الشطط في الفضيلة
عندما أتأمل بعض الأخطاء التي يقع فيها الناس أجد أنها نتيجة للشطط في فضائلهم، فإن المقتصد يُغالي في اقتصاده حتى يقع في البخل أو التقتير، والمتبصر يُغالي في تبصره حتى يخاف المستقبل ويُضحي بحاضره من أجل مستقبله، والأم التي تحنو على أطفالها تُغالي في حنوها حتى تدللهم وتؤذيهم؛ لأنها لا تحملهم على الاستقلال وتكاد تلقمهم اللقمة في أفواههم.
وكلنا إلى حد ما يقع في مثل هذا الشطط، كأننا ضحايا فضائلنا، وذلك لأن الفضيلة التي نُمارسها تعود بحكم التكرار لممارستها عادة ننساق فيها، ولا نتنبه إلى أن هناك ظروفًا يجب أن تحملنا على الحد من الإسراف أو المبالغة فيها، ثم يكون الزلل.
أعرف رجلًا فاجرًا عالجه إخوته بالرحمة اعتقادًا بأنها سوف تصلحه، ثم أسرفوا في الرحمة والغفران فلم يكن من نتيجة لهذا الشطط في الفضيلة سوى إسرافه هو في الفجور والعدوان، وكانوا هم أنفسهم ضحايا هذا الفجور والعدوان؛ أي: ضحايا فضيلتهم في الرحمة به؛ إذ لم يترك واحدًا منهم دون أن يسرقه أو يؤذيه، وقد استحال هو إلى لص بهذه الرحمة، ولو أن عائلته عاملته بالإنصاف لنشأ رجلًا فاضلًا.
ولذلك يجب أن نذكر على الدوام أن الاعتدال هو رأس الفضائل، وأن الشجاعة وسط بين التهور والجبن، والاقتصاد وسط بين التبذير والتقتير، وأن الرحمة وسط بين القسوة والتدليل.
وبكلمة أخرى يجب ألا نكون ضحايا فضائلنا، ويجب أن نزن الفضيلة إلى جنب غيرها من الفضائل، وأن نجعل نظرتنا محيطة شاملة، فلا نلتزم فضيلة تستهوينا وتعمينا عن غيرها، فإن الحياة أكبر من أن تحتويها فضيلة واحدة.