الحي لا يسأم الحياة
نسمع كثيرين يقولون، في تثاؤب واسترخاء، إنهم سئموا الحياة، ولكن الحقيقة أنهم لم يسأموا الحياة، وإنما الموت هو الذي سئموا.
ذلك أنهم قد مضت عليهم سنوات وهم في موت ولكنهم لا يدرون، وقد تسلل الموت إلى نفوسهم رويدًا رويدًا في غير عناء أو بطش، فلم يحسوا، فاستسلموا وماتوا، وهم لا يختلفون عن موتى القبور إلا في أنهم لم يدفنوا بعد.
فقد قضوا سنوات التثاؤب والاسترخاء وهم في فراغ؛ أي: خواء النفس والعقل، فلم يؤدوا عملًا، ولم يعرقوا ويلهثوا في كفاح، ولم تكن لهم أهداف يتطلعون إليها، أو آمال ينشدون تحقيقها.
وكل هذه من علامات الحياة، ولكنهم قد خلوا منها جميعًا، وعاشوا في خواء فسئموا حياتهم؛ أي: «سئموا الموت».
إننا نحيا بالكفاح والعمل والمسئوليات، ولا عبرة بأن ننتصر أو ننهزم؛ لأن الحياة الناجعة ليست ببلوغ الهدف بقدر ما تكون بمحاولة البلوغ، وأولئك الذين يسألون من وقت لآخر عن ماهية السعادة، أو طريق الوصول إليها، إنما قد فقدوا لذة الحياة؛ لأنهم يعيشون بلا كفاح أو عمل.
والرجل المكافح، أو الرجل العامل الذي ينشد هدفًا، لا يقف كي يسأل هذا السؤال؛ لأنه يحس أنه في سعادة بكفاحه أو عمله، وأنه يعيش حياة هادفة، يقصد منها إلى غاية، ولذلك تستحيل حياته إلى نشاط سامٍ، كأنه يؤدي رسالة.
أيها القارئ: لا تجعل حياتك خواء هباء، ولا تتسكع في هذه الدنيا، فتسأم الحياة أو تموت وأنت حي.
عشْ عن عمد، وأهدفْ إلى هدف، وأدِ رسالة، وكافحْ من أجل الشرف والحق والعدل، وإذا استطعت أن تحترف المجد فاحترفه، فقد تكون أهلًا له.