«رشيد» … يتحدَّث بلغة الذئاب
لم تنقضِ دقائق حتى كان الشياطين قد عادوا، وفي داخل السيارة عقدوا اجتماعًا سريعًا. قال «فهد»: إنهم يتحرَّكون الآن في مكان لا تستطيع السيارة أن تمرَّ فيه، ويبدو أنهم يتجهون اتجاهًا مُعيَّنًا؛ فقد يكون لهم مقر هنا، أو تكون لديهم خطة لمن يلقاهم عند الحدود؛ لذلك علينا أن نتجه إليهم سريعًا قبل أن تدخل أي عوامل جديدة تكون في غير صالحنا.
أضاف «أحمد»: هذا صحيح، لكنه لا يخيفنا. إن سيارتنا لن تحتاج لمن يسوقها، ونحن نستطيع أن نستخدمها في أي لحظة. إن علينا الآن أن نُسرع إليهم تبعًا للاتجاه الذي يحدِّده جهاز الإشارات، وقبل أن يحدث شيء كما قال «فهد».
غادر الشياطين السيارة بسرعة واتجهوا إلى يمين الطريق كما حدَّد الجهاز. كانوا يتقدَّمون بسرعة، ورغم أن المكان كان يمتلئ بالحجارة والرمال، إلا أنهم كانوا يقفزون برشاقة حتى مع الظلام.
فقد كان الجهاز يقودهم إلى حيث يتحرَّك الآخرون.
فجأةً همس «رشيد»: إنني أسمع صوت أقدامهم. إنهم أمامنا مباشرة.
أنصت الشياطين، وانحنى «أحمد» على الأرض واقترب بأذنه منها، ثم استمع وقال: لقد توقَّفوا، لكني أسمع صوت دقات.
انحنى بقية الشياطين على الأرض وأخذوا يستمعون. قال «عثمان»: يبدو أنهم يُخبِّئون شيئًا في بطن الأرض؛ فالصوت صوت حفر.
أسرع الشياطين، بينما كان «أحمد» يمسك بجهاز الإشارات، فجأةً قال: إننا نقترب منهم تمامًا، ويبدو أنهم يختبئون في مكانٍ ما.
اقترب الشياطين أكثر … فقال «أحمد»: يبدو أن التمثال هنا.
أخرج «رشيد» مصباحًا وأضاءه. أخذ يبحث فوق الأرض عن آثار حتى توقَّف فجأةً صائحًا: هذه آثارهم!
أسرع الشياطين إليه. كانت هناك آثار فوق الأرض. اقترب «أحمد» بالجهاز منها، ثم قال: إن التمثال هنا.
أخذ «عثمان» و«قيس» يحفران الأرض، ثم فجأةً صاح «عثمان»: ها هو التمثال!
قال «قيس» في فرح: لقد تصوَّروا أننا سوف نقع في خداعهم …
حمل «عثمان» التمثال بين يديه، ثم قدَّمه ﻟ «أحمد» الذي نظر إليه نظرةً فاحصة، ثم قال: هناك خدعة جديدة!
نظر له الشياطين في دهشة، وسأل «فهد»: ماذا تعني؟
ضغط «أحمد» بيدَيه في قوة على جسم التمثال فانشطر نصفَين، وكانت دهشتهم جميعًا. لقد كان التمثال خاليًا! هتف «أحمد»: يبدو أنهم اكتشفوا الحقيقة فخدعونا بدفن التمثال خاليًا في الأرض، وبينما هم يحملون الماسة معهم.
سكت لحظة، ثم قال: علينا أن نتبعهم الآن، وإلا فإنهم سيهربون منا، وربما إلى الأبد.
لكن لم يكن هناك اتجاه محدَّد يمكن أن يتجهوا إليه، قال «فهد»: إنني أقترح أن نقسم أنفسنا إلى قسمَين، وكل قسم يدور في نصف دائرة، على أن نلتقي في نقطة مُحدَّدة؛ وبذلك نكون قد استطعنا حصار المنطقة كلها.
وافق بقية الشياطين على اقتراح «فهد»، وانقسموا إلى فريقَين؛ فريق يضم «أحمد» و«رشيد»، وفريق يضم «فهد» و«قيس» و«عثمان». وتحدَّدت النقطة «ﻫ» ليلتقوا فيها. اتجه فريق «أحمد» ناحية اليمين، واتجه فريق «فهد» جهة الشمال. كان الليل مظلمًا تمامًا، حتى إنه لم يكن أحد منهم يستطيع رؤية موضع قدمه، في نفس الوقت لم يستطِع أحد منهم استخدام الضوء حتى لا ينكشف وجودهم؛ فأي لمحة ضوء تكون مكشوفةً تمامًا وسط المساحة الواسعة، والليل المظلم. وبعد مائة خطوة توقَّف «أحمد» فجأةً وهو يمسك بيد «رشيد»، ثم همس: انتظر، يبدو أننا قد أصبحنا قريبين منهم!
تسمَّع «رشيد» لحظة، ثم قال: إنني لا أسمع صوتًا.
ردَّ «أحمد»: إن هناك صوت أشياء تتكسَّر، وهذا يعني حركة أقدام فوق الصخور الصغيرة.
تسمَّع «رشيد» مرةً أخرى، لكنه لم يسمع شيئًا. انحنى على الأرض وألصق أُذنه بها. فجأةً همس: نعم، غير أنه صوت خفيف.
مرَّت لحظات، فهمس مرةً أخرى: إن الصوت يقترب أكثر.
في نفس اللحظة وصلت رسالة من الشياطين استقبلها «أحمد» على جهاز استقباله. كانت الرسالة شفريةً تقول: ««٥-٩-٢٧-٢٠-٢٨» وقفة «٦-٥» وقفة «٦-٨-٢٩-٥-٣-٦» وقفة «٢٥-٢٢-٢٩» وقفة «٢٩-١٦-٤-٢٩-٢٧» وقفة «٢٩-١٧-٢٩-٩-٢٢-٢٩-٦» وقفة «٢٧-٢٧-٢٢-٤» وقفة «٧-١-٥-٢٩» انتهى».
امتلأ وجه «أحمد» بالدهشة، وهمس ﻟ «رشيد»: هل يكون هذا صحيحًا؟
تساءل «رشيد»: ما هو؟
نقل «أحمد» ترجمة الرسالة إليه، فهمس: غير معقول!
مرَّت لحظة قبل أن يقول «أحمد»: هل تكون هناك خدعة جديدة؟
ردَّ «رشيد»: لاحِظ أننا أمام «سادة العالم»، وهم لن يقعوا في أيدينا بسهولة.
فكَّر «أحمد» لحظة، ثم أرسل رسالةً شفريةً إلى الشياطين: ««٢٩-٥-٥-٢٩» وقفة «٢٩-١-١٥-٢٩» وقفة «٥-٩-٢٧-٢٠-٢٨» وقفة «٦-٥» وقفة «٢٩-١٦-٤-٢٩-٢٧» وقفة «٣-٧» وقفة «٢٧-٢٠-٤-٥» وقفة «٢٣-٢٢-١٢-٣» وقفة «١٠-١» وقفة «٢٩-٧-٦-٤-٩-١٠» انتهى».
نظر إلى «رشيد» وهمس: هل لا تزال الأصوات تقترب؟
قال «رشيد» الذي كان يُلصق أذنه بالأرض: نعم، بل هي أكثر وضوحًا الآن!
فكَّر «أحمد»: هذه مسألة غريبة! هل يمكن أن نكون قد وقعنا بين عدد كبير من أفراد العصابة، أو إنهم يريدون أن نفترق حتى نقع في أيديهم، ويكون الانتصار لهم؟!
انحنى هو الآخر، وأخذ يتصنَّت. كانت أصوات أقدام تقترب. همس: إنهم يقتربون بسرعة، ويبدو أن عددهم قليل.
ردَّ «رشيد» مُتردِّدًا: إن الأقدام تنتقل برشاقة.
قال «أحمد»: قد يكونون من أهل المنطقة، ويعرفون كيف يتحرَّكون فوق هذه الأرض الصعبة!
فجأةً رفع «رشيد» رأسه في الهواء، ثم تشمَّم بقوة، همس «أحمد»: ماذا هناك؟
تشمَّم «رشيد» رائحة الهواء مرةً أخرى، ثم قال: هناك رائحة غريبة.
تساءل «أحمد»: ماذا تعني؟
وقبل أن يرد «رشيد» كانت رسالة جديدة قد وصلت استقبلها «أحمد». كانت رسالةً شفرية: ««٢٧-٢٩-٨-٢٢-٥-٢٩» وقفة «٦-٥» وقفة «٤-٢٥-٤-٢٢» وقفة «٢٩-١٠-٢٠-٢٩-٢٢» وقفة «٢٩-٧-١٢-١٦-٢٩-٢٨-٣» وقفة «١-٢٥-٢٨» وقفة «٢٩-٥» وقفة «٢٧-٥-١٥-٦-٤-٢٩» وقفة «٢٨-١٨-٢٠-١٢-٣» انتهى».
فجأةً هتف «رشيد»: احذر!
ألقى «أحمد» نفسه على الأرض، في نفس اللحظة التي سقط بجواره جسم خفيف، بينما كان «رشيد» قد أمسك خنجره وطعن طعنةً سريعةً وهو يقول: لقد شككت في ذلك فعلًا.
ارتفع صوت عواء ذئب، فأسرع «أحمد» بخنجره، وقبل أن يقفز الذئب فوقه كان قد سقط بلا حراك.
قال «رشيد»: لقد شممت رائحة الذئبَين قبل أن يفتكا بنا. إن صوت الأقدام فعلًا لم تكن صوت أقدام إنسان!
تنفَّس «أحمد» بعمقٍ وهو يقول: لقد كدنا نفقد معركةً بسبب ذئبَين. لاحظ أن المكان هنا يضم حيوانات أخرى مفترسةً غير الذئاب.
صمت لحظة، ثم أضاف: يجب أن نسرع إلى الشياطين؛ فإن رسالتهم الأخيرة تشير إلى أننا نقترب من ساعة الصفر …
في لمح البصر تحرَّك الاثنان في اتجاه بقية الشياطين، لكنهما لم يعرفا أين يقف الشياطين بالضبط. أرسل «أحمد» رسالةً تسأل عن المكان، وبسرعة جاءه الرد يُحدِّد النقطة التي يلتقون فيها. وعندما نقل «أحمد» الرد إلى «رشيد» قال: إن المسافة بيننا وبينهم لا تزيد على خمسمائة متر.
أسرعا في حركتهما برغم صعوبة الأرض التي كانت عبارةً عن مساحة متسعة بين جبلَين من سلسلة جبال «الألب». فجأةً توقَّف الاثنان. لقد سمعا صوت أقدام. قال «أحمد»: هذه ليست أقدام الشياطين.
أنصت قليلًا، ثم أضاف: يبدو أن أفراد العصابة يقعون بيننا وبين بقية الزملاء.
فكَّر «رشيد» لحظة، ثم رفع رأسه في الهواء وقلَّد صوت ذئب بطريقة يفهمها الشياطين.
مرَّت لحظة، ثم تردَّد صوت ذئب آخر. في نفس اللحظة سمعا صوتًا يقول: يبدو أن المنطقة مسكونة بالذئاب.
همس «أحمد»: إنه صوت «بروك»!
كرَّر «رشيد» صوت عواء الذئب، فردَّ عليه الصوت الآخر. وتردَّد صوت «بروك» مرةً أخرى: إن الذئاب في كل جانب، وهي قريبة منا تمامًا.
ردَّ صوت آخر: ليس أمامنا سوى المسدسات.
قال «بروك» بسرعة: احذر، إن ضوء الطلقات وصوتها يكشف مكاننا.
همس «أحمد»: إنها فكرة جيدة تلك التي استخدمتها معهم؛ فصوت الذئاب كشف الموقف تمامًا.
سكت لحظة، ثم قال: ينبغي أن نُحدِّد وقت الهجوم.
بسرعة كان «رشيد» يرسل إلى الشياطين رسالةً ضوئيةً على طريقة عواء الذئاب، وبسرعة تردَّد الصوت يحمل الرد، وحدَّد لحظة الهجوم، التي كانت بعد عشر نقاط. بدأ «أحمد» يبتعد، حتى إذا جاءت اللحظة المناسبة قفز الاثنان قفزةً واحدة؛ فقد كان أفراد العصابة على مسافة هذه القفزة.
في نفس الوقت كان «فهد» و«عثمان» و«قيس» يفعلون نفس الشيء.
لقد كان الشياطين كالصاعقة؛ فقد فاجئوا أفراد العصابة، حتى إنهم لم يستطيعوا التصرُّف. ضرب «أحمد» أقرب اثنَين إليه فأبعدهما عن المكان. كان تفكيره يتركَّز في «بروك» الذي توقَّع أن يكون هو حامل «الماسة الزرقاء». في نفس اللحظة كان «رشيد» قد ضرب شخصًا ضربةً جعلته يدور حول نفسه. بينما كان «عثمان» قد ضرب أحدهم ضربةً قويةً جعلته يسقط فيرتطم بالصخر صارخًا.
كان الظلام يُخفي ملامح الرجال … لكن الشياطين كانوا يعرفون أين يجدونهم … دار «قيس» حول نفسه وهو يُطيح بكل من يقابله، حتى إنه كاد يصطدم ﺑ «أحمد» الذي قفز خارج حدود دورته، وبسرعةٍ أخرج «أحمد» بطاريةً صغيرةً وأضاءها بحثًا عن «بروك». وكانت المفاجأة أن ضوء البطارية وقع أول ما وقع على وجه «بروك» الذي أغمض عينَيه، فقد وقع الضوء عليهما.
وكانت فرصة؛ فلم يُعطِه «أحمد» وقتًا حتى يتصرَّف؛ فقد قفز إليه بسرعة، ثم ضربه حتى إن «بروك» صرخ، وقبل أن يُفيق من الضربة كان قد وجَّه إليه ضربةً سريعةً أخرى، عندها شعر «أحمد» بالألم؛ فقد اصطدمت قدمه بشيءٍ صلب، وبسرعة أيقن أن قدمه قد اصطدمت ﺑ «الماسة الزرقاء».
احتمل الألم وتابع ضرباته بسرعة، حتى إن «بروك» العملاق لم يكن يدري من أين تأتيه الضربات، ولا كم واحد يضربه. في نفس الوقت كان بقية الشياطين يُنهون معركتهم؛ فمِن أفراد العصابة من سقط، ومن أسرع بالهرب.
أمَّا «أحمد» الذي ظلَّ يتابع ضرباته لم يتوقَّف حتى سقط «بروك» على الأرض وقد فقد قواه، وفي لمح البصر قفز إليه وهو يقول: «عثمان» ينضم إلى «بروك».
كان «عثمان» قد انتهى من ضرب آخر رجل أمامه، ثم قفز بسرعة في اتجاه «بروك» وأمسك به وكتَّف يدَيه إلى الخلف، بينما كانت يدا «أحمد» تبحثان عن «الماسة الزرقاء» التي وجدها مربوطةً فوق بطنه المنتفخ، وبسرعة كان يفتِّش ثياب «بروك» حتى اصطدمت يداه بالماسة، فأخرجها «أحمد»، وعندما أصحبت الماسة في يده هتف: لقد انتهت المعركة. كم هو محظوظ السيد «كريم الدين»!
وقف الشياطين لحظة. لم يكن هناك ما يفعلونه الآن سوى العودة سريعًا إلى حيث تقف السيارة، وعندما قطعوا الطريق الصعب أخرج «فهد» جهاز استدعاء السيارة، وضغط عليه. ولم تمضِ دقائق حتى كانت السيارة أمامهم. قفزوا داخلها، فانطلقت تشق قلب الليل إلى مدينة «جنيف».
وفي الطريق أرسل «أحمد» رسالةً إلى رقم «صفر» الذي رد: «أهنِّئكم؛ فالشياطين دائمًا ينتصرون في الوقت المناسب».