قسوة الرحمة
الرحمة والحنان من أجل العواطف البشرية، ولكن يجب أن يُرافقها التعقل والتبصر لمصلحة هذا الشخص الذي نرحمه ونتحنن عليه، فإن في الرحمة أحيانًا قسوة تُفتت الصلابة وتُفكك الأخلاق.
ونستطيع أن نرى «قسوة الرحمة» في الأم التي تدلل طفلها فتلبي جميع طلباته، فينشأ المسكين على أخلاق مترهلة حتى ليبلغ الخمسين أو الستين من العمر وهو لا يزال طفلًا يعاند ويتدلل.
ونستطيع أن نرى قسوة الرحمة في أولئك الذين يتصدقون على الصبي أو الشاب القادرين على الخدمة، فيفقد كلاهما شهامته ويذل للاستكداء ويرضى بالتسول وسيلة للعيش، بدلًا من أن يعمد إلى رجولته ويعمل ويجد، وهذه الرحمة قد تكون على أقساها وأفظعها حين نتصدق على المريض الذي يحمل في جسمه مرضًا معديًا كالجذام أو الدرن، فتدفعه رحمتنا إلى أن يتعلق بالترام ويتزاحم بالركاب، ويتخللهم، وينقل عدوى مرضه إليهم.
وقد كان هتلر مجنونًا، وكانت النازية مذهبًا تدميريًّا، ولكنه كان رحيمًا بصيرًا بأسمى المعاني للرحمة، حين عمد إلى تعليم الناقصين الذين كان يخشى من انتقال نقصهم إلى نسلهم؛ لأن الرحمة لهؤلاء الناقصين كانت بلا شك تنطوي على قسوة للأبناء والأحفاد الذين ينشئون وبهم عيوب وراثية لا يمكن علاجها.
يجب أن نتبصر في رحمتنا، وأن نتعقل في حناننا، حتى لا نُؤذي الشخص الذي نرحمه ونتصدق عليه فننزع منه رجولته، ونجرد منه شهامته بحناننا وتصدقنا، كما يجب ألا تُؤدي رحمتنا لأحد الأشخاص إلى قسوة بالمجتمع.