معركة ليلية في الجبال
فكَّر «أحمد» بسرعة: ماذا يفعل الآن؟
قال في نفسه: إن «قيس» يمكن أن يُضيف شيئًا.
أسرع يرسل رسالةً إلى «قيس»، الذي ردَّ في لحظة. كان «قيس» في نفس الموقف. لقد تحوَّل المكان حوله إلى جدران فقط، دون منفذ … فأسرع يرسل رسالةً إلى الشياطين يشرح لهم فيها الموقف، وجاءه ردُّ الشياطين: هل ندخل المعركة؟
فكَّر «أحمد» قليلًا عندما جاءه الرد: هل يقع الشياطين كلهم في الفخ؟! إن ذلك سوف يعطي العصابة فرصة التصرُّف!
أرسل رسالةً سريعة: لا داعي مؤقَّتًا.
فجأةً كان الجدار ينشق. أخرج «أحمد» مسدسه بسرعة إلا أنه لم يستخدمه؛ فقد وجد «قيس» أمامه، سأله بسرعة: كيف أتيت؟
ابتسم «قيس» قائلًا: وهل يقف الشياطين عاجزين؟ إن جهاز الأشعة يستطيع أن يحل أي مشكلة.
صمت قليلًا، ثم أضاف: المهم، أين «بوذا» الآن؟
قال «أحمد»: لقد أصبح تحت الأرض، إلا أن الرسالة الجديدة التي وصلت من الشياطين غيَّرت الموقف تمامًا. كانت الرسالة تقول: «إن «الصقر» طار من العش، في الطريق إلى مكان مجهول!»
نقل «أحمد» الرسالة إلى «قيس»، ثم أخرج جهاز الإشارات. كان المؤشِّر يتحرَّك. فهم «أحمد» أن الماسة قد تحرَّكت من المكان، أرسل إلى الشياطين رسالةً شفريةً تقول: «ما الموقف الآن بالتفصيل؟»
وقبل أن يتلقَّى الرسالة، صرخ «قيس»: احذر، إن السقف يهبط!
نظر إلى السقف الذي كان ينزل بهدوء. فكَّر بسرعة: إن العصابة تريد أن تتخلَّص منا؛ فهي تظن أننا وحدنا.
لكن … هل تنجح العصابة؟
كان السقف يقترب منهما شيئًا فشيئًا. إن ذلك يعني أنه سوف يقترب حتى يلتصق بالأرض، وإن ذلك يعني أنهما سوف يختفيان إلى الأبد تحت السقف … فجأةً ابتسم «قيس»، فقال «أحمد»: إننا في موقفٍ صعبٍ يدعو فعلًا للضحك!
ردَّ «قيس»: هذه مسألة مثيرة؛ فلأول مرة نتعرَّض لمثل هذا الموقف.
اقترب السقف أكثر حتى أصبح قريبًا من رأسَيهما. مدَّ «أحمد» يده ولمس السقف الذي كان ينزل ببطء شديد وكأنه لا يريد فقط أن يقضي عليهما، ولكن أن يعرِّضهما للخوف الشديد قبل النهاية. أصبح السقف فوق رأسَيهما تمامًا. بدأ يضغط عليهما حتى إنهما اضطُرا إلى النزول على ركبتَيهما. بدأ الهواء يقل وأصبح تنفسُّهما صعبًا.
فجأةً ابتسم «قيس» مرةً أخرى وقال: إننا سوف نلعب معهم نفس اللعبة، فهم الآن يتصوَّرون أننا في طريقنا إلى النهاية؛ ولهذا سوف أقضي على سعادتهم.
بسرعة أخرج جهاز الأشعة وضغط زرًّا فيه وهو يوجِّهه إلى السقف في حركة دائرية واسعة. في نفس اللحظة كان يقترب من «أحمد» حتى التصق به … وعندما نزل السقف إلى رأسَيهما تمامًا انفصلت الدائرة التي أحدثها جهاز الأشعة عن السقف، وأصبح الاثنان خارج ضغط السقف عليهما.
هبط السقف نهائيًّا حتى التصق بالأرض، إلا أنهما كانا يقفان دون أي إصابة، وبسرعة تحرَّكا. كان أمامهما مكان متسع تمامًا، لكنه خالٍ من أي شيء، تحوطه الجدران. قال «أحمد»: لا بدَّ أن نخرج الآن.
ردَّ «قيس»: ينبغي أن نعرف الموقف جيدًا قبل أن نغادر المكان.
هزَّ «أحمد» رأسه موافقًا، وبسرعةٍ أرسل رسالةً إلى الشياطين، وجاءه الرد: «نحن نطارد العصابة؛ فقد هرب التمثال».
نقل «أحمد» الرد إلى «قيس» الذي قال: ينبغي أن نتبعهم. من الواضح أننا سوف ندخل معركةً كبيرة.
فكَّر «أحمد» قليلًا، ثم أسرع بإرسال رسالة إلى عميل رقم «صفر». كانت الرسالة تقول: «نحتاج سيارةً بسرعة، عند النقطة «م»».
جاء الردُّ من العميل: «بعد خمس دقائق سوف تكون السيارة عند النقطة المتفق عليها».
انتظر قليلًا، ثم أخذ «قيس» يقوم بعمله للخروج من المكان. استخدم جهاز الأشعة، وفتح فتحةً كافيةً للخروج، وعندما انتهت الدقائق الخمس كان الاثنان يخرجان إلى الشارع. ومع أول خطوة كانت سيارة العميل قد وصلت.
كانت سيارةً من النوع الموجَّه الذي لا يحتاج إلى سائق؛ فمن مركز العمليات في مقر عميل رقم «صفر» يتم توجيه السيارة إلكترونيًّا بواسطة الإشعاع. قفز الاثنان داخل السيارة، وبسرعة استطاع «أحمد» أن يرصد الاتجاه الذي تتحرَّك إليه سيارة العصابة، وخلفها سيارة الشياطين. أرسل رسالةً إلى «فهد» و«عثمان» و«رشيد» يخبرهم أنه و«قيس» في الطريق إليهم. وفي ذاكرة العقل الإلكتروني وضع كل المعلومات المطلوبة التي تتحرَّك السيارة بواسطتها، ودون حاجةٍ إلى سائق.
كانت السيارة تشق طريقها إلى الهدف المطلوب … كان الليل يُحيط بكل شيءٍ في مدينة «جنيف»، وكان الهدوء يعطي للمغامرة مذاقًا خاصًّا … حتى إن «قيس» علَّق قائلًا: إنها مغامرة جيدة؛ فلأول مرة نستخدم هذا النوع من السيارات التي لا تحتاج إلى جهد، والتي لها قدرة عالية على المناورة، بجوار سرعتها الفائقة.
نظر في مؤشِّر السرعة. كانت تنطلق بسرعة مائة وثمانين كيلومترًا في الساعة. رفع السرعة إلى مائتي كيلومتر، ثم قال: إننا بذلك سوف نلحق بهم سريعًا.
فجأةً وصلت رسالة من الشياطين: «إننا نتجه إلى جبال «الأَلب»، وسوف نمر في نفق «جوثار». يبدو أن العصابة سوف تتجه إلى «إيطاليا»».
سمع «أحمد» و«فهد» الرسالة، وقال «قيس»: يجب أن نلحق بهم قبل عبورهم الحدود إلى «إيطاليا»، وهذه فرصتنا.
أرسل «أحمد» رسالةً إلى الشياطين: «سوف تنتهي المعركة في جبال «الألب»، وقبل أن يمروا من الحدود».
في نفس الوقت رفع «قيس» سرعة السيارة إلى ثلاثمائة كيلومتر في الساعة. ضغط زرًّا في التابلوه فأُضيئت شاشة صغيرة، وعليها ظهرت نقطتان تتحرَّكان، واحدة خلف الأخرى.
وفي نفس اللحظة تحدَّدت المسافة بين سيارة «أحمد» وسيارة العصابة، ولم تكن كبيرة؛ فقط ثلاثين كيلومترًا. قال «قيس»: سوف نلحق بهم في خلال دقائق.
كان المثير حقًّا أن سيارة «أحمد» الموجَّهة بالعقل الإلكتروني بلا أضواء … ولذلك فقد كانت تخترق الظلام دون أن يكشفها أحد. أخذت السيارة تقترب من أول نقطة حمراء، وهي النقطة التي تحدِّد سيارة الشياطين … فجأةً ظهرت أضواؤها، فهمس «أحمد»: ينبغي أن ينتقل الشياطين إلينا حتى نتصرَّف معًا.
وبسرعةٍ أرسل إليهم رسالةً يطلب منهم الانتظار. وفي دقائق كانت سيارة «أحمد» تقف بجوار سيارة الشياطين التي أضاءت كشَّافاتها. وعندما شاهد الشياطين السيارة الإلكترونية صاحوا في دهشة، فقال «فهد»: إن هذا شيء رائع! لقد كنت فعلًا في انتظار استخدامها منذ أخبرنا بها رقم «صفر».
بسرعةٍ قفز بقية الشياطين إلى السيارة التي انطلقت.
قال «عثمان» وهو ينظر إلى الشاشة الصغيرة المثبتة في تابلوه السيارة: إننا خلفهم تمامًا.
ومن خلال زجاج السيارة الأمامي ظهرت سيارة العصابة بأضوائها التي تلمع في الظلام. سأل «رشيد»: ما هي الخطوة القادمة؟
قال «أحمد» بسرعة: سوف نتجاوز السيارة، ثم نعطي إشارةً بالتوقُّف. إنهم سوف يتصوَّرون أننا من الشرطة السويسرية، شرطة الحدود مثلًا؛ وفي هذه الحالة سوف تكون فرصتنا، نضربهم الضربة الأخيرة.
في دقائق كانت سيارة الشياطين قد تجاوزت سيارة العصابة التي كانت تنطلق بسرعة عالية، لكنها لا تستطيع بأي طريقة أن تتجاوز سيارة الشياطين الجديدة.
ضغط «قيس» زرًّا في تابلوه السيارة فأصدرت عدة إشارات وهي تبطئ من سرعتها لحظات، ثم توقَّفت أمام سيارة العصابة تمامًا. ورغم الإضاءة العالية التي كانت تصدر من سيارة العصابة، إلا أن الأضواء لم تستطِع أن تَنفذ من زجاج سيارة الشياطين الملوَّن بلونٍ بني.
همس «أحمد» بسرعة: فلينزل «رشيد» و«عثمان» حتى لا يكشفونا؛ فربما كان «بروك» بينهم.
نزل الاثنان واتجها بسرعة إلى سيارة العصابة. ضغط «قيس» زرًّا فتحرَّك مؤشِّر جهاز الاستقبال، الذي بدأ ينقل الحوار الذي يدور بين «عثمان» و«رشيد» وبقية أفراد العصابة.
جاء صوت «رشيد»: إلى أين تتجه السيارة؟
ردَّ صوت: إلى «إيطاليا».
قال «رشيد»: هل معكم جوازات سفر؟
ردَّ الصوت: نعم.
رشيد: هل يمكنني أن أراها؟
مرَّت فترة صمت، ثم تردَّد صوت «رشيد» مرةً أخرى: هل تحملون أجهزةً تخضع للجمارك؟
الصوت: لا.
رشيد: سوف نقوم بالتفتيش!
الصوت: لا بأس، إننا لا نحمل شيئًا؛ فنحن في رحلة سياحية.
رشيد: لا بأس، فقط يجب أن يتم التفتيش.
همس «فهد»: يجب أن نأخذ حذرنا حتى لا يفاجئنا أحدهم بطلقة في الظلام.
قال «أحمد»: سوف نغمرهم بضوءٍ قويٍّ حتى لا يتصرَّف أحد منهم.
وفي لحظةٍ كانت سيارة الشياطين تُصْدر ضوءًا قويًّا كشف سيارة العصابة ومن فيها ومن يقف خارجها في نفس اللحظة. كان «قيس» قد أخرج مسدسه وأطلق طلقةً رنت في صمت الليل، وأعقبتها صرخة … فلقد رأى «قيس» أحد أفراد العصابة يُخرج مسدسه، فعالجه بطلقة في يده أسقطت المسدس من يده، وقال: إن «بروك» داخل السيارة.
فجأةً كان «عثمان» يطير في الهواء؛ فقد فاجأه أحد الواقفين خارج السيارة بضربة قوية، إلا أن «رشيد» كان قد تصرَّف بسرعة؛ فقد ضرب الواقف أمامه ضربةً مفاجئةً أيضًا أطاحت به. وقبل أن يغادر الشياطين سيارتهم كانت سيارة العصابة قد انطلقت فجأةً وتجاوزت سيارة الشياطين. أمَّا الثلاثة الذين نزلوا منها فقد اشتبكوا في معركة سريعة، إلا أن الشياطين كانوا أسرع منهم؛ فقد ضرب «فهد» أحدهم ضربةً قويةً أسقطته على الأرض وهو يلتوي من الألم.
في حين كان «رشيد» قد طار في الهواء وضرب أقربهم إليه ضربةً جعلته يدور، ثم يسقط على الأرض. أمَّا «قيس» و«أحمد» اللذان لم يُغادرا السيارة فقد انطلقا خلف سيارة العصابة، وتركا الشياطين لينهوا المعركة التي لم تستمرَّ طويلًا. في نفس الوقت أرسل «أحمد» رسالةً إلى الشياطين يخبرهم أن ينتظروا في نفس المكان حتى يعود إليهم. فجأةً توقَّفت سيارة الشياطين؛ فقد كانت سيارة العصابة أمامها مباشرة. وعندما ضغط «قيس» زرًّا أضاء المكان تمامًا، فلم يجد أحدًا داخل السيارة.
قال «قيس» بسرعة: لقد هربوا!
ردَّ «أحمد» في هدوء: لا بأس، فإلى أين سيهربون؟ إنهم لا يعرفون أن التمثال يُصدر ذبذبات يلتقطها جهاز الإشارات فنعرف أين هم.
أخرج جهاز الإشارات وبدأ عمله. تحرَّك مؤشِّر الجهاز محدِّدًا اتجاه اليمين، وقال «أحمد»: إنهم يتحرَّكون في هذا الاتجاه … إن المهم الآن أن ينضم إلينا باقي الشياطين.
صمت لحظة، ثم أضاف: سوف أبقى هنا، وعليك بإحضارهم.
غادر «أحمد» السيارة واختبأ في الظلام في انتظار عودة الشياطين؛ فقد تأكَّد الآن أن «الماسة الزرقاء» أصبحت تحت يديه.