الطبيعة تجود بجمالها
من أحسن ما قاله «ريتشارد لوجالين» في دعوة الناس إلى الاستمتاع بالحياة: «ماذا كنا ندفع من أموالنا كي نرى القمر لو لم تكن الطبيعة قد عرضته لنا بالمجان؟.».
والواقع أن الإنسان ليسخو بأكبر مقدار من أمواله كي يرى هذا المنظر الطبيعي الرائع، القمر وهو يدور يتوسط السماء، أو وهو بازغ يتوهج من الشرق، وكي نعرف القمر على أكمله يجب أن نراه في الريف من الحقول المنبسطة التي يسكب عليها أشعته ويكسوها بمثل السحر، حتى لنكاد نضن بساعة للنوم تحرمنا رؤيته، ونحس أننا نود لو نقضي الليل كله وهو يغمرنا بسحره، ونحن مأخوذون بروعته.
ولكن ليس القمر وحده هو الذي يمثل جمال الطبيعة، فإن الشفق الذي ينبسط على الآفاق وقت الغروب لا يقل جمالًا عن القمر، والحقول التي تزد هي بخضرة النبات وألوان الزهر، بل حتى الصحراء القاحلة، تبعث في نفوسنا من الإحساسات الفنية ما يجب على كل إنسان أن يستمتع به، وأن يسخو بالوقت والمال كي يحسه ويقتنيه اقتناء نفسيًّا يجعله ثريًّا بالحياة.
يجب أن نربط أنفسنا بهذه الدنيا، بل بهذا الكون كله، فلا نعيش حياتنا محصورين محدودين في البيت أو المتجر، بل يجب أن نخرج من وقت لآخر كي نزور هذه الدنيا، فنعرف مياهها وجبالها وريفها، يجب أن نرصد بعض ليالينا كي نتحدث إلى القمر والنجوم، وكي نحس خلوة الصحراء في الظلام، ودبيب الصبح على رمالها، ونتسمع إلى صمتها، ونحاول أن نحس إحساسها بروح ديني.
والناس في أيامنا مشغولون بالاقتناء العقاري ينفقون عليه جهودهم ويفنون أعمارهم، ولكن كلًّا منا يستطيع، إذا كان فهيمًا حكيمًا، أن يقتني هذه الدنيا كلها، بل كل هذا الكون اقتناء نفسيًّا لا يكلفه سوى التأمل والتعرف، ويجب أن نتعمق الفكرة في هندستها، وعطرها، وألوانها، وأن نتأمل الغرب في مكره، وهو يدس دسيسة للخطف والنهب، وأن نقعد الساعات على الشاطئ كي ننقل إلى أنفسنا إحساس هذا الماء الجاري أمامنا.
إننا، وهذه الطبيعة التي تحطونا، وحده لا تنقسم، فيجب أن نتعرف إليها ونتغلغل في تفاصيلها، ونستمتع بجمالها ونقتنيها اقتناء لا ينزع من نفوسنا، هو اقتناء التأمل والدرس.