القارئ التافه والمجلة التافهة
يكفيني في بعض الأحيان وأنا أنظر إلى الشاب في الترام أو القطار وهو يقرأ المجلة أو الجريدة أن أحكم على مرتبته الثقافية وأعين درجته الاجتماعية، فهناك الشاب التافه الذي يقرأ المجلة التافهة ويشغل ذهنه بالقيل والقال، وهو لا يقتل وقته بهذه القراءة بل يقتل نفسه؛ ذلك لأنه يثبت على هذه التفاهة أو هو يشبع منها ويصد عنها ثم لا يقرأ، فيعيش عاميًّا بليد الذهن لا يفهم ولا يهتم بالاهتمامات العالية.
لذلك يجب أن نُعنَى باختيار الجريدة أو المجلة كما نُعنَى باختيار الصديق، وكما نتجنب الصديق الذي يسيء إلى سمعتنا ويغشنا بالنصيحة أو يحملنا بالقدوة على السلوك السيئ، كذلك يجب أن نتجنب الجريدة أو المجلة التي لا تغذونا بالأخبار الصحيحة، والتي لا تُبالي سوى إغرائنا على قراءة السخيف من الأخبار والآراء.
ونحن نقرأ الجرائد والمجلات نحو خمسين أو ستين سنة في حياتنا، وهي لذلك تربينا وتكون لنا مزاجنا الفني، واتجاهنا الاجتماعي، بما تزودنا به من أخبار وما تنشره من آراء، بل أيضًا بما لا تنشر من أخبار أو آراء، وأثرها في أنفسنا لهذا السبب أكبر من أثر المدارس والجامعات.
وهناك امتحان واحد للجريدة أو المجلة يدلنا على أنها حسنة أو سيئة، هو أن يسأل الشاب نفسه: هل أنا أُربي نفسي بقراءتها وأرتقي وأنتفع منها أم أنا لا أجد فيها غير التسلية العابرة بالنكتة السخيفة والصورة العارية؟ أو هي لا تزيد لذتها عندي على أكثر من أكل اللب أو الاستماع إلى القيل والقال.
يجب أن نقرأ كي نُربي أنفسنا، ويجب أن نختار هذا المعلم الذي يرافقنا في حياتنا نحو نصف قرن، فإذا لم يكن جديرًا بالتعليم فيجب أن نتركه ونبحث عن غيره؛ حتى تتسع آفاقنا بالسياسة العالمية والعلوم والآداب العصرية، وحتى نتعود منه عادات البحث، وحتى نعرف كيف نستخلص الحقائق من المعارف.
وهذا المعلم هو الجريدة أو المجلة.