يكون من أجل «الماسة الزرقاء»؟
ردَّت «إلهام»: إنها مسألة مثيرة فعلًا، وقد تكون هي مغامرتنا القادمة.
سأل «أحمد»: ما رأيكم إذن؟
قال «فهد»: أعتقد أنها مسألة تستحق الاهتمام، بل إنني أُضيف أن الشخص المجهول لا بدَّ وأن يكون أحد الأثرياء العرب؛ فبينهم كثيرون لهم هواية جمع هذه الأشياء النادرة.
قال «أحمد»: لقد فكَّرت في ذلك فعلًا.
قالت «ريما»: أعتقد أن الاجتماع سوف يضع النقط فوق الحروف. وأمامنا دقائق فقط ثم نعرف.
ردَّ «باسم»: عندك حق. هيَّا بنا.
أخذ الشياطين طريقهم إلى قاعة الاجتماعات التي كانت تغرق في إضاءة هادئة. وعندما استقرَّ كلٌّ منهم في مكانه أُضيئت الخريطة الإلكترونية، وعندما ظهرت التفاصيلُ تردَّدت الابتساماتُ فوق أوجه الشياطين.
لقد كانت الخريطة ﻟ «سويسرا»، تلك الدولة الصغيرة التي تبلغ مساحتها ٤١ ألفًا و٢٨٨ كيلومترًا مربعًا، في حين أن الأردن تبلغ مساحتها ٩٦ ألفًا و٦١٠ كيلومتر، واليمن ١٩٥ ألفًا و٦١٠ كيلومتر، والسعودية ٢ مليون و٢٥٣ ألفًا و٣٠٠ كيلومتر مربع، ومصر مليون كيلومتر مربع، وهي تقع بين فرنسا و«إيطاليا» وألمانيا والنمسا. ورغم صغر مساحتها إلا أنها تُعتبر بنك العالم كله.
همست «إلهام»: هل أكَّدت الخريطة طبيعة المغامرة القادمة؟
ردَّت «ريما»: ما زلنا في انتظار الزعيم الذي سيقول الكلمة الأخيرة … فمن يدري؟ قد تكون المغامرة لها طبيعة أخرى!
فجأةً تردَّد صوت رقم «صفر» يقول: ها أنتم قد عرفتم طبيعة المغامرة الجديدة. قد تكون هناك فقط بعض التفاصيل الصغيرة عن مالكها الجديد … أمَّا «أحمد» و«عثمان» فقد جهَّزا نفسَيهما للمغامرة.
سكت رقم «صفر» لحظة، ثم أضاف: سوف أكون عندكم حالًا.
نظر الشياطين إلى بعضهم. لقد تحدَّدت المغامرة إذن. إنها حكاية «الماسة الزرقاء» … صحيح أنهم لا يعرفون الآن ماذا حدث للماسة، لكن هي في النهاية قضيتهم الجديدة.
تردَّد صوت أقدام رقم «صفر» وهو يقترب حتى توقَّف. رحَّب بهم، ثم قال: التفاصيل التي يمكن إضافتها أن صاحب الماسة الجديدة هو الثري العربي «كريم الدين علي»، وهو من هُواة جمع الأحجار الكريمة النادرة، ويملك منها مجموعات غاليةً تمامًا؛ لكن «الماسة الزرقاء» تُعتبر أهم قطعة لديه الآن، وقد ظلَّ يتتبعها منذ سنوات حتى عرف أنها سوف تُباع في مزاد «كريستي»، فأرسل محاميه لشرائها … إن الماسة لا تزال في «جنيف» ولم تُنقل منها بعد، لكن كما تقول تقارير عملائنا في «سويسرا»، هناك احتمال كبير لمحاولة سرقة الماسة في لحظة نقلها من «سويسرا» إلى الدولة العربية التي ينبغي ألَّا نعلن اسمها الآن. وطبعًا سوف تكون عصابة «سادة العالم» خلف عملية السرقة. لمعت لمبة حمراء على شاشة الخريطة، فقال الزعيم: هناك رسالة عاجلة من أحد العملاء.
أخذ صوت أقدامه يختفي حتى اختفى تمامًا. نظر الشياطين إلى بعضهم. كان يتردَّد في خاطرهم سؤال: هل يمكن أن تكون قد سُرقت فعلًا الآن؟
مرَّت دقائق، ثم بدأ صوت أقدام رقم «صفر» يقترب، وعندما توقَّف قال: لقد سُرقت الماسة منذ نصف ساعة فقط!