المنظر الأول
«الست نظيفة على فراش في قاعة من منزلها، وحولها «حُسنَى» وجماعة
جئن للسؤال عنها من الجارات».
زائرة
(وهي داخلة)
:
العوافِي أمَّ الأفندي العوافي
حُسنَى
:
اخفِضي الصوتَ.. أمسِكي يا خالهْ
الزائرة
:
ما لها؟ ما بها؟ عفا الله عنها
حُسنَى
:
هي من ليلتين في شرِّ حالهْ
زائرة
:
أمُّ الأفندي عوفَيتْ
من قلبها تحبني
ما كان أندَى يدها
على الفقير والغنيِ
شفاها الله للبيتِ
وللجارِ وللجارهْ
جرى إحسانها كالسيـ
ـلِ حتى أغرق الحارهْ
قد وقعتْ عيني عليها
مرَّة في «السيدهْ»
أخرى
:
فما رأيتِ؟
الأولى
:
جاءت وراحت تُقْرِضُ اللـ
ـه وتُعطي مسجدَهْ
وكلما مَدَّ فقيـ
ـرٌ يدَهُ
الثانية
:
عضت يده
يا أختُ أين المدحُ العَطِرْ؟
وأين جُودها الذي كان المطرْ؟
الأولى
(لحُسنَى)
:
انظري خلْفكِ «حُسنَى»
حُسنَى
:
مَن؟
الأولى
:
هي الشيخة «بنبهْ»
(الشيخة بنبه تتقدم)
بنبه
:
كيف حال الهانم اليوم؟
حُسنَى
:
انظِري، الحالةُ صعبهْ
إحدى الزائرات
:
«حُسنَى» اطرَحِي الغمَّ ولا
تستسلمي إلى الكَدَرْ
رأيت رؤيا أمسِ
أخرى
:
ما ذلك
حُسنَى
:
خيرًا، ما الخبَرْ؟
الزائرة
:
رأيتني فوق طريـ
ـق فيه طينٌ ومطرْ
مشتْ به أم جما
لٍ تَنْثَني وَتَفتْكِرْ
تحملُ حِملَ جملٍ
أو جملين من حَجَرْ
حُسنَى
:
ثُم
صاحبة الرؤيا
:
إذا فوقَ الطريـ
ـقِ ثَمّ شيخٌ قد ظَهَرْ
كأن نورَ وجههِ
تحت العمامة القمرْ
قد طرحَ الأحمالَ عنـ
ـها فَجَرتْ على الأثرْ
حتى لبثتُ ساعةً
عجبتُ كيف لم تَطِرْ
سمعتِ يا شيخةُ رؤيايَ؟
الشيخة
:
سمعتُ العَجبا
رؤيا كأنها الفَلَقْ
تبارك الذي خلقْ
أم جمالٍ أُعِينَتْ
وزال عنها العناءُ
وذلك الشيخ قطبٌ
على يديه الشفاءُ
أخرى
:
أم جمالٍ بخيرٍ
قد أُلْقِيَ الحِمل عنها
(يظهر الدكتور مقبلًا)
إحدى الزائرات
:
ماذا؟ من الداخل؟ من يا تُرى؟
أخرى
:
هذا هو الدكتورُ عبدُ السلامْ
الأولى
:
أبعدَ هذا … القطبُ يؤتَى به؟
الثانية
:
وأيُّ قطبٍ؟
الأولى
:
هلْ نسيتِ المنامْ؟
أخرى
:
ماذا تقول؟ تظنُّ هذا القطبَ
الأولى
:
ذاك هو العَمَى
هذا الطبيبُ مُطربَشٌ
والقطبُ كان مُعمَّمَا
شتَّانَ بين القمرِ الـ
ـمنوِّرِ الملمِّحِ
وبين تيسِ الجبلِ الـ
ـمفلفَلِ المملَّحِ
ما تلك فوق عينه؟
الثانية
:
زجاجةٌ مُدَوَّرَهْ
تَقِيهِ ضوءَ الشمسِ أو
تمنعُ عنه الغَبَرَهْ
كأنها غمامةٌ
تحجب عَيْني بقرة
الأولى
:
ولِمَ تَغَطَّي بالثيا
بِ السودِ رأسًا لقدم؟
كأنما أُخرجَ من
زكيبةٍ من الفَحَمْ
الثانية
:
سود الثياب بمصرٍ
صارت ثيابَ الإمارهْ
فلا تَرَيْنَ بياضًا
إلا على شيخ حارهْ
الأولى
:
وما بِفِيهِ؟
الثانية
:
اسألِي حُسنَى
حُسنَى
:
بِفِيهِ «تُوسكنَهْ»
الأولى
:
مسكينٌ الدكتورُ قد
أصبح فُوهُ مدخنَه
الدكتور
:
العوافي أمّ الأفندي العوافي
حُسنَى
:
هي في غَشْية ونومٍ عميقِ
الدكتور
:
كيف حُسنَى؟ ما حال أمِّ جمالٍ؟
حُسنَى
:
هي في الكَربِ خفَّفَ الله عنها
الدكتور
:
ودوائي؟
حُسنَى
:
لما تعاطَتْهُ نامت
نومةً لم تقُمْ إلى اليوم منها
ما بها يا سيدي؟ ما داؤها؟
الدكتور
:
تُخمةٌ من أكْلَةٍ ذاتِ دَسَمْ
حُسنَى
:
تخمةٌ؟ لا سيدي الدكتور … لا
نحن لا نعرف في البيت التُّخَمْ
الدكتور
:
إذن بها ضعفٌ
حُسنَى
:
ومن أين جاء الضعفُ؟
الدكتور
:
من قلَّةِ ما تَطْعَمُ
حُسنَى
:
وما يقوِّي الضعفَ؟
الدكتور
:
الأكل يا حُسنَى
حسنى
:
وكيف الأكلُ؟ أين الفمُ؟
الدكتور
:
رحم الله زوجها
إنه كان صاحبي
كان في كل منزل
وطريق بجانبي
(ثم ينتقل الدكتور فجأة لمخاطبة إحدى الزائرات)
«خضرةٌ» أنت هنا؟
ما تصنعين يا ابنتي؟
خضرة
:
في كل ساعةٍ أجِي
أسألُ عن سيدتي
خضرة
:
في البيت انطَرحْ
منذ تناول العلا
جَ بالأواني ما سَرَحْ
الدكتور
:
وما له لم يَجِئني؟
خضرة
:
بأيِّ رجلٍ يَجيِكَا؟
الدكتور
(إلى مرجانة)
:
ما ذاك يا بيضاء ماذا أرى؟
مرجانة
:
تورَّمَ الخدُّ من الدُّمَّلِ
الدكتور
(يخرج مشرطًا من جيبه)
:
هاتي أريه … اصبري ساعةً
أفتحُهُ
مرجانة
:
لا، يفتحُ الله لي
أخرى
:
دَعِيهِ يفعلْ تستريحي
أخرى
:
اقعُدِي حَذارِ «مرجانة» أن تفعِلي
(يدخل جمال)
الدكتور
:
من ذاك؟ أنت جمالٌ؟
جمال
:
من؟ سيدي الدكتورُ؟
كيف وجدتَ جدتي؟
الدكتور
:
تسير نحو العافَيهْ
جمال
:
وكيف هي من ثلاثٍ لم تُفِقْ؟
حُسنَى
:
بل إنها من أربع كما ترَى
وارحتماهُ لك يا سيدتي
ولطف الله بنا فيما جرَى
جمال
:
حُسنَى أقلِّي الحزنَ … يعفو الله عن
أزْيدَ مِن هذا ويَشفِي أكثرا
الدكتور
:
دعَا.. لا تخافا ولا تَحزَنا
فما الأمر لليأسِ بالصائِر
وكم فاقدِ الرشدِ لا غائبٍ
ورائي تركتُ … ولا حاضرِ
وآخر لا راقدٍ في الفراشِ
إذا قلَّبوه … ولا ساهِر
حُسنَى
:
أمرضاك كلُّهمو هكذا؟
وهل يستفيقون يا سيدي؟
الدكتور
:
تقوم عليهم يدي بالشفاء
قيامَ المسيحِ على المقعدِ
حُسنَى
(لجمال)
:
وأنت سيدي جمالُ قَوِّنِي
علّمْنِي العزاءَ والتصبُّرا
زائرة
:
«مرجانةُ» انظريهما
الأخرى
:
يحبها
الأولى
:
تحبُّهُ
الثانية
:
وبيديه قلبُها
وفي يديها قلُبهُ
«يخرج جمال، وتخرج مرجانة وبعض الزائرات، وتدخل إحدى الجارات تدعى
زهرة»
زهرة
:
ما حال أمِّ الأفندي؟
حُسنَى
:
سيدتي في العذابْ
مضى عليها أربعٌ
في كُربةٍ لا تُفْرَجُ
في النزعِ لا وعيَ لها
والسرُّ ليس يخرجُ
زهرة
:
لديَّ خاطرٌ خطَرْ
حُسنَى
:
ما ذاك؟
أخرى
:
ماذا؟ ما الخبَرْ؟
زهرة
:
أصغيْنَ … مما جرّبوه في الأسرْ
صوتُ «الفلوسِ» عند رأس المحتضَرْ
إن كان في دنياه بالبخل اشتهرْ
يسمعها فينطفِي على الأثَرْ
وكلما تأخرتْ عنه انتظرْ
حُسنَى
:
إذن قُومي أريحيها
إذن من هذه الحالَهْ
زهرة
:
وأين الشاشُ والفضةُ؟
حُسنَى
:
من مالِيَ يا خالهْ
زهرة
:
مالُكِ أو مالُ سوا
كِ كلُّ مالٍ قد حضَرْ
القصدُ أن يَقْرَع صَو
تُ المالِ سمعَ المحتضَرْ
«حُسنَى» اسمعي لِيَ أصغِي
هاتي ملاءةَ فرشِ
والآن فليُلق كلٌّ
منكنَّ فيها بقرشِ
(ثم لحُسنَى)
(ثم الأخرى)
(للجميع)
(لصبي موجود)
وأنت قُم خُذْ لا تَخَفْ
والآن فلنقمْ إلى الفراشِ
ومثلَ صُنِعي فاصنعوا بالشاشِ
(يدخل جمال)
جمال
:
ما الحال حُسنَى؟ وكيف أمستْ؟
حُسنَى
:
في النزعِ والكَرْبِ لا تزالُ
«يذهبون بالشاش حتى يقتربوا من فراش المحتضرة، وهم ممسكون بجهاته
الأربع، فتخرج الأولى نقودًا وتلقيها في الشاش، فيعمل الباقون مثلها ويتقدم «جمال» فجأة
ويخرج من جيوبه نقودًا، ويقول»
جمال
:
وأنا أيضًا أشترِكْ
هاكِ خُذِي ما أمتلكْ
وضعتُ كل فضتي
كي تستريحَ جدتي
«يلقي بالنقود» «الأربعة يهزون الشاش بالنقود بينهم، وتقول الأولى
مخاطبة المحتضرة»
الأولى
:
امضِي ولا تُفَكِّرِي في المالِ
وانسَيْ حديثَ القرش والريالِ
أنتِ وما ملكتِ للزوالِ
هزُّوا معي … هزُّوا معي
يا أيها الروحُ اطلعي
إلى النعيمِ الأوسَعِ
وديعة الله اذهبي
امضي ولا تُعذَّبي
لله عُودي والنَّبي
إحدى السيدات
(بعد وفاة الجدة)
:
قد انقضى الأمرُ
قد خرجَ السرُّ
«حُسنَى لكِ الأجرُ»
حُسنَى
(لجمال)
:
الصبرَ … واخرجْ سيدي جمالُ
لمثلِ ذا لا يصلحُ الرجالُ
المنظر الثاني
«في منزل المرحومة الست نظيفة. تظهر «حُسنَى» في ثوب أسود».
حُسنَى
(لنفسها)
:
عَيني أحقٌّ أنني في منزلي؟
لا، كان لي فوهبتُهُ لجمالِ
غاليتُ في شَغَفِ الفؤادِ بحبِّهِ
حتى وهبتُ له الثمينَ الغالي
أعطيتُه ما كان أصبح في يدي
من مال جدته فليس بمالي
لم يرضَ قلبي أن أعيش سعيدة
ويعيشَ في بؤسٍ ورقة حالِ
أتُراه يقدرُ خدمتي ومحبتي
أو لا يمرُّ له الصنيعُ ببالِ؟
رحمة الله علَى سيدتي
وسقى الله ثراها وجزاها
حرمَتْني الشاشَ حتى ذهبتْ
فكسَتْني الخزَّ في الموتِ يداها
وحَمَتْني الماءَ حتى احتجبتْ
فسُقيتُ الشهدَ من فيض نداها
صار لي من بعدِها منزلُها
والدكاكينُ وآلتْ ضَيعتاها
ثروةٌ قد نهض الجوعُ بها
ومشى الحرمانُ فيها فبناها
وهبتْ لي كلّ ما قد ملكتْ
لم تَدَعْ من ذاك شيئًا لفتاها
(بعد لحظة)
لا … ذاك مالُ جمالٍ
تركتُهُ لجمالِ
وعدتُ ما كنتُ مِن قَبْـ
ـلُ، فوطتِي هي مالي
أجل أنا الخادم والطاهِيَهْ
وما أنا السارقةُ الباغِيَهْ
ولا على الناس طفيليَّةٌ
أجعل أموالَهمو مالِيَهْ
سمعتُ حديثَ البخلِ حتى صحِبتُهُ
زمانًا أراه كلَّ حينٍ وأسمعُ
يروح ويغدو بين عينيَّ صورةً
ويأتي حِيالي بالحياةِ ويرجِعُ
سيدتي وبخلُها
في «الخُطِّ» سارا كالمثَلْ
وانتقلتْ وذكرُها
بالبخلِ فيه ما انتقلْ
يرحمها الله فما
أنسى لها تلك الجُمَل
في غضبٍ عند الحوا
رِ واضطرابٍ و«زعَلْ»
وما اختلفنا مرةً
في حَمَلٍ ولا جَمَلْ
لكنْ لأجلِ الثوم كا
نَ الخُلْفُ، أو حول البصلْ
ولم نكنْ من الدَقيـ
ـق ننتهي ولا العسَل
يرحمها الله وإن
لم تأتِ يومًا بحسَن
عاشت بثوبٍ واحدٍ
كالمَيتِ عاش بكفَن
أمَّا أنا … فالشاش أو
ما دون ذاكَ في الثمَنْ
وبذلتي وفوطتي
طال عليهما الزمَنْ
وأجرتي عشرون قر
شًا مع كثرةِ المهَنْ
البئرُ لا أبرحُها
خارجةً وداخلَهْ
صاعدةً كالدلوِ كـ
ـلَّ ساعةٍ ونازلهْ
طبَّاخة أصنع من
لا شيء شَيئًا نأكلُهْ
وأنحنِي على البلا
طِ كلَّ حين أغسلُهْ
وكلُّ دكانٍ علـ
ـيَّ أجرُها أحصِّلُهُ
(تدخل زهرة)
زهرة
:
العوافِي يا ابنتي
حُسنَى
:
من جاءنا؟
خالتي زهرةُ؟ أهلًا مرحبا
ادخلي
زهرة
(لنفسها في حسد وحقد)
:
يا لك من طبَّاخَةٍ
نثَر الحظُّ عليها الذهبا
(ثم لحُسنَى)
حُسنَى
:
مال من؟
زهرة
(لنفسها)
:
هي تُخفي
حُسنَى
:
بلَّغوكِ الكَذِبا
زهرة
:
عَجَبًا … أنت إذن لم تَرِثِي
مال مولاتِكِ؟
حُسنَى
:
لا. لا. عَجَبا
أنا يا خالةُ لستُ لِصَّةً
لعنَ الله الغِنَى الُمغْتَصَبا
زهرة
:
إن للجيرانِ «حُسنَى»
ألسُنًا تَهذِي طوالا
حُسنَى
:
ما الذي قالوه؟
زهرة
:
قالوا
أنتِ جَرَّدتِ جمالا
حُسنَى
:
كذبوا والله لم ألـ
مس له باليدِ مالا
(تخرج «زهرة» وتتبعها «حُسنَى» ويدخل «جمال». تدخل «حُسنَى» فترى
جمالا)
حُسنَى
:
مَن ها هنا؟ أهْوَ جمال سيدي؟
جمال
:
أجل، أنا الغريبُ في بيتِ أبي
أنا الذي قد سلبوه مالهُ
لم يبقَ من مالِيَ ما لم أُسْلَبِ
قد ضربَتْني في الحياةِ جدتي
وفي المماتِ
حُسنَى
:
ألف لا، لم تُضْرَبِ
اجلسْ. تفضلْ. استَرِحْ
هَوِّنْ عليك سيدي
جمال
:
لم يبقَ من مالِكِ يا
جدةُ شيءٌ في يدي
ضَيَّعْتِ أمسي ثم لم
يَكْفِ فضيَّعْتِ غدي
حُسنَى
حسنى
:
جمال
جمال
:
افترقنا
جمال
:
تغيَّرَ الأمرُ من حالٍ إلى حالِ
أنتِ الغنيةُ «حُسنَى» والفقير أنا
المال مالُكِ منذُ اليومِ لا مالي
حُسنَى
:
المالُ يا جمالُ؟ الفقُر؟ الغِنى؟
ماذا تقول سيدي؟ ماذا جرى؟
جمال
:
أليس حرمِانيَ لونًا متقنًا
طبخته أنت وجدتي معًا؟
«حُسنَى» دَعِي الخُبْثَ ولا تَجاهَلِي
حُسنَى
:
أتعلم الخبثَ عليَّ والرِّيا؟
حُرمتَ مِمَّ؟
جمال
:
من تراثِ جدتي
حُسنَى
:
إذن من الوارث
جمال
:
أنت لا أنا
حُسنَى
:
أنا أراك سيدي تهزأ بي
كفى جمالُ سَخَرًا مني كفَى
أُقسمُ هذا الأمرُ لم أعمَلْ لَهُ
وإنني آخِرُ من دَرَى بِهِ
جمال
:
أما رأيتِ كاتبًا معمَّمًا
وشاهدَيْنِ يعملون ها هنا؟
وشيخةً تُملِي عليهم سخفَها
تَحْرِمُ ذا قُربى وتعطِي أجنبا
كعينِ ربوةٍ تخطَّى خيرُها
إلى الوهاد مُستحقَّاتِ الرُّبى
حُسنَى
:
جمالُ سيدي تعالَ نحتكمْ
إلى الحقوقِ والصوابِ والنُّهَى
هَبْ ما تقول يا جمالُ قد جرى
جمال
:
لقد جرى
حُسنَى
:
هاتِ الكتابَ فامحُ ما
تشاءُ، واثبتْ ما تَشَا
بَدِّلْ وغَيِّرْ في كتا
بِ وَقْفِها كما ترى
أنت غِنايَ إنْ غضبـْ
ـتَ ما انتفاعِي بالغنى؟
أمضي فأبِغي سيدًا أو أبتغِي
سيدةً أطهو لها
جمال
:
ماذا أرى؟ تبكينَ حُسنَى؟ مِمَّ؟
حُسنَى
:
لا
جمال
:
كَفَي ابنتي كفي بُكا
حُسنَى
:
خُذْ مالَها وخلِّني أعِشْ
كما كنتُ أعيشُ أوَّلا
جمال
:
بحياتي قُولِي الحقيقةَ حُسنَى
أتحبّينَنِي؟
حُسنَى
:
أجلْ، مِلْءَ قلبي
جمال
:
مثلَ حُبي؟
حُسنَى
:
جمالُ أحببتَنِي اليومَ؟
جمال
:
قديمٌ وحقّ عينيكِ حٌبِّي
كنتُ أهواكِ طفلةً تملئينَ الـ
ـبَيْتَ والحوش من صياحٍ ووثْب
كنت أهواكِ طفلةً
في الكوانينِ نافخهْ
كنت أهواك خادمًا
كنت أهواك طابخهْ
(ثم يمسك يدها ويقول)
كم اشْتَهيْتُها يدًا
ما فرغَتْ من العمَل
كنت أراها كَيَدِ الـ
ـمَلْكَةِ أهلًا للقُبَلْ
وأشتهِي رائحَةَ الثَّـ
ـومِ عليها والبصلْ
حُسنَى
:
سيدي أنت خطبتَ؟
جمال
:
لا
حُسنَى
:
نعم
بل خَطَبْتَ امرأةً ذاتَ يَسارْ
وأبوها كابرٌ ذو لقبٍ
وله زرعٌ وضرعٌ وعَقار
جمال
:
وما تريدين «حُسنَى»؟
أ أنفضُ اليد منها؟
الله ربُّ جمالٍ
يُغنيهِ عنكِ وعنها
(امرأة تريد الصعود)
المرأة
:
أ أحدٌ في المنزلِ؟
جمال
(من أعلى)
:
مَن هذه؟
المرأة
:
أمُّ «علي»
أنتَ هنا يا سيدي؟
جمال
:
أجل، تفضَّلي ادخلي
أم علي
(تصعد)
:
دستورَكم
جمال
:
تفضَّلِي
لا أحدٌ في المنزلِ
حُسنَى
(لجمال)
:
من تلك من؟
جمال
:
امرأةٌ
مِن بيتِ أصهارِي الجُدُد
صديقةٌ قديمةٌ
في كل أمرٍ تجتهدْ
حُسنَى
:
ماذا تُريد يا ترى؟
جمال
:
الآن نعلم الخبَرْ
أما أنا فليس لي
في بنتِ إنسانٍ وَطَرْ
حُسنَى
:
كرهتَ سيدي الغنى؟
جمال
:
أجـل
حُسنَى
:
(ثم وهي خارجة)
لا يأخذُ الإنسانُ مِن
دُنياهُ إلا الكَفَنَا
(تدخل أم علي)
جمال
:
يا مرحبًا أمَّ علي
ماذا حملتِ من خبرْ؟
أم علي
:
كنتُ رسولَ الصفوِ والـ
ـيومَ أتيتُ بالكَدَرْ
جمال
:
ماذا؟
أم علي
:
أصِخْ يا سيدي
أمُّ العروسِ جُنَّتِ
جمال
:
كيف؟ ولِمْ أمَّ علي؟
أم علي
:
تريد فسخَ الخِطبةِ
جمال
:
كذا أنا
أم علي
:
وأنت أيضًا؟
جمال
:
تلك كانت نِيَّتِي
قد سمعتْ لا شكَّ أنّـ
ـي قد خَسِرْتُ ثروتي؟
قد علمتْ بأنني
قد حَرمتني جدتي؟
أم علي
:
أجل
جمال
:
فقالت مفِلسٌ
ليس يليق لابنتي
أم علي
:
وهذه «الشبكة» يا سيدي
انظر. تأمَّلْ. خاتَمٌ لا يُعابْ
وهذه قيمةُ ما جاءنا
من «سَبَتِ» النقلِ وغالي الثيابْ
خمسون خُذْها. عُدَّ. مِنْ عادتي
جمال
(يأخذها)
:
أن تَغْلَطِي يا خالتي في الحسابْ
(ثم ينتهي من العد)
أم علي
:
هي خمسون سيدي
جمال
:
هذه خمسةٌ لَكِ
اذهبي. لستُ ناسيًا
أبَدَ الدهرِ فضلَكِ
(تخرج أم علي ثم تدخل حُسنَى)
جمال
(بعد أن يراها)
:
رَبَّاهْ … ما ذاك؟ تلك حُسنَى؟
من أين حُسنَى؟
حُسنَى
:
مِن الستارَهْ
سمعتُ ما قالت العجوزُ
ولم تَفُتْنِي لَها عِبارهْ
خُذْ سيدي
جمال
:
ما ذلكا؟
حُسنَى
:
(تناوله ورقة)
كانت شروطُ الوقفِ لي
فاسْتُعْمِلتْ لخدمتِكْ
وما ظننتُ ثروتي
ما كان غيرَ ثروتِكْ
ذاك اتفاق قد جرى
بيني وبين جدتِكْ
ما أرصدتْ لجهتي
حوَّلْتُهُ لجهتِكْ
جمال
:
جدتي في مَمَاتِها
بَرَّةٌ بي ومحسنَهْ
فعلتْ فيَّ فعلةً
نبَّهتني من السِّنَهْ
ساء في المال مذهبي
فرأت أن تُحَسِّنَهْ
وأنتِ «حُسنَى» أتحبينني؟
حسنى
:
أ أنتَ في ذلك ترتابُ؟
قد كنتَ دنيا مغلقًا بابُها
دُونِي … فكيف انفتحَ البابُ؟
جمال
:
الآن «حُسنَى» أَقْبلي
نُجْرِ حديثَ ما مضى
كيف وجدتِ جدتي؟
وما مكاني عندها؟
حُسنَى
:
تحبُّك الحبَّ الذي
كانت تحبُّهُ ابنهَا
وتكتَسِي إن غبتَ عنـ
ـها أو بَعُدْتَ الوَلَهَا
تكاد لا تسمعُ إنْ
غِبْتَ … تكادُ لا ترى
جمال
:
فما لها كانت تُذيـ
ـقُنِي الجفاءَ؟ ما لَها؟
فلو سألتُها العَمَى
ضَنَّتْ عليَّ بالعَمَى
حُسنَى
:
سيدتي بخيلةٌ
جمال
:
أعلمُ يا حُسنَى بِذَا
وهي إذا قيستْ إلى
جَدِّيَ، كالغيْثِ نَدَى
علَّمها جَدِّي … وكا
ن أجمدَ الناسِ يدا
حُسنَى
:
وأنا أيضًا سيدي
أُصِبْتُ بالبخلِ أنا!
جمال
:
حنانيكِ، ماذا قلتِ «حُسنَى» أخفْتِنِي
أقدَّرَ ربِّي أنْ يطولَ عذابي؟
أأعداكِ حُسنَى بُخلُ جَدِّيَ. إنني
إذنْ من مصاب صائرٌ لُمصابِ
حُسنَى
:
لا تَخْشَ بخلي سيدي … لستُ مَنْ
تبخلُ في حقٍّ ولا واجبِ
جمال
:
ويحِي! أرميك بالبخـ
ـلِ؟ قَبَّحَ الله ظنِّي
وقد رأيتُ بعيني
وقد سمعتُ بأذني
فأنتِ أرجعتِ مالي
وكان قد ضاع مني
فما سوى الله «حُسنَى»
يَقْدِرُ يجَزيكِ عني
ستجمعنا الدنيا غدًا … كيف يا تُرى
يكونُ طعامي أو يكون شرابي؟
حُسنَى
:
سنشرب الماء في أوانٍ
غاليةٍ حلوةٍ نضيدَهْ
وبيرةً كل ظهرِ يومٍ
وتوضع في الثلجِ والبرودَهْ
جمال
:
والأكل؟
حُسنَى
:
ما شئتَ من شواءٍ
ومن دفينٍ ومن عصيدَهْ
جمال
:
نسيتِ «حُسنَى» ما ليس يُنْسَى
حُسنَى
:
ما ذَلك؟
جمال
:
«الباميةُ» الجديدهْ
هذه «الشبكةُ» التي
أرجَعَتْها المغَفَّلَهْ
خاتمٌ قد وضعتُه
في البنانِ المُقَبَّلَهْ
(يلبسها الخاتم ويقبل يدها)
حُسنَى
:
والمهر؟
جمال
(يشير إلى النقود المردودة)
:
تلكَ هي لَكْ
أعْطَى جمال ما مَلكْ
ما المالُ مهرًا للمَلَكْ
حُسنَى
:
ومهرُكَ سيـدي؟
جمال
:
مهرِي؟ تُرانا
تزوجنا على دينِ النصارَى؟
دَعِي حُسنَى المِزَاحَ
حُسنَى
:
أقُول جِـدًّا
ولِمْ تأبَى؟ أتحسبُ ذاك عارا؟
وكم من مسلماتٍ سُقْنَ مهرًا
وإن دُعِيَ الأباعدَ والعَقارا
جمال
:
إذن هاتي اذكرِي مَهري
وسمِّيه على قَدرِي
فقد تعطينني قرشًا
وقرشين … وما أدرِي
حُسنَى
:
بل الدنيا وما فيها
وما جلَّ عن الحصْرِ
جمالُ انزل إلى البئرِ
تجدْ مهرَكَ في القعرِ
جمال
:
مَهْرِيَ في البئرِ؟
حُسنَى
:
أجـلْ
جمال
:
كيف هوَى؟ كيف نزَلْ؟
أنْزِلُها؟ هذا خَبَـلْ!
حُسنَى
:
ننزلُ إن شئتَ معا
لكي أريكَ الموضعا
هناك تُبصِرُ العَجَبْ
جمال
:
ما ذاكَ؟
حُسنَى
:
صُندوقُ خَشَبْ
ممتلئ من الذهبْ
جمال
:
هناك الذهبُ الحلوُ
إذن طِيرِي بنا طِيرِي
قبلتُ المهرَ يا حُسنَى
إلى البيرِ إلى البيرِ