الفصل الثاني
(في منزل السيدة نظيفة) «حجرة بها دكة عليها شلتة ومخدات ثلاث — السيدة
نظيفة تلبس جلابية من الشاش الأبيض، ومتعصبة بمنديل، وفي رجلها القبقاب»
نظيفة
(تتكلم وحدها في الحجرة)
:
منزلي حولي نظيفٌ
وأنا الست نظيفهْ
وبلاطي ذاك أنقى
بكثير من صحيفهْ
كل ما كلَّفني ما
ءٌ وصابونٌ وليفهْ
لا بساطٌ لا كليمٌ
لا حريرٌ لا قطيفهْ
غير هذي الخشبات الـ
ـخيزُراناتِ الخفيفهْ
ليس بيتي كبيوت الـ
ـناس أحمالًا كثيفهْ
أنا بيتي في الهواء الطَّـ
ـلْقِ والشمس اللطيفهْ
ودكتي تلك أغلى
لديَّ من ألف صفَّهْ
كم مال زوجي عليها
وكان يقطر خفَّهْ
جلستُ فيها عروسًا
واليوم إذ أنا قُفَّهْ
(بعد أن ترى «حُسنَى» الخادمة داخلة عليها وبيدها شيء)
تعالَيْ يا ابنتي جيئي
بماذا جئتني «حُسنَى؟»
حُسنَى
:
أنا مولاتي فِداكِ
والآن هل آخذ خَرْجَ
٤ النهار
نظيفة
:
امضِي خذيه إنه في «الكرار»
نظيفة
:
رأسٌ من الثومِ وخمـ
ـسٌ من صغارِ البصلِ
نظيفة
:
كأمسِ، لَمْ أُقَلِّلِ
أوقيةٌ
نظيفة
:
لقد غلا سعرًا ولا
يُعجبني السعرُ الغَلِي
حُسنَى
:
ليتك بالزيت افتكر
تِ والدقيقِ والعسلْ
نظيفة
:
ولِمَ يا حسنى أرا
كِ اليومَ عادَك الخَبَلْ؟
نسيتِ أنَّ ها هنا
وتحت هذي الكَنبهْ
العشراتِ من قديـ
ـمِ الكعك والغُرَيِّبَهْ؟
نظيفة
:
اشتهتكِ عقربَهْ
وما الذي اشتريت يا
«حُسنَى» لنا من الخضَرْ؟
حُسنَى
:
«الباميا» كأنها الزُّ
مرُّدُ الخامُ الحجَرْ
نظيفة
:
«الباميا»؟ منذ متى
هذا الخضارُ قد ظهرْ؟
حُسنَى
:
جديدة. قلت: عسى
سيدتي بها تُسَرْ
نادَى المنادونَ عليـ
ـها منذ أسبوعٍ عَبَرْ
ترفلُ في شوكتِها
وفي شبابها النَّضِرْ
نظيفة
:
أجل لقد أكلتُها
في منزل الشيخ «عمرْ»
كالذهب الإبريزِ والـ
ـثومُ عليها كالدررْ
نظيفة
:
أمرَّ من طعم الصَّبْر
اشتُرِيَتْ غاليةً
مثلَ البواكيرِ الأُخَرْ
نظيفة
:
وبِمْ تُرى جَزَيْتِهِ؟
بقبلةٍ مستعجلهْ؟
امضي فتاتي واطبخي
«دقيّة» مكمِّلَهْ
كأنها خليَّةٌ
من عسلٍ محمَّلَهْ
والثوم فيها لؤلؤٌ
وهي به مكلَّلَهْ
والعظم …
نظيفة
:
احذَري
يُتعبني أن آكُلَهْ
حسنى
:
اللحم يا سيدتي
في «الباميا» ما أسهلَهْ
حُسنَى
:
الآن أغسلِ البلا
طَ ثم أمضِي أطبخُ
(تنسل السيدة إلى حجرتها … يدخل جمال)
حُسنَى
:
صنعتي الـ
ـيومَ وصنعتي غدا
على البلاط أنحني
أغسله كما ترى
جمال
:
يا رب لِمْ خلقتَ للـ
ـعذابِ هذه اليَدا؟
حُسنَى
:
لا..لا عذاب سيدي
إني أحب العملا
جمال
:
وأين جدتي فإ
نِّي لا أراها ها هنا
حُسنَى
:
أظنها مضتْ تصلِّـ
ـي فِي الخِزانةِ الضحى
جمال
:
لله أو للمال يا
حُسنَى تُرى؟
حُسنَى
:
كما تشا
ما لي وما تعملُهُ؟
لكلِّ عبد ما نَوَى
جمال
(لنفسه وقد رأى كيسًا على الدكة)
:
ما ذاك تحتيَ … كيسٌ؟
بُشرايَ، هذا جرابُ
أعامرٌ ليت شعري
جرابُها أم خرابُ؟
كيسٌ؟ أجلٌ كيسٌ وحُسـ
ـنَي لا ترى … لا تسمعُ
(ثم يقبله)
كيس وفيه ذهبٌ
آخُذُهُ أم أدَعُ؟
(يتركه مترددًا)
لا … لا … ألصٌّ أنا؟ لا
ليت يدي تَنقطِعُ
(يتناوله)
(يفتحه ويعد ما فيه)
جنيهان … ريالانِ
وهذا فصُّ ياقوتٍ
وذي سُبحةُ مَرجانِ
(يخرج ما في جيبه)
لننظرُ ما حوى جيبي
أقرشان ونصفانِ؟
حرامٌ شدة البخل
حرامٌ طولُ حرماني
(يرد نقوده، وينظر إلى الكيس)
فإن مددتُ نحو كيسها اليدا
سرقتُ نفسي ما سرقتُ أحدا
ولا أرى سارقَ نفسه اعتدَى
لا يا جمالٌ … ما رأى
رأيَكَ في الناس أحدْ
من قال مالُ الوالديـ
ـنِ مُستباحٌ للولدْ؟
حُسنَى
(وقد نظرت إليه خلسة فرأته، وهو يسرق)
:
يا أسفا على جمالٍ ما صنعْ؟
جاء إلى الكيس مرارًا ورجَعْ
حام عليه برهةً ثم وقعْ
(لنفسها)
ويحَ جمالٍ جَرؤتْ
على الحرام راحتُهْ
ما كان لصًّا إنما
جَنَت عليه جدَّتُهْ
جمال
(يدس الكيس في جيبه)
:
ولِمَ لا؟ والمال مالي بعدَها
وإنَ تصرفت بمالي وحدَها
وديعتي حتى تموتَ عندَها
(يخرج مسرعًا)
حُسنَى
:
يا ألفَ ويلي على جمالٍ
انسلَّ كاللصِّ في الظلامِ
الفقر والبخل صيَّراه
من ابن بيتٍ إلى «حرامي»
هو لصٌّ وسارقٌ
غيرَ أني أُحبُّهُ
حرمتُه القليلَ من
حقِّهِ … أين ذنُبهُ؟
إني بعيني هذه
رأيتُه مرددا
لما أحسَّ المال جُـ
ـنَّ وأضاع الرَّشدا
على الضمير والعفا
فِ والحجا تعوَّدا
لو ملأتْ جدَّتهْ
يديه ما مَدَّ اليدا
(ثم تسمع ضجة فتقول)
قد رن في الحجرة قبقابها
صلَّتْ وعادت من مُصلاها
وما درتْ وهي تصلَّي الضحى
أنَّ جمالًا من ضحاياها
(تدخل السيدة نظيفة بدون أن ترى «حُسنَى») (فتقول حُسنَى
لنفسها)
تسرع نحو كيسها
لم تَرَني … فلننتظرْ
ماذا تُرى تفعل؟ هل
تبكي دمًا أم تنتحرْ؟
نظيفة
(لنفسها)
:
كِيسي كان ها هنا
من ساعةٍ … شيءٌ عجبْ!
من يا تُرى طَيَّرَهُ؟
كيف اختفى؟ أين ذهبْ؟
فيه ريالان وفيـ
ـهِ قطعتان من ذهبْ
وضعتُه هنا وغبـ
ـتُ عنه … ليت لم أغبْ
كِيسِي حبيبي أين أنـ
ـتَ؟ كيف ألقاك؟ أجِبْ!
كِيسيَ … يا رب أعدْ لي كيسِي
وخذه لي يا رب من إبليسِ
وكلِّ لص فاجر خسيسِ
إن عدتَ لي فشمعةٌ
للحنفي أو شمعتانْ
قرش يعود لي به
من القروش مائتانْ
وشمعةٌ للسيدهْ
توضعُ في مسجدِها
تبيت فيه مُوقدَهْ
بالقرب من مَرقدِها
لا، أنا في فقرٍ إلى شمعةٍ
سيدتي «زينبُ» بِي عالمهْ
ولم يَرَ الناس ولم يسمعوا
سيدةً تأخذ من خادمهْ
(ثم بعد أن ترى «حُسنَى»)
نظيفة
:
تعالَيِ اسمعِي
خلِّي البلاطَ
نظيفة
:
ما لم أكُنْ أنتظِرُ
مصيبةٌ فاجعةٌ
نظيفة
:
كيسِي كان ها هنا
طيَّره المُطَيِّرُ
حُسنَى
:
وهل ظننتِ السوءَ بي سيدتي؟
نظيفة
:
أستغفر الله ابنتي أستغفرُ
«حُسنَى» ابنتي خادمتي تسرقني؟
ذلك ما ليس ببالي يخطرُ
في ذمةِ الله كيسِي
عوّضني الله عنهُ
واللصُّ لا بد يومًا
يقتصُّ لي الله منهُ
حُسنَى
:
سيدتي مسرفةٌ
سيدتي مضيّعَهْ
إن الجرابَ لم يكنْ
هذا المكانُ موضعَهْ
نظيفة
:
اذهبي يا ابنتي عرفتُ غريمي
أنت لا تجهلينه فهو منّا
نظيفة
:
سلي ضميرَك عنه
أنتِ منه مُلئتِ قلبًا وذهنًا
حُسنَى
:
بل تظنِّينَ ظنًّا
مَن؟ جمالٌ؟ هذا محالٌ فَظُنِّي
بِي أنا السوءَ
حُسنَى
:
إذن مَن؟ قِطةٌ في البيـ
ـتِ لمَّا لَمْ تجدْ لحمَا
مضت بالكيس ظَنَّتْهُ
هو الجلدَ أو العظما؟
نظيفة
(مستضحكة)
:
امضي اذهبي يا خَباثْ
يا نكبةٌ في الإناثْ
أوشكتْ تدخلُ الضحى … البَسي الفو
طَة «حُسنَى» طِيري إلى الكانونِ
واحذري الطَّبخ أن يشيطَ وسُدِّي الـ
ـبابَ دون الأنوفِ … دون العيونِ
حُسنَى
:
سيدتي ها أنا ذِي
ذاهبةٌ لشانِيا
انتظريِني ساعةً
ثم انظُرِي طعاميا
(تخرج)
نظيفة
(لنفسها)
:
قد ذهبتْ لشأنها
اليوم يومُ «الباميا»
«حُسنَى» اذهبي إني لفي شكٍّ وإن
أظهرتُ أنّي بكِ جِدُّ واثقهْ
قد سُرِقَ الكيسُ وما من أحدٍ
سواكِ في البيت فأنتِ السارقَهْ
ولكني أداريكِ
فَأخْفِى خبرَ البئر
وكم سيدةٍ قيَّـ
ـدَها الخادمُ بالسرِّ
(جمال يدخل)
نظيفة
:
لا يزالُ
وأنت ما تصنع يا
جمالُ؟ كيف الحالُ؟
جمال
:
الحال يا جدَّهْ
زفتٌ وقطرانْ
نظيفة
:
كيف؟ انفُضِ الجيب
فيه جنيهانْ
جمال
:
أنا؟ جنيهانِ؟ ومن أين له؟
جيبي حتى من ريالين خَلا
جدةُ
نظيفة
:
روحي.. تكلَّمْ
ماذا؟ فداكَ البَنونا
جمال
:
أقول لكن عدِيِني
جدةُ لا تغضبينا
نظيفة
:
إلا النقود فإنني
حلفتُ أمسِ يَمينا
جمال
:
إذن امضي كما جئتُ
إذن لا شيءَ يا جدهْ
على أنَّي لم أظفرْ
بشيءٍ منكِ من مدَّهْ
جمال
:
قد مضى شهرٌ عليها
تلك شمَّتْها يدُ النـ
ـشالِ فانسلَّتْ إليها
نظيفة
:
لا حَرَمَ الله اللصوصَ خيرَكا
ما بالهم لا يسرقون غيرَكا
لم تَلْقَنِي وتنصرفْ بمالي
إلا وعادتْ قصةُ النَّشالِ
كأن مالي ليس بالحلالِ
جمال
:
لم أقلْ مالُكِ يا جـ
ـدَّةُ سُحْتٌ أو حرامْ
فلقد يُسرق مالُ اللـ
ـه والبيتُ الحرامْ
جمال
:
لا تقولي
فما إلى مالِك من سبيلِ
لعين حاسدٍ ولا فُضولي
مالُكِ في اللحافِ والمنديلِ
مالُكِ في القفَّةِ والزنبيلِ
وتحت ماءِ البئرِ في برميلِ
نظيفة
:
في البئر؟ إنَّ ذا عجب
ماذا تصوغ من كذِبْ؟
(في اضطراب)
جمال لا تَنْسَ الأدَبْ
في البئرِ يا ابِني؟ هذه
ما خطرتْ ببالي
لِمْ لا تقول المالُ قد
خبَّأتُ في سِروالي؟
لكن هَبوني قد فعلـ
ـتُ ما لَكم ومالي؟
ألستُ يا ابنِي حرَّةْ
بصيرةً بمالي؟
أصنعُ ما شئتُ به
أصنع ما بدا لي
جمال
:
هَوِّني جدتي عليك فإني
لم أنازعكِ هذه الحريَّهْ
خبِّئِي المالَ حيث شئتِ من المنـ
ـزلِ في السقفِ أو وراء حَنِيَّهْ
ادفنيه في مطبخ أو كرارٍ
أو لحافٍ أو شلتةٍ أو حَشِيَّهْ
أو فَوارِيهِ في قَرارةِ بئرٍ
ذاتِ عمقٍ عن الظنونِ خفيَّهْ
جدتي هذا كثيرٌ
ما الثلاثون ريالا؟
هي يا جدة ليست
عند أمثالي مالا
لا يمينًا ملأتْ يو
مًا ولا أغنتْ شِمالا
نظيفة
:
ما أنتم رجالا
هي تَبنِي ثروةَ المر
ءِ إذا كانت حلالا
اسمع جمالُ
نظيفة
:
جَدُّكَ يا بُنَيَّ كان مُفلِسا
نظيفة
:
لا يا ولدي
بل كان أشقى حالةً وأتعَسا
أسَّسَ من شروي نقيرٍ ثروةً
جمال
:
لم تذكُري جدةُ كيف أسَّسَا
ألم يكنْ سكناهُ رَبْعًا دارِسا؟
ألم يكن طعامه المدمَّسَا؟
ألم يكنْ على البلاطِ نومُهُ؟
ألم يُحَرِّمْ نَفسَه أن تَلبسا
نظيفة
:
ومَن نبَّأكَ؟ أو مَن ذا
رأى جدَّكَ عُريانا؟
جمال
:
هَبيهم لم يُنَبُّونِي
كفاني بك عنوانا
جدتي ما رأيت قطُّ على جسـ
ـمِكِ مُذْ كُنْتُ غير هذي الثياب
بدِّلي ثوبك القديم أهذا
كفنٌ يُرتدَي ليومِ الحسابِ؟
وعلى الرأس ذلك الشاش و(الأو
يَةُ) مَلا تَطَاوُلَ الأحقابِ
قد عفا رقعتيهما النشر والطـ
ـىُّ وطولُ المدَى وطولُ الخِضابِ
لَم يَر الناظرونَ رجليكِ إلا
كصبيِّ الحمَّامِ في القبقاب
جمال
:
دعيني
اتركيني (أفشُّ) جدةُ ما بي
والدي مات في الشباب من الحِر
مانِ واليومَ تقتلين شبابي
نظيفة
:
لا تذكِّرْنِيَ العزيز جمالُ
وَدَعِ الجرحَ، لا تحرِّكْ مُصابي
نظيفة
:
بَعُدَ الشـ
ـرُّ بل اسلمْ وحُطَّني في التراب
إن يا ابني الجراب والمالُ فيه لكَ
جمال
:
مَن لي ببعض ما في الجراب؟
ما انتفاعي به؟ كُلِيه … اشربيه
بعد ما آذن الصِّبَا بذهابِ
(تغرورق عيناه بالدمع)
اصفحي جدةُ عما
كان مني واغْفرِي لي
وَائْذَنِي أيتها الجـ
ـدَّةُ أمضِي لسبيلي
نظيفة
:
لقد نسيتُ يا جما
لُ وطويتُ ما جَرى
والآن أدعوكَ
نظيفة
:
للغَداء، ما تَرى؟
ابقَ جمالُ نقتسِمْ
لونًا جديدًا غاليًا
ابقَ بنيَّ كُلْ معي
اليومَ عندي «باميا»
جمال
:
«الباميا» جديدةٌ؟
من قال يا جدَّتِيا؟
نظيفة
:
في «الباميا» خَلِّ الطها
ةَ وخُذ الطَّواهِيا
وطبخُ «حُسنَى» يحفظَ الشَّـ
ـبابَ والعَوافيا
اجلسْ جمالُ ساعةً
وناجني بحاجتِكْ
جمال
:
أنا يا جدتي كبرتُ
ولا أطلب إلا الزواج
نظيفة
:
لا تَدْعُ «حُسنَى» خادمًا
جمال
:
لقيطةٌ ربَّيْتِها
أنت، أليس هكذا؟
نظيفة
:
تذاكَرنا الزواج تعالَ ننظرْ
زواجَكَ كم يكلِّف يا جمالُ
نظيفة
:
أعندك ما لنصف الألفِ بالُ؟
(لنفسها)
مآتم مصرَ لا يُبقي عليها
ولا يُبقي على الأفراح مالُ
(ثم إلى جمال)
اشرحْ جمالُ ما يكونُ المهرُ
جمال
:
و«شبكة» تصلح أن
تُهدَى وأنتِ المُهْدِيَهْ
نظيفة
:
أُخرِجُها من مالِيَهْ؟
جمال
:
ومئةً كِراءَ بيـ
ـتٍ للعروس ولِيَهْ
نملؤه أمتعةً
وحلية وآنيَهْ
ومئةً لفَرَحِي
ومئَة لجيبيَهْ
نظيفة
:
واحيرتي! واضيعتي!
«جمالُ» وا خرَابيَهْ
إنْ أنا زوجتكَ يا ابـ
ـنِي بعتُ ما ورائيهْ
جمال
:
إذن فاعلمي جدتي أنني
خطبتُ
نظيفة
:
وما لِي ومَن تخطبُ؟
أحقًّا خطبتَ؟
نظيفة
:
ومن تلك؟ ما بيتها؟ ما الأبُ؟
جمال
:
فتاةٌ من «الخُط» بنت النقيبِ
نظيفة
:
بلا والدٍ واسمها «زينبُ»
هنيئًا لك البيتُ بيتُ العفافِ
جمال
:
وبيتُ الِغنى، والغنى يُطلبُ
نظيفة
:
أأنتَ تعرِّفُني من تكون
وما مالُها؟ إنها تكذِبُ
لأنت أسعدُ منها
وأنت أكثر مالا
جمال
:
أنا؟ انظري ذاك جيبي
هل تُبصرين ريالا؟
نظيفة
:
بل تلك «حُسنَى» فتاتي
أتمُّ منها جمالا
وربما صارت على فقرها
أكثرَ منها في غدٍ مالا
وكيف وجدتَ المالَ يا ابني؟
نظيفة
:
وممن وكم يا ابني وكيف رِباه؟
ومن أين تَقضِي الدينَ؟
جمال
:
يقضِيه قادرٌ
على الشيء لا يَقْضِي الديونَ سواهُ
نظيفة
:
ازعق «جمالُ» نادِ «حُسنَى» ادْعُها
(ثم تنادي)
نظيفة
:
عندي «جمالُ» يتغدَّى معي
هاتي حديثَ «الباميا» هاتي
حُسنَى
:
سوف ترى يا سيدي صَنعتي
وسوف تنسى «كفتة الحاتي»
نظيفة
:
حُسنَى بذلتِ كثيرًا
وما رَفقتِ بمالي
أكفتةٌ بيمينٍ
وبامِيا بشِمال
حُسنَى
:
سيدتي لا تغضبي لا لَحم في الـ
ـمطبخِ لا كفتةَ لا كبابا
العظمُ لا غيرَ ملأتُ «البامِيا»
منه … فطابت نكهةً وطابا
نظيفة
:
(ثم لجمال)
اسمع لها
«جمالُ» كيف تُحسنُ الجوابا
جمال
:
جدتي هل فَكَرْتِ في أمرِ «حُسنَى»؟
حُسنَى
:
لا، لا
سيدي، ذاك لم يَمُرَّ بفكري
أنتَ يا سيدي «جمالُ» كثير الـ
ـمَزْحِ فاجعلْ مَحَلَّ مزحكَ غيري
أنا لا أقبل الزواج بإنسا
نٍ ولو ساق مالَ قارونَ مهري
أنا ما عشت لا أفارق هذا الـ
ـبيتَ إلا إلى قَرارةِ قبري
نظيفة
:
(ثم لجمال)
سَمعت كيف أجابت؟
كيف لم تنسَ حناني وبِرِّي؟
(وتهم السيدة نظيفة بالوقوف)
نظيفة
:
قريبًا … خُطوتَيْنْ
أنا قد خبَّأتُ أمسِ
لك يا ابني مَوزتَيْنْ
(تمشي وتخرج)
جمال
(لحُسنَى)
:
بَعُدَتْ جدتي تعالَيْ أقبِّلْـ
ـكِ تعالَيْ حبيبتي قبِّليني
حُسنَى
:
بعُدَتْ فليكنْ عفافي وديني
حول عِرضي لا يُبعِدُ الله ديني
إن أكن خادمًا فنفسيَ في خِد
رٍ من النبلِ والعفافِ مَصونِ
ابغِ يا سيدي سواي لما تد
عو له اليوم من خسيسٍ ودُونِ
جمال
:
هيّا حُسنَى لا يذهب الوقتُ
حُسنَى
:
دعنِي
وقتُ مثلي بجانب الكانونِ
جمال
:
قبلةٌ ها هنا على الجيدِ «حُسنَى»
أو على الوجنتين أو في الجبين
حُسنَى
:
حقّ المهوِّسِ المجنون
لكَ يا سيدي جمالُ شئونٌ
فامضِ فيها وخلِّني وشئوني
حُسنَى
:
إلى الكانون والنار
إلى الشغل الذي يَنهى
عن الريبةِ والعار
(وتمشي … السيدة نظيفة تدخل)
نظيفة
(لحُسنَى)
:
مالكِ تَرجعينا
الموزتان يا جما
لُ صارتا عجينا
جمال
:
ألقيهما يا جدتي ألـ
ـقِي العَفَنَ النَّتينا
نظيفة
:
اشربْهما يا ابني عسى
أن يُورثاك لينا
جمال
:
أنا يا جدة لا أقـ
ـوى على هذا العلاجْ
إن في البيت دجاجًا
فاطرحيهِ للدجاجْ