الصحة والجمال
من مساوئ مجتمعنا في الوقت الحاضر أن نعد العمل ضرورة للكسب فقط، ونتمنى لو أننا كنا قادرين على الاستغناء عنه وعلى أن نعيش في بطالة، وهناك من الأثرياء الوارثين من يعيشون في البطالة فخورين بثرائهم، حتى لينظر إليهم غيرهم من العاملين المكدورين بعين الحسد، يُودون لو أنهم أيضًا كانوا قد ورثوا وقد هنئوا مثلهم بالبطالة.
ولذلك تعد البطالة في بعض أوساطنا ميزة، إذا لم تكن الفرص تتيح لنا تحقيقها فلا أقل من أن يدفعنا الزهو إلى التظاهر بأننا قادرون على أن نعيش فيها، حتى لنرى المالك الوارث الذي لا يملك سوى خمسة أو ستة أفدنة يتباهى ببطالته، ويقضي وقته فراغًا كاملًا في حركة الجسم والذهن، ونرى كذلك سيدة البيت وهي تقعد وتتعفن في مقاعدها بلا عمل؛ اعتقادًا بأن للبطالة حقها الطبيعي، وأن العمل والخدمة لم يُخلقا لها، وأنه ما دام في البيت خادم فإنها هي يجب أن تقضي حياتها مرتاحة، في حين يجب على الخادم أن يعمل ويكد، وكثيرًا ما أتأمل هذه الحال، وأقارن بين الخادمة وسيدتها، فأجد أن الأولى تمتاز بالقوام النحيف الجميل في حين أن الثانية تترهل وتستكرش وتلهث لأي جهد، وذلك لأن العمل ينشط الخادمة ويشيع الصحة في جميع أعضائها، فهي خفيفة متحركة نشيطة، في حين أن البطالة التي تفخر بها سيدتها تملأ أعضاءها شحمًا وتجعل بطنها ينبعج، حتى لتزول معالم الجمال فيها؛ إذ هي كتلة متراصة من اللحم والشحم، ونحن إذا أغفلنا القيم الاجتماعية، واعتمدنا على القيم البشرية وحدها، لقلنا: إن هذه الخادمة أفضل من سيدتها، ولو أننا كنا قد نشأنا على احترام العمل، وعلى أن سبب وجودنا في هذه الدنيا هو أن نخدم المجتمع الذي نعيش فيه، لما احتجنا إلى الألعاب الرياضية التي نعوض بها ما كان يجب أن نُؤديه بالخدمة والعمل اليدوي، ولو كانت كل سيدة تمسح منزلها كل يوم، وتُؤدي واجبات الخدمة لزوجها وأبنائها لما أوذيت أعيننا بمظاهر الشحم المتكتل واللحم المترهل في نسائنا اللائي فقدن معالم الجمال؛ لإيثارهن البطالة على العمل، واعتقادهن أنه ليس من واجبهن أن يجهدن ويخدمن.
ليكن لنا مذهب ندعو إليه ونُمارسه: وهو أن العمل والخدمة هما الشرف، أما البطالة فهي الضعة والخسة.