فلنحرر رءوسنا كما حرر الصينيون أقدامهم
كانت الطبقة الحاكمة في الصين، وهي طبقة المانشو التي زالت عن مقاعد الحكم والسلطان بثورة سون يوت سون في ١٩١١، تمارس عادات وتقاليد تحافظ عليها كما تحافظ على سلطانها، وكان من هذه التقاليد أن تربط قدم الطفلة بأربطة وثيقة، حتى إذ شبت وصارت آنسة مرشحة للزواج كان من ميزاتها التي تفخر بها وتُفاخر بها عائلتها أن قدمها صغيرة، بل صغيرة جدًّا لا تسمح لها بالسعي والعمل؛ لأن السعي والعمل من صفات الفقراء والصعاليك، أما هي فمن طبقة الأثرياء أو النبلاء التي تعيش بلا عمل.
وكان ربط القدمين يُؤدي إلى ضغط الشرايين والأوردة، فلا تجد القدمان غذاءهما، فتضمر كلتاهما وتسقطان، وتعيش هذه الفتاة الثرية النبيلة سائر حياتها بلا قدمين، تفخر بنبالتها في المجتمع وخبيتها في الحياة التي تحياها على قدمين هما عضوان.
وجميعنا إلى حد ما يربط قدميه بالتقاليد أو العادات، وإن كانت القدم هنا مجازًا أو استعارة.
ذلك أننا نربط عقولنا كي لا نفكر التفكير الحر، أو تسن الحكومة قوانين حتى لا نُفكر إلا في الحدود التي تعينها لنا، وهذه الحدود للعقل هي بمثابة الأربطة الصينية القديمة للقدم، وهناك تقاليد وعادات نفخر بأننا نتقيد بها، ونحصل بذلك على كرامة اجتماعية، ولكن عقولنا تضيق وتأسن حتى تعجز عن التفكير البكر المنتج، ونصل إلى حال يسألنا الأطفال فيها أسئلة صريحة عن هذا الكون ومنشئه وعن الحق والضلال وعن الفضيلة والرذيلة، فنجيب على أسئلتهم بالكذب أو النفاق أو الغش؛ لأن عقولنا قد ربطت منذ طفولتنا كالقدم الصينية القديمة.
وقليلون منا هم الذين فكوا هذه الأربطة عن عقولهم وانطلقوا يفكرون في حرية وابتكار، ولكن المقيدين المربوطين لا يطيقون هذه الحرية؛ لأنها نور يعشى عيونهم التي نمت في الظلام.
علينا أن ننمو النمو الطبيعي بلا أربطة صينية للعقل أو لغير العقل، وعلينا أن نكف الحكومات عن وضع الأربطة للعقول، وأن ننفض عنا التقاليد والعادات التي تربط عقولنا وتقيدها.