الشرق والغرب … أيهما المادي؟
من أسخف المزاعم أن يقال: إن الشرق روحي والغرب مادي، كأن الروحية هباء أو سحر لا تتصل بحاجات الحياة من طعام وكساء ومسكن، وكأن الفلاح المصري الذي تأكل ديدان البلهارسيا أحشاءه، ولا يحصل على أكثر من جنيه أو نصف جنيه في الشهر، ولا يقتات هو وأبناؤه إلا بأتفه الطعام، هذا الفلاح، أكثر روحية من الفلاح الإنجليزي أو الفرنسي الذي يتمتع بجسم سليم من الديدان، ويحصل على خمسين جنيهًا في الشهر يشتري بها الطعام الوافي لأولاده والكساء الواقي، ويعيش في المسكن الصحي النظيف.
وليس عجبًا بعد هذا السخف والهراء أن نجد أن أعظم أمة كانت تدعو إلى الروحية، وهي الهند، قد انتهت روحيتها هذه إلى إيجاد طبقة من المنبوذين يبلغون خمسين مليون إنسان قد حرموا الحقوق البشرية البدائية، ووصموا بالنجاسة في حين نسبت القداسة إلى البقر.
وقد سئمنا جميعًا هذا الهراء عن الروحية والمادية، كما سئمتها الهند التي ألغت روحيتها، وأقبلت على المادية تُنشئ المصانع وتزيد الثراء وتلغي الفقر، حتى لقد قال «هوشي» أحد زعماء النهضة في الصين الجديدة «إن الواقع أن الغرب أكثر «روحية» من الشرق؛ لأنه يشتغل ويهتم بإنهاض الشعب، والشعوب الأوروبية تعمل لأجل الحرية والمساواة والعدالة، أما الشعوب الشرقية فتقعد، وتزعم أنها تصلي بتكرار كلمة «بوذا»، وهذا الشرق يرضى، وهو راكد، عن الفاقة ويسترضي السماء ويتحمل صامتًا متاعب الحياة، ولكننا نجد في الغرب سخطًا على الفقر، وكراهة لتحمل المظالم، وكفاحًا عنيدًا مثابرًا لإصلاح الوسط، ويجب على الصين أن تجعل ديانتها عملية نشيطة، ويجب على شعبها أن يعالج الفاقة ويعمل للتقدم.».
هذه كلمات رجل ناهض يعده دعاة التقاليد المحنطة الذين يعيشون لينوحوا على تراثهم العتيق في الصين كافرًا، وليس شك في أنه كافر بالماضي الذي ينوء بالظلم والظلام، ولكنه مؤمن بالمستقبل الذي ينبلج نوره عن حضارة جديدة.