كيف نستغل فراغنا؟
كان «هربرت سبنسر» يقول: إنه يستطيع أن يعرف اهتمامات أي إنسان بعد ثلاث أو أربع دقائق من الاستماع لحديثه؛ وذلك لأننا كلنا في الحديث نتجه نحو الموضوعات التي تشغل قلوبنا وتحرك عقولنا.
ولكن ما نهتم به ليس في الأغلب حرفتنا ومعاشنا، بل مشاغلنا التي نملأ بها هذا الفراغ بما نحب من نشاط، ولذلك نجد أن الهواية أو الهوايات التي تلصق بقلوبنا، والتي نستغل بها فراغنا أو «نقتل» بها وقتنا، تعمر شخصيتنا وتملأ حديثنا فلا نكاد نتحدث إلا عنها، ولذلك نستطيع أن نميز الرجل الحكيم من الرجل الجاهل عندما نعرف الطريقة التي يستغل بها كل منهما فراغه.
وهذا معقول؛ لأننا في الحرفة التي نتكسب بها قد نضطر إلى عمل ليس لنا فيه اختيار، ولكننا في الفراغ نختار ونفاضل ونميز بين الأعمال، فأحدنا يقرأ والآخر يلعب، وأحدنا يتكاسل ويتثاءب ويسمر، والآخر ينشط ويتخذ بعض الألعاب الرياضية، بل إن أحدنا قد يهوى عملًا فنيًّا لا يزال يمارسه ويتبرع فيه حتى يجد في أحد الأيام أن هوايته هي كل شيء، وأنها جديرة بأن تكون حرفة يتخذها بدلًا من حرفته التي اضطر إليها اضطرارًا.
وعندما نبلغ الشيخوخة أو نُقاربها، نجد أن حرفتنا التي كنا نعيش بها ونتكسب منها قد نسيناها، بل نحن نسارع إلى نسيانها، ولكن الهواية التي لازمتنا أيام الشباب قد بقيت وقويت، ونحن عندئذ نجد فيها أعظم ما يبعث النشاط والبهجة والسعادة أيام الشيخوخة.
يجب أن يكون لكل شاب هواية كالقراءة أو الكتابة أو الصيد أو تربية الحمام أو النجارة أو غرس الأشجار أو الرسم أو البحث العلمي أو قرض الشعر … إلخ إلخ.
ذلك لأن هذه الهواية تصده عن «قتل الوقت»، فلا يعود الوقت عدوه بل يستحيل إلى صديق؛ لأنه يجد فيه الفراغ الذي يرقى به وينمو به ذهنه وتنضج به شخصيته، فلا يزال في نمو ونضج ولو بلغ التسعين أو المئة من العمر، ثم مع ذلك يكون سعيدًا برقيه ونموه.
ما هي هوايتك أيها الشاب؟ وهل أنت «تقتل» وقتك أم «تستغله»؟