مقدمة الطبعة العربية الأولى
بعد هزيمة حزيران (يونيو) ١٩٦٧م، تحوَّل كثيرٌ من الشباب العربي، مفكرين وأدباء وشعراء، إلى التفكير في ذواتهم وواقعهم لمعرفة أسباب الهزيمة وشروط المقاومة؛ فقد شعروا أنه من الخيانة أن يكتبوا أعظم الأعمال الفلسفية والأدبية والشعرية ليحفظها التاريخ والمنزل يحترق، والدار مهدَّمة. وما الفائدة من عمرانٍ في أرضٍ خراب؟! خرجوا من عزلتهم، وتركوا أعمالهم «الأكاديمية»، وتوجهوا إلى الشارع العربي، وخاطبوا الجماهير العربية من أجل إعادة بناء الوعي القومي كما فعل «فشته» في ألمانيا بعد هزيمتها أمام نابليون.
«قضايا معاصرة» بجزأيه يضم معظم الكتابات التي نشرتُها في المجلات العربية منذ ١٩٦٨–١٩٧١م في «الفكر المعاصر»، «الكاتب»، «تراث الإنسانية» في مصر، و«الآداب» في بيروت. نُشر الجزء الأول في ١٩٧٦م بعنوان «فكرنا المعاصر»، وبه كل تحليلات الواقع العربي وحالتنا الراهنة، والثاني في ١٩٧٧م بعنوان في «الفكر الغربي المعاصر» ويحتوي على دراساتٍ حول أشهر مفكري الغرب الذين قاموا بدور طليعي في تحديث مجتمعاتهم كنموذج لنا على التحديث. وفي نفس الوقت يحاول إعادة كتابة الفكر الغربي من منظورٍ لا غربي ويعبر عن الوضع الراهن للأمة العربية. يعبر الجزء الأول عن وضع «الأنا» والثاني عن وضع «الغير» وكلاهما يعبر عن هزيمتنا أمام الآخر، وما زالا يطرحان عديدًا من القضايا الحية، مساهمةً منا في حلِّ الأزمة المعاصرة ودرء الأخطار عن الأمة. كُتبا في مصر «الناصرية» ويعبران عن الأوضاع الفكرية السائدة في مصر في هذه الفترة منذ الهزيمة حتى وفاة ناصر؛ نقدًا للذات وإصلاحًا للذهن. فالهزيمة كانت في الفكر وفي الروح وفي الوعي قبل أن تكون في ساحة القتال.
وقد غلب على الجزأين منهج واحد وتحليل واحد، بالرغم من اختلاف المجالين والموضوعين؛ وهو المنهج الشعوري الاجتماعي الذي يقوم بتحليل الظواهر الاجتماعية باعتبارها ظواهر شعورية حية في شعور الباحث، لإقامة نوع من «الفينومينولوجيا» الاجتماعية، الهدف منها مخاطبة الجماهير العربية بأسلوبٍ مباشر، وتجاوز المناهج العلمية الأكاديمية الإحصائية النظرية أو التطبيقية من أجل اتصالٍ مباشر بالفكر ورؤية مباشرة للواقع. وبالرغم من دخول مستويات عديدة من الرقابة في التغيير والتبديل والمحو والإسقاط، سواء الرقابة الداخلية في إدارة المجلات أو الإدارة الخارجية للنظام، فإنها ما زالت تعبر عن هذه الفترة من تاريخ مصر، والأمة العربية؛ فترة إعداد الأمة بعد الهزيمة وتحقيق النصر للشعوب.
القاهرة/١٩٨١م